التعارض أو الصدام بين دار الإفتاء ومجمع البحوث الإسلامية بالأزهر أو لنقل الفتاوي الحائرة من باب التأدب وعدم النفخ في النار بدأ يأخذ اتجاها خطيرا منذ تولي الدكتور علي جمعة منصب مفتي الجمهورية الذي تثير فتاواه جدلا بين العلماء والمتخصصين. وتثير الحيرة والاضطراب بين عامة المسلمين وقد اجتمع المجمع أكثر من مرة لبحث فتاوي صدرت عن دار الإفتاء وتصويبها وتم إصدار فتاوي تخالف ما ذهب إليه المفتي، وقد حدث هذا في فتاوي التبرك ببول الرسول صلي الله عيه وسلم وفتوي تؤكد أن الشباب الذين يهاجرون بطرق غير مشروعة ويغرقون ليسوا شهداء، وحتي فتوي خاصة بتحديد زكاة الفطر في شهر رمضان قبل الماضي، حيث حددت دار الإفتاء قيمة الزكاة عن الفرد بعشرة جنيهات، ولكن المجمع اجتمع وأصدر فتوي تؤكد أن الحد الأدني لزكاة الفطر عن الفرد ثلاثة جنيهات وهكذا في قضايا أخري. وكان الدكتور أحمد الطيب رئيس جامعة الأزهر الحالي حينما تولي منصب المفتي قد قرر أن تحال القضايا التي ترد إلي دار الإفتاء إلي مجمع البحوث الإسلامية، وما يصدر عن المجمع فيها من رأي تتبناه دار الإفتاء وتعلنه وتبلغه للجهات الرسمية التي تطلب الفتوي في قضايا محددة. وباستثناء قضية فوائد البنوك وقضية نقل الأعضاء وهي القضايا التي شهدت خلافا حادا بين الدكتور محمد سيد طنطاوي حينما كان مفتيا وبين الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر السابق لم يشهد تاريخ العلاقة بين مجمع البحوث ودار الإفتاء مثل هذا الصدام الذي وصل إلي درجة غير مقبولة أدت إلي تشويه صورة المؤسستين العريقتين في الداخل والخارج ونالت من سمعة ومكانة علماء الأزهر في مختلف أنحاء العالم. ومع تكرار هذه الأخطاء وتذمر الرأي العام أعلنت دار الإفتاء المصرية عن مشروع لتطوير الدار خاصة بعد مطالبة عدد من المفكرين والمثقفين بإلغاء دار الإفتاء منعا للازدواجية بينها وبين مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر. ومن ناحية أخري قرر د. محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر توسيع عضوية مجمع البحوث الإسلامية وإضفاء صفة العالمية علي تلك المؤسسة من خلال تعيين عدد من الأعضاء من الدول العربية والإسلامية، وهو ما ينص عليه قانون تنظيم الأزهر الذي صدر في عام 1961. ويبدو أن هذه التطورات مقدمة لحدوث شيء ما في المستقبل، ورغم أنني أعتقد أن مصر لن تفرط في دار الإفتاء المصرية وتاريخها بقرار متعجل من هنا أو هناك كرد فعل لفتوي خاطئة تراجع عنها المفتي أو لم يتراجع إلا أن هناك الكثير من المؤشرات التي تؤكد أن مجمع البحوث الإسلامية يسعي إلي أن يحل محل الدار ويقوم بدورها.