لم يتوقف المسلمون في اي عصر عن الاجتهاد، وفي هذا المقال سوف نحاول التعريف ببعض اهم رجاله في القرون المختلفة وما قدموه لهذه الامة لعلنا نتعرف علي حجم الازمة التي نمر بها. أبوالحسن الأشعري أكد في سلوكه وحياته علي مبدأ مهم وهو واجب وحق الانسان في تعديل فكره والعدول عن رأي اذا اكتشف خطأه والسعي للحوار والتفاعل مع الافكار والرؤي المطروحة بموضوعية ودون انحياز مسبق واكد الاشعري في سلوكه وفكره علي اهمية التطور الفكري وعدم الجمود والبحث عن المشتركات في الافكار المتباينة وتقريب الاراء ووجهات النظر المتنافرة وقد قاد الاشعري التطور والانفتاح علي مجمل الافكار لتعزيز مفهوم التسامح الديني.. وهو من اهم الملامح التي يمكن رصدها في كتبه. الفارابي.. المعلم الثاني صاحب الفضل الاول علي الفلسفة الاسلامية، فهو الذي وضع اساسها، ورتب مسائلها ولهذا يعتبر اول فلاسفة الاسلام علي الحقيقة، ولقب بالمعلم الثاني كما كان ارسطو المعلم الاول.. اجاد اللغات التركية والفارسية واليونانية والسريانية والعربية.. وكان له جهد تأسيس الفلسفة الاسلامية فجمع ما ترجم قبله الي العربية من علوم الفلسفة وهذبه ورتبه وبهذا كان له فضل التجديد الفلسفي وقتها.. وكان ينظر في المسائل والاراء الفلسفية المختلفة بنظرة المجتهد ويدعو الي الحقيقة ولو خالفت رأيه او رأي ارسطو.. كما سعي لاصلاح آليه الحكم الاسلامي من خلال كتابه "اراء اهل المدينة الفاضلة"، حث فيه علي اهمية حرية الرأي والاعتقاد باعتبارها السبيل الوحيد لنهضة الامم والارتفاع بالفلسفة الي مراتبها القصوي. ابن سينا.. الشيخ الرئيس انشغل منذ صباه الباكر بالقراءة ثم التأليف.. والتعليم.. وفي زمنه كان العباسيون يحاربون اي فكر يخالف مذهبهم.. ويناوئون الفلسفة ويتهمون الفلاسفة بالميل لافكار اعدائهم "الفاطميين" ويرمون من يخالفهم بالكفر.. لم يرهب ابن سينا هذا المناخ ودرس الفلسفة ورفض الجمود و"الارهاب الفكري" وخرج من دائرة التقليد الي براح التجديد وكان يقول "حسبنا ما كتب من شروح لمذاهب القدماء، فقد آن لنا ان نضع فلسفة خاصة بنا".. وقد حرص علي التعامل الموضوعي العاقل مع الاراء والافكار.. واجتهد في اصلاح الفلسفة الاسلامية واستحق لقب الشيخ الرئيس.. وقد حكم عليه اصحاب الجمود بالكفر.. ولكن ذلك لم يمنعه من الاخلاص للفلسفة واراء الفلاسفة ذات اخلاصه لدينه وعقيدته لانه كان يؤمن بانه لا خلاف بينهما. ابن رشد درس العلوم الدينية والعربية والفلسفة دراسة دقيقة حتي امتاز عن كل من سبقه من الفلاسفة بجمعه بين العلوم الدينية والفلسفية، فاستحق ان يعد من أئمة الفقه، كما يعد من أئمة الفلسفة، اطلق عليه فلاسفة اوروبا في اوائل عصر النهضة لقب "الشارح".. لانه كان افضل من شرح فلسفة ارسطو.. ادرك ابن رشد مبكرا انه لا عداء بين الفلسفة والدين. لكن انصار الجمود- من رجال وفقهاء الدين- تآمروا عليه وحاربوه واتهموه بالكفر، لمخالفته اراء اصحاب نظريات الجمود والتقليد، ورد الاعتبار للفلسفة، التي اهدرها الغزالي في كتابه "تهافت الفلاسفة" وجعل الجمود يخيم علي العقول، فكان كتاب ابن رشد "تهافت التهافت" الذي ابطل فيه مزاعم الغزالي عن كفر الفلاسفة وكان رأيه بانهم مجتهدون يثابون ان اصابوا ويعذرون ان اخطأوا ثم كان كتابه "فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال" اكد فيه انه لا خلاف بين الفلسفة والشريعة لانه لا خلاف بين الدين والعقل، واعلي ابن رشد من قيمة العقل وحرية الفكر والتفكير، وهو القائل: "ان الشريعة الخاصة بالحكماء هي الفحص عن جميع الموجودات، اذ كان الخالق لا يعبد بعبادة اشرف من معرفة مصنوعاته التي تؤدي الي معرفة ذاته سبحانه علي الحقيقة التي هي اشرف الاعمال عنده واحظاها لديه". نجم الدين الطوفي جاء الطوفي الفقيه الحنبلي بمبدأ صارم قضي علي الاسلوب المراوغ الذي عالج به الفقه السلفي "المصلحة" وكان يفتات عليها ويضيق بها كأن يقول ان الشرع يأخذ بالمصلحة ثم يعود ليقول ان المصلحة الحقيقية هي في الشرع! فتح الطوفي هذا الباب الموارب علي مصراعيه واعلنها مدوية صريحة "ان المصلحة هي المقصد الاسمي الذي يجب الاخذ به اذا حدث تعارض ما، بينه وبين النص او الاجماع كل علي سواء". واكد الطوفي ان الاخذ بالمصلحة عند التعارض بينها وبين النص لا يتأتي من باب الافتئات علي النص، ولكن من باب تأويله ولا يقال ان الشرع اعلم بالمصالح فلتؤخذ من ادلته لاننا قررنا ان رعاية المصلحة من خصائص الشرع وهي اقواها واخصها فنقدمها في تحصيل المصالح". في فلسفة الطوفي نجد المعالجة الصريحة الجذرية لقضية المصلحة ونجد الاقامة الاصولية لها علي اسس شرعية لانه انتهي الي مبدئه عن طريق تفسيره لحديث "لا ضرر ولا ضرار". وقد اثارت اراؤه ثائرة الفقهاء منذ ان قال بتقديم المصلحة، التي تفتح الباب علي مصراعيه للعقل وحرية الفكر والاجتهاد.