مهما تكن آراؤكم وتوجهاتكم السياسية أيها القراء، فعليكم أن تقروا بأن الماراثون الرئاسي الحالي واحد من أعظم السباقات في تاريخ الولاياتالمتحدة. قد تتساءلون: وماذا بعد؟ إليكم البقية: فريد تومبسون يفوز في فلوريدا في تصويت تعاطفَ فيه معه المتقاعدون؟ وجون إدواردز بات يكن مشاعر جديدة لكارولينا الجنوبية؟ والواقع أنني أعتقد أنه لا أحد يستطيع أن يتفوق علي مايك غرافل ويأتي بمثل الخطاب الذي ألقاه أمام تلاميذ مدرسة ثانوية في نيوهامبشاير عندما دعاهم إلي تفادي الكحول والتمسك بالماريجوانا. والحقيقة أننا بتنا مستعدين أصلاً لسماع أي شيء. وإذا كنتَ من أنصار الديمقراطية، فلابد أن فوز هيلاري كلينتون في انتخابات نيوهامبشاير التمهيدية هذا الأسبوع أمر "جيد" بالنسبة لك. ذلك أنه لا أحد منا يرغب في أن تتحدد الانتخابات كلها علي أساس مراسيم وطقوس غريبة في "آيوا"، ورأي ولاية صغيرة تكاد آراء سكانها تكون متطابقة. إننا نريد منعطفاً! وولاية داكوتا الجنوبية تريد منعطفاً أيضاً! والحق أن السباق "الديمقراطي" الحالي استثنائي للغاية بالنسبة للانتخابات الأمريكية من حيث إنه يحتوي علي أكثر من خيار واحد. فقد تبين أن باراك أوباما ذكي جداً حين جعل الاعتدال يبدو أمراً مهماً ومثيراً؛ وربما يكون أوباما هو السياسي الوحيد في تاريخ الولاياتالمتحدة الذي يستطيع تهييج الحشود عبر دعوتها إلي التزام الأدب. كيف لا وهو الذي قال في خطابه التوديعي في ولاية نيوهامبشاير: "يمكننا أن نبدي اختلافنا من دون أن نكون نزاعين إلي الخلاف"، وهي عبارة استحق عليها أوباما موجة من التصفيقات المؤيدة. ربما يكون الأمر مسألة وقت فقط قبل أن تعلن هيلاري كلينتون عن اكتشاف "أقارب" كينيين لها كانت تبحث عنهم منذ وقت طويل! من دون شك أن هذا أمر ثوري وعلي قدر كبير من الأهمية، ولاسيما في بلد تكون الغنائم فيه عادة من نصيب من يصرخون بأعلي أصواتهم. فمعظم الأمريكيين يريدون حكومة معتدلة، غير أنه لا أحد كان قادراً من قبل علي جعل الاعتدال يبدو أمرا مهماً، ناهيك عن جعله يبدو جذاباً. (ولنتذكر هنا جوزيف ليبرمان). ومن ناحية أخري، هناك هيلاري كلينتون الجديدة، التي لا تختلف كثيراً عن هيلاري كلينتون القديمة. فأمام أنصارها الذين احتشدوا للاحتفال بفوزها ليلة الثلاثاء، قالت هيلاري: "لقد أصغيتُ إليكم خلال نهاية الأسبوع، وخلال إصغائي إليكم لمستُ بعضاً من أفكاري". قبل أن تنتقل إلي إلقاء خطاب ممل للغاية بدأ علي النحو التالي: "إن هذه الحملة هي أساساً حول الشعب". والحقيقة أن هيلاري تبدو أكثر صدقاً وتميزاً عندما تكون رتيبة ومملة بالذات. وهكذا، عادت السيدة الأولي السابقة لتتحدث عن السياسات مع الناخبين. وتلك في الواقع هي الطريقة التي أنقذت بها حملتها الأولي من أجل عضوية الكونجرس حين اختفت في شمال نيويورك في جولة طويلة للاستماع، جُن خلالها الصحافيون من فرط رتابتها، غير أنه بدا أنها أسعدت المواطنين كثيراً، مع ذلك. لقد قالت هيلاري لحشد في هامبتون بولاية نيوهامبشاير: "إن إيجاد أرضية مشتركة والعمل علي التغيير هو قضية حياتي"، مستعملة بذلك أحد شعارات أوباما. فهي لا تجد حرجاً في استعارة الأمور الجيدة للمرشحين الآخرين. بل إنها ذهبت إلي حد السطو علي العبارة الختامية التي يُهيج بها أوباما الجمهور. وربما يكون الأمر مسألة وقت فقط قبل أن تعلن عن اكتشاف "أقارب" كينيين لها كانت تبحث عنهم منذ وقت طويل! بيد أنها حين شرعت في الإجابة علي الأسئلة، كانت أيضاً وفية لعادتها القديمة. ومع ذلك، فإن الجمهور الغفير، الذي وقف قرابة الساعتين في ملعب المدرسة الثانوية ينتظر قدومها، بدا أنه استمتع، علي رغم كل شيء، بحديثها. ولئن كانت علاقتها بالناس غير عاطفية عادةً، إلا أنها حين تنجح، تكون علاقة حقيقية تبدأ باعتقاد قوي بأنها ستعمل بجد باسمهم. ستكثر التفسيرات والتأويلات بخصوص سبب انفجار موضوع النوع الجندر- في نيوهامبشاير، واصطفاف الناخبات في صف هيلاري بعد الأسبوع الفظيع الذي خسرت فيه انتخابات "آيوا"، وتمت محاصرتها في مناظرة نهاية الأسبوع، وقالت إنها غير مرغوب فيها في التلفزيون الوطني، وأيضاً عندما سألتها ناخبةٌ رقَّت _دون شك- لحالها، كيف استطاعت أن تصمد تحت كل هذه الظروف. فهل تنظر النساء اللواتي هن في سن أوباما إليه ويرين فيه الولد ذا الشعبية الكبيرة الذي كان يتحاشاهن ولا يتحدث إليهن أبداً في المدرسة الثانوية؟ وهل تجاوبن مع استراتيجية هيلاري المتمثلة في تذكير الجمهور علي الدوام بأنها تعمل من أجل الإصلاح منذ 35 عاماً؟ الواقع أن أوباما لن يستطيع التغلب علي كل هذا، إلا إذا استطاع أن يثبت أنه كان عامل تغيير في المدرسة الابتدائية. لعل أكثر النظريات التي أميل إليها هي أن هيلاري كانت بديلة هذا الأسبوع لكل امرأة تتولي مهمات متعددة وكثيرة -النساء اللاتي انتهزن فرصة إنجاب الأطفال/ العودة إلي الدراسة/ إنشاء مشروع تجاري/ التحول إلي مهنة المحاماة. ولكن ثمة أياماً لا يستطعن فيها تلبية احتياجات الجميع. ولنعد إلي المرأة التي رقت لحال هيلاري وتعاطفت معها، فقد كانت تعرف أن ذلك غير معقول. فهي من سعت إلي هذا السباق، وإذا كانت مرهقة، فإن المرشحين الآخرين مرهقون أيضاً (فماكين المسكين يبلغ من العمر 71 عاماً، وهو مصاب كذلك بالتعب وعلاوة علي ذلك، فالمرشح المتفوق علي خصومه يجد نفسه دائماً عرضة لهجوماتهم في المناظرات التلفزيونية وغيرها. وإذا كانت حملتها قد عانت حالة فوضي واضطراب، فإن واجبها هو إصلاحها أو تحمل عواقب ذلك. وعلي رغم كل شيء، فإن النساء أحسسن بشعور هيلاري، ومنحنها أصواتهن من باب التعاطف معها. ولكن الأمر لا يتعلق بالتزام طويل الأمد، وإنما بإضراب قصير من قبل "الأخوات" عن عالمهن المزدحم والحافل بمشاغل الحياة وتفاصيلها المتناثرة كيفما اتفق.