"والدتي كانت دائما تقول إن الديمقراطية هي أفضل ثأر".. بيلاوال بوتو زرداري (نجل الراحلة بي نظير بوتو) ليس هناك ما هو أكثر خطأ في فهم الديمقراطية من المفهوم أعلاه. فالديمقراطية في جوهرها تعارض مفهوم الانتقام الذي كانت تشير إليه بي نظير بوتو. الانتخابات وسيلة لاستعادة السلطة بالنسبة لأسرة بوتو. فقد كانت بي نظير تحاول باستمرار أن تثأر لمقتل والدها، رئيس الوزراء السابق الذي اعدم. والآن بيلاوال يعتزم فعل الشيء نفسه للثأر لمقتل والدته. كما أن حزب الشعب الباكستاني ظل باستمرار مملوكا للأسرة، ويظهر ذلك جليا في السرعة التي سيطر بها زوج بي نظير ونجله علي الحزب عقب وفاتها. يفترض في الديمقراطية أن تكون نقيضا للإقطاع. فالسيادة الشعبية يجب أن تحل محل الحق المقدس. من الواضح أن بيلاوال يريد أن يطبق القول المأثور لوالدته الراحلة، وذلك من خلال الثأر للاغتيال السياسي ليس من خلال العنف وإنما عبر صناديق الاقتراع. رغم ذلك، ثمة تصادم بين نزعته الأرستقراطية وإخلاصه للوسائل الديمقراطية. والدته كانت أيضا الصورة. فقد وصفت في أكثر من تحقيق صحفي بأنها "ديمقراطية ذات ولاءات إقطاعية". ويمكن القول أن عدم استقرار ديمقراطية باكستان سببه علي وجه التحديد أنها لا تزال مجتمعا أقطاعيا يمارس أشكالا ديمقراطية. إلا أن باكستان ليست وحدها في ذلك. ففي نفس الأسبوع الذي أوشكت فيه باكستان علي الانفجار داخليا تحولت انتخابات الرئاسة الكينية الي عنف قبلي. هذه الأحداث الدامية جاءت علي خلفية هزائم متعددة لفكرة الديمقراطية. روسيا، علي سبيل المثال، قد أذعنت للأمر عندما تعرضت ديمقراطيتها الوليدة للتفكيك علي نحو منتظم تحت ظل حكم القيصر فلاديمير بوتين، فيما لا تزال الصين تضع مراقبة اقتصاد السوق وتحديث المجتمع تحت يد دكتاتورية لينينة. تري، بعد كم عقد من الزمن سنعترف بأن الحقيقة المقررة المتمثلة في أن تحرير الاقتصاد يقود الي تحرير السياسة ربما لا تكون أمرا بديهيا؟ يأتي كل ذلك بعد أن أعطي الفلسطينيون في أول انتخابات بعد وفاة ياسر عرفات تفويضا لجماعة متطرفة، وفي وقت يتفرج فيه لبنان علي القوي التي تعمل لصالح سورية بالوكالة تقتل نائبا برلمانيا بعد الآخر بغرض حرمان الديمقراطيين من النصاب اللازم لانتخاب رئيس للبلاد. هذه الهزائم تتوج فترة ثلاثين عاما من سيادة الموجة الديمقراطية التي اجتاحت أمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية وشرق آسيا بل حتي أجزاء من أفريقيا، مما يثير أكثر من أسئلة نظرية. فهي تتحدي فكرة بوش الأساسية التي تري أن السياسة الخارجية لإدارته تستند إلي السعي لنشر الديمقراطية في العالم. لكن بعد ستة أعوام علي هجمات 11 سبتمبر ما زال هناك غياب لأي بديل يحل محل نظرية بوش. أدركت كنيسة روما أنه من أجل نشر عقيدتها يتطلب الأمر قدرا من التسامح من أجل دمج بعض الممارسات ما قبل المسيحية كطريقة لتعزيز الدين الجديد وإعطائه جذورا محلية. ولنشر الديمقراطية اليوم نحن بحاجة إلي ممارسة نسختنا التوفيقية الخاصة وتعلم عدم التخلي عن الساحة حينما نجبر علي القبول بالتكيف الإقليمي الذي لا يغطي تماما الحلم الجيفرسوني.