علينا أن نعمل بخصوص الجانب المظلم، إن شئنا القول... وعلينا أن نمضي بعض الوقت في الظل باستعمال الموارد والطرق المتاحة لوكالات استخباراتنا. فذاك هو العالم الذي يعمل فيه الإرهابيون، وبالتالي، فمن المهم جداً أن نستعمل أي وسيلة بين أيدينا ". الكلام هنا لنائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني في حديث مع الصحفي "تيم راسيرت" من قناة "إن. بي. سي"، وذلك بعد خمسة أيام علي هجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية. كان غريبا أن يتفوه مسئول رسمي بشيء من هذا القبيل. فعبر تاريخنا، كان زعماؤنا يسارعون دائما إلي طمأنتنا بالعكس: سننتصر علي أعدائنا لأننا (وفقط إذا كنا) في الجانب المضيء، وليس الجانب المظلم. ولن ننتصر عبر إمضاء "الوقت في الظلام"، وإنما عبر التزامنا بالحرية والديمقراطية والعدالة وحكم القانون. وعملا بنصيحة تشيني القائلة ب"العمل بخصوص الجانب المظلم"، تبنت إدارة بوش صراحة تكتيكات وأساليب ما كانت أي من الإدارات السابقة لتغض الطرف عنها رسمياً. ففي الحروب السابقة مثلاً كنا نمنح أعداءنا الحماية التي تكفلها اتفاقية جنيف حتي عندما كان هؤلاء الأعداء _مثل حركة "الفيت كونج" المتمردة في فيتنام- يفتقرون إلي أي أحقية قانونية للحماية التي توفرها الاتفاقية. صحيح أن بعض الجنود الأمريكيين عذبوا -بالرغم من ذلك- بعض أسري "الفيت كونج" _ ولكنهم عندما كانوا يفعلون ذلك، فإنهم كانوا يخرقون قوانين وسياسات الولاياتالمتحدة المكتوبة بوضوح. الآن، لنقارن ذلك مع إدارة بوش، التي رفضت الاعتراف بأي حق من الحقوق التي تكفلها اتفاقية جنيف بالنسبة ل"المقاتلين الأعداء غير القانونيين" الذين اعتُقلوا في إطار الحرب علي الإرهاب إلي أن أمرتها أخيراً المحكمةُ العليا بأن تفعل ذلك. فبعيد أشهر معدودة علي تصريحات تشيني حول "الجانب المظلم"، امتلأت جوانتانامو بالسجناء مكبلي الأيدي ومعصوبي الأعين المحتجزين في أقفاص في الهواء الطلق. وابتدعت وزارة العدل دفاعات قانونية للتعذيب؛ ففتحنا سجوناً سرية في بلدان الكتلة السوفيتية السابقة؛ ورخص الرئيس لأساليب التحقيق السرية "المطورَة" مع المعتقلين "ذوي القيمة العالية". وبالرغم من كل المجهودات الحثيثة لمنظمات حقوق الإنسان والمحاكم وعدد متزايد من المنتقدين من كلا الحزبين، إلا أن تشيني مايزال ينجح في مساعيه ويحصل علي ما يريده. ففي العشرين من يوليو، أصدر الرئيس بوش أمراً تنفيذيا "يؤول" الفصل الثالث من اتفاقية جنيف باعتباره ينطبق علي مراكز الاعتقال السرية التابعة ل"سي. آي إيه". ظاهرياً، يحظر هذا الأمر الرئاسي التعذيب _ ولكنه يفعل ذلك، مثلما أشارت إلي ذلك افتتاحية "لوس أنجلوس تايمز" في عددها ليوم الخميس، باستعمال لغة فضفاضة ومبهمة جداً يبدو معها كما لو أن الهدف منه هو خلق ثغرات قانونية تستغلها "سي آي إي". إلي ذلك، يحدد الأمر التنفيذي الذي صدر الأسبوع الماضي فئة الأشخاص الذين يمكن اعتقالهم بشكل سري وغير محدود زمنيا من قبل "سي آي إيه" _بشكل واسع إلي درجة أنها يمكن أن تشمل جزءا كبيراً من سكان العالم. ذلك أنه بمقتضي هذا الأمر، يمكن ل"سي. آي. إيه" أن تعتقل وتستنطق مواطناً غير أمريكي بشكل سري طالما يعتقد مدير "سي. آي. إيه" أن الشخص "عضو في القاعدة أو طالبان أو إحدي المنظمات المرتبطة بهما أو من مؤيديها؛ ومن المحتمل أن تكون بحوزته معلومات يمكن أن تساعد علي رصد هجمات إرهابية أو الحد من حجمها أو تلافيها أو تحديد موقع قيادة القاعدة أو طالبان أو القوات المرتبطة بهما". والواقع أن الولاياتالمتحدة عمدت منذ مدة إلي اعتقال أشخاص استناداً إلي معلومات غير مؤكدة، بل إن "سي. آي. إيه" _حسب بعض التقارير الإعلامية- ذهبت إلي حد اعتقال أطفال، لا تتجاوز أعمارهم، في بعض الحالات سبع وتسع سنوات، أليس هذا هو الظلام حقاً؟