الأول: استاذي والثاني: صديق عمري.. وفي يوم واحد قدر لي وللملايين من محبيهما أن يخطف الحزن قطعة من القلب ومن الذاكرة! رجاء النقاش استاذ جيله وكل الأجيال اللاحقة، غيبه النكد قبل أن يغيبه الموت، انسحب مقهورا وكاد أن يتوقف عن الكتابة بسبب المناخ الثقافي الفاسد وجيوش الظلام التي عطلت الإبداع ووضعت في المقدمة كتب الأرصفة الصفراء. رجاء النقاش هو سليل عائلة النقاش العريقة فكرا وابداعا ونضالا ضد القبح والفساد وظلم الحكام من وحيد النقاش "الناقد العبقري الذي خطفه الموت مبكرا" إلي فريدة النقاش أول رئيسة تحرير لجريدة مصرية معارضة.. ورجاء الذي حصل علي الماجستير وكان يتمني الانخراط في السلك الاكاديمي خطفته الصحافة والحياة الأدبية ليكون واحدا من أهم نجومها، ورجاء النقاش هو أول من عرف العالم العربي بأدب القادمة الفلسطينية، وهو الذي قدم محمود درويش وسميح القاسم ومعين بسيسو إلي المصريين، وكانت مقالاته هي السبب في إنشاء مدينة الإنتاج الإعلامي لتكون أول مدينة عربية للإنتاج التليفزيوني والفيديو، وهو الذي أطلق الدعوة لإنشاء صندوق التنمية الثقافية وكان يتمني قبل رحيله أن يشهد تحقيق حلمه في إنشاء مدينة للناشرين تكون معرضا وسوقا لطباعة وبيع الكتاب طوال العام. وكان بيت رجاء النقاش ملتقي كل الأجيال دخلته أول مرة في بدايات السبعينيات وكنت خارجا لتوي من سجون السادات وكان الأستاذ رجاء النقاش حريصا علي التواصل مع شباب الحركة الوطنية في الجامعة ومع شباب المبدعين الذين كان له الفضل في تسليط الضوء علي العشرات منهم. ومن المؤلم أن ينكسر قلمان ويرحل فارسان لينكسر القلب في يوم واحد، ومع قطعة من التاريخ ترحل قطعة من القلب، مجدي مهنا. كان مجدي مهنا صديقا للجميع، وكان يصعب علي ألد أعدائه السياسيين أن يكرهوه والسبب أنه إنسان جميل ومهذب وشريف، لم يسمح لنفسه بأن يكون تابعا لأحد ولم يكن عبدا لحزب ولا لسلطة ولا لمال، ترك الوفد وموقعه في رئاسة تحرير جريدته لأنه رفض أن يكون مجرد فاترينة للشعارات الزاعقة، ولأسباب تتعلق بحريته ككاتب ترك رئاسة تحرير المصري اليوم، ولأسباب أخري تتعلق ببيع نقابة الصحفيين للأحزاب والتيارات السياسية وتخليها عن دورها النقابي ترك العمل النقابي بعد أكثر من 10 سنوات كان فيها هو نجم النقابة الشاب الحاصل علي أعلي الأصوات واستطاع مجدي مهنا خلال اطلالته التليفزيونية علي قناة دريم وفي التليفزيون المصري وعبر عموده الشهير أن يعيد لنا شرف الكاتب وقدسية الكتابة، لم يشتر أحد قلمه ومات كما عاش شريفا طاهر اليد لم يقبل من وزير أو رجل أعمال قطعة أرض كما فعل العديد من رفاق مشواره وقد حكي لي قبل وفاته بعام عن رشاوي هائلة رفضها وضعف أمامها زملاء كان يحترمهم. مجدي مهنا، خطفه الموت وهو واقف كشجرة شامخة، وقبل الموت خطفه الحزن علي الظلم والفساد والنفاق، والمؤسف أنه مات قبل أن يعرف وقبل أن نعرف نحن.. مصر رايحة علي فين؟! رحم الله رجاء النقاش ومجدي مهنا.. فارسان جميلان في زمن قبيح!