أصبح التناقض بين الواقع وتصريحات كبار المسئولين في الدولة هو السمة الغالبة هذه الأيام .. وما حدث في موسم الحج هذا العام يمثل حلقة في سلسلة هذا التناقض ، وهو أحد الأسباب التي تجعل الناس لا يتوقفون عند تصريحات المسئولين باهتمام وينظرون إليها بسخرية واستخفاف .. ________________________________________ فبينما عاد قطاع عريض من الحجاج يشكو مر الشكوي من إهمال المسئولين عن تنظيم الحج ورعاية الحجاج ويذكرون عشرات السلبيات ، نجد رئيس بعثة الحج يشيد بما شهده من نجاح مشدداً علي الجهود الكبيرة التي قامت بها إدارة البعثة وأن كل شيء " تمام التمام " وأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان وأن الأخطاء ارتكبها الحجاج أنفسهم وعليهم وحدهم تقع مسئولية السلبيات ولا حول ولا قوة إلا بالله .. وقد توقفت أمام ما نشرته مانشيتات جريدة " المصري اليوم " بأن حجاج القرعة وقفوا أمام الكعبة يدعون علي قيادات بعثة الحج !! ولاشك أن هؤلاء الحجاج لم يجدوا من يشكون إليه سوي الله بعد ما عانوه من عذابات في مخيمات الإقامة التي وصفوها بعلب السردين نتيجة للتكدس والتي شبهوها بالزنازين ، إضافة للشكوي المريرة من صعوبة التنقلات واضطرارهم للسير مسافات طويلة بلغت 6 كيلومترات للوصول إلي عرفات رغم وجود أعداد كبيرة منهم ذوي أعمار كبيرة ، ثم السير 3 كيلو أخري للوصول إلي مزدلفة والوقوف أكثر من ثماني ساعات انتظاراً لباصات لم تحضر ، مما اضطر بعض الحجاج إلي عدم الذهاب إلي مزدلفة وهي من الشعائر الهامة ليقعوا تحت وطأة فتاوي بضرورة ذبح " هدي " وفتاوي أخري تلزم الحكومة بدفعها عنهم وثالثة تقضي بعدم ضرورة الفدو الذي يكلف كل حاج قرابة 400 ريال سعودي . كل هذه السلبيات وغيرها نال حجاج القرعة النصيب الأكبر منها ، لنعود ونفتح من جديد ملف عذابات الحجاج المصريين واستهتار المسئولين عن الحج وهو ما يستلزم أيضاً فتح ملف بعثات الحج بكل ما تحمله من أعداد هائلة من الحج البلوشي الذي وصل بعضه إلي الرشوة الانتخابية أو الرشوة ثمناً لغياب الشفافية ، وكذلك المجاملة لفئات بعينها يعرفها الجميع ويتكرر سفرها عاماً بعد عام قبل الموسم بأسابيع وشهور بحجة قيامها بمتابعة عملية التنظيم والعمل علي راحة الحجاج ، لكن ما يحدث في الواقع أن كثيراً من هؤلاء ينصرفون عن مهامهم تاركين الحابل يختلط بالنابل والنتيجة ما نسمعه كل عام من سلبيات تتكرر وتتزايد دون حساب أو عقاب أو مساءلة اللهم إلا بعض الحملات الصحفية التي سريعاً ما ينخفض صوتها حتي يتلاشي بعد عدة أسابيع ، أو مع بروز حدث جديد يجتذب أنظار الناس واهتمامهم ليتم وضع مشكلة الحج في " فريزر " وتجميدها إلي ما قبل موسم الحج الجديد بأسابيع حتي تعود جوقة التصريحات من جديد تزف إلينا استعدادات جهنمية تنبئ بموسم حج مريح ، ويعود إلي الصدارة اسم رئيس بعثة الحج الجديد ، وهو عادة ما يكون وزير همام فاز بالرضي السامي وذهب وزوجته وأولاده وربما بعض أقاربه علي رأس بعثة الحج علي حساب الدولة طبعاً متمتعاً بتراب الميري ومستمتعاً بحج ميسر في ظل " الشفافية " ولا حول ولا قوة إلا بالله .. وربما توقفنا عند تصريحات كل عام وما تطرحه الصحف من آراء وأفكار لحل الأزمة المزمنة لحجاج القرعة والجمعيات هؤلاء الذين يضاف إليهم أصحاب حظوة تدفع بهم البعثات " البلوشي " فيزداد العدد وتتضخم الميزانيات بلا مبرر سوي غياب الشفافية وهي مشكلة تحتاج للتأمل والدراسة ، بل وإلي قرارات جريئة وفاعلة تتجاهل ردود فعل المنتفعين وأصحاب المصالح خاصة هؤلاء الذين يتاجرون حتي في " التأشيرات " عيني عينك وفي ظل نظام يقدم هذه التأشيرات ضمن حصص تحكمها الترضيات والمجاملات والتوازنات ، وبالطبع لا يغيب عن أعين أجهزة الرقابة ما يحدث من متاجرة الكثيرين في تأشيرات الحج وقد سمعت أن سعر التأشيرة الواحدة قد تجاوز العشرين ألف جنيه (!!) وعلينا أن نتساءل : إلي جيوب من تذهب هذه الأموال ؟ وعلي حساب من يتم التستر علي هذا العبث والفساد ؟! لقد طالب الكثيرون بإنشاء هيئة قومية لشئون الحج يختار قادتها من رجال يخافون الله ، ووضع ضوابط صارمة لإيقاف شلال الفوضي والمحسوبية والمجاملة بل والفساد الذي يسود قطاعات كثيرة ترتبط بتنظيم الحج .. والسؤال الصعب هو متي نلغي بعثات الحج للمصالح والهيئات والوزارات وغيرها ؟ .. إنه سؤال سنظل نردده ونطالب به ، وسوف نظل نطالب بفتح ملف الانحراف والتسيب الذي حدث في موسم الحج الماضي والمواسم التي سبقته .. إن الإهمال انحراف ، وتعذيب الحجاج انحراف ، والحج " البلوشي " انحراف .. لذلك نقول كلمتنا مطالبين بمحاسبة المتسببين ومعاقبتهم ثم إقالتهم .. فهل من مجيب ؟ والله من وراء القصد.