الدور الذي يلعبه الإعلام المرئي ثم الإعلام المقروء أصبح يمثل خطرا حقيقيا علي المجتمعات العربية والمجتمعات المتخلفة، فهو دور يشكل السلوك ويحدد الاتجاهات الأربعة للشعوب في تلك البقعة الأرضية والزمنية ظهرت موجة أغنيات كليبية تندرج تحت بند الدعارة المقنعة والإثارة المشروعة ووجدت ضالتها في الفضائيات الخاصة الممولة من رجال مال وأعمال يغسلون أموالهم المشبوهة بعد أن أصابتها ويلات الحروب الداخلية والعصبية والفرقة وبعد أن ضرب سوس الفساد السياسي بداخلها حتي حول شعوبها إلي كائنات حية في مجملها لا تنتمي إلي الفصيلة الإنسانية بكل ما تحمله كلمة إنسان من معان وقيم وأخلاقيات تفرق بين الكائن الحي من حيوان وطير وحشرات ونبات وأجرام سماوية وأسماك وبين ذلك المخلوق الرباني الذي نفخ الله فيه من روحه فأصبح علي أحسن تقويم فكان هذا هو الاختيار وكان هذا هو الابتلاء وكانت تلك هي الأمانة التي حملها الإنسان لكونه إنسانا. فالإعلام المرئي انقسم إلي قسمين، قسم يسمي الفن والآخر يسمي البرامج الإعلامية، أما الفن فهو فن غيب العقول وأذهب المبادئ تحت مسميات الفكاهة والضحك والتسلية وأن الناس تريد ذلك لأن ما بها من هموم يكفيها ويفيض، كذلك ظهرت موجة أغنيات كليبية تندرج تحت بند الدعارة المقنعة والإثارة المشروعة ووجدت ضالتها في الفضائيات الخاصة الممولة من رجال مال وأعمال يغسلون أموالهم المشبوهة من تجارة مخدرات وأجساد وسلاح عبر تلك الفضائيات ويتبنون فكرة أن الإعلام سلطة وقوة تضمن لهم الاستمرارية والشفافية الخادعة، وعلي الجانب الآخر يخرج علينا الإعلام بما يسميه برامج دينية وفتاوي أصابتنا بالهوس والتخلف والبلبلة فظهرت مصطلحات عديدة ومسميات مذهبية وطائفية كلها تضر بمفهوم الدين سواء الإسلامي أم المسيحي، فكأن الفتنة النائمة عليها أن تستيقظ وتصحصح ليتحول هؤلاء البسطاء إلي قنابل بشرية في كل الاتجاهات، ولكأن الدين كما قال كارل ماركس يوما قد صار هو أفيون الشعوب يستغله الحكام والأثرياء ليوهموا الآخرين أن جنتهم في السماء وليست علي هذه الأرض الخربة الفانية ولو كانت الفتاوي تغير الشعوب والنفوس لتخلصنا من الفساد ولتحركنا نحو المعرفة والإنسانية، ولكن بكل أسف لم تجن من تلك البرامج التافهة المغرضة سوي المزيد من الطقوس والعبادات والإشكاليات التي حولت قضية الإيمان والعقيدة إلي بضع ركعات ومناسك ومظاهر ملابس ولحي وقضايا فرعية عن زواج ومتعة ومسيار وعلاقات جنسية بعناوين دينية مشروعة من أجل المزيد من التسلية والفرقة والغربة عن روح العصر الذي يسبقنا كل فيمتو ثانية. وهناك إعلام آخر يسمي "التوك شو" أو البرامج الحوارية المتصلة بالجماهير وهي نوع من الصحافة المرئية والتحقيقات الاجتماعية والشكاوي الجماهيرية السريعة والتي غالبا ما تتبني وجهة نظر ما وتدافع عنها، فالبرامج علي القنوات الرسمية الحكومية برامج تمثل الحكومة والسلطة حتي وإن أظهرت أنها سلطة رقابية عليها ففي البرامج الرسمية يظهر المسئول وهو يدافع ويبرر ويقدم الدليل علي أن سياسته وسياسة الحزب الوطني والحكومة هي المرفأ والملاذ لكل أوجاع المصريين وأن القضية هي الوقت، وأن الشعب ذاته عليه أن يتغير لأنه السبب في كل ما آل إليه الحال، وعلي الجانب المقابل تكون البرامج الحوارية علي القنوات الفضائية الخاصة نوعا من التنفيس وجذب الانتباه وامتصاص الغضب الاجتماعي وتفريغ شحنة الثورة الداخلية فتناقش تلك البرامج القضايا الساخنة العامة والخاصة وتتفرع في قضاياها الشائكة والمتعددة، وتطرح أكثر من وجهة نظر وتظهر لنا أوجها متعددة للإعلام الذي يدافع عن الغلابة والمقهورين والمظلومين، وهم في كثير من الأحيان غير ذلك، ويتسلي المشاهد ويتلهي علي عينه وقلبه وعقله وتصبح قضيته الشاغلة والملحة، لماذا أصبح سعر الخروف فوق الألف جنيه؟ ولماذا تلك الزحمة المرورية؟ وهل قضية كروت الموبايل قضية فساد سياسي وأمني أم أنه مجرد نصب فردي؟ وهل الممرضة التي تعرضت للضرب من قبل زوج الطبيبة بريئة أم شريكة في قضايا فساد طبي وصحي أخري؟ كل هذا والدعم علي رأس القائمة الإعلامية والمشاركة المجتمعية في واد ولجنة السياسات في الحزب في واد آخر، ونصحو كل يوم علي زيادة في الأسعار والسلع ولا حياة لمن ينادي بزيادة الأجور والرواتب، ذلك لأن الناس طماعة وكسولة ولا تعمل وإنما فقط تفكر في المال والثراء والجاه حتي لو أخطأ مسئول في قراراته العنترية، تنبري الصحف ووسائل الإعلام الرسمية في الدفاع عنه ومساندته وكأن الشعب قد أصبح عدوا للحكومة وللمسئولين. والنتيجة إعلام آخر مضاد يشوه كل صور الحياة في مصر ويقدم المجتمع المصري مجتمعا فاسدا من قمة رأسه إلي إخمص قدمه، مجتمعا تحالفت فيه السلطة مع الأمن مع اللصوص وقطاع الطرق وتجار المخدرات والسلاح والإرهاب والعناصر الأجنبية تحالف الجميع لإفساده ولضياعه ولتحويل نسائه إلي عاهرات، ساقطات يبعن أجسادهن وأكبادهن لمن يدفع ويشتري ورجاله إلي بلطجية وإرهابيين وأشباه رجال فقدوا النخوة والرجولة والكرامة والإنسانية، أما الجيل القادم فهو مشرد ضائع يهيم علي وجهه كالحيوان لا تشبعه سوي الغرائز والمخدرات بلا قدوة أو أبوة أو أمومة بعدما ضاع الجميع، وهي نظرة سوداوية قاتمة قاتلة تدعو إلي الكفر والعصيان وكل هذا يطرحه الإعلام والفن فيقطع حبال الأمل وخيوط الإيمان مثلما حدث الآن في معظم ما تعرضه شاشات التليفزيون والسينما من "هي فوضي" إلي "حين ميسرة" إلي "الجزيرة" وغيرها من أعمال وأخبار وأفكار سممت نهر الحياة فضاع الحب في زمن أنفلونزا الطيور!!