خلال زيارة قمت بها مؤخراً إلي معتقل "جوانتانامو" اطلعت، عبر كاميرا للمراقبة مثبتة في أحد مبانيه، علي جزء بسيط من عملية الاستنطاق التي يخضع لها المعتقلون الأجانب. وبالطبع لم أستطع رؤية وجه المعتقل ولا المحققين، لكني شاهدت الأساور التي تلف المعصمين وملابس نسائية، ما يدل علي أن المحققين هن من النساء. وحسب الشريط المصور تبين أن إحدي النساء كانت المحققة، فيما الأخري كانت تقوم بالترجمة. ويبدو أن حضور المرأة، بالإضافة إلي كيس من الفستق وضع علي طاولة الاستنطاق هو أحد الوسائل الجديدة التي يتبعها المحققون للحصول علي معلومات مفيدة من المعتقلين في سجن "جوانتانامو". ورغم أني كنت في جولة تنظمها وزارة الدفاع الأمريكية، إلا أنه ما رأيت لم يكن ملفقاً، بل كان مشاهد حقيقية نقلتها كاميرا الفيديو بأمانة. فبعد مرور خمس سنوات من خوض تجربة احتجاز المعتقلين في "جوانتانامو" بدأ المحققون يتعلمون الطرق الأكثر نجاعة للحصول علي المعلومات والتخلص من تلك التي أثبتت التجربة ذاتها عدم فعاليتها. وفي هذا الصدد أخبرني مسئول بارز في الاستخبارات أن تجاوب المعتقلين مع المحققين إنما يأتي "من المعاملة الإنسانية وعدم التشدد في ممارسة الضغوط علي السجين". لكن مع ذلك تستعصي هذه الرسالة علي النفاذ إلي أذهان المسئولين في البيت الأبيض الذين مازالوا يصرون علي ضرورة حصول وكالة الاستخبارات الأمريكية علي الترخيص اللازم لاستخدام ما يمسي "بالوسائل البديلة" مثل الحرمان من النوم، وإخضاع المعتقل لدرجات حرارة عالية بهدف انتزاع المعلومات من عناصر "القاعدة". ويزعم الرئيس بوش، الذي أصدر أمره يوم الجمعة الماضي بإعادة الترخيص لاستعمال التقنيات القاسية في عملية الاستنطاق، أن تلك المعاملة ساهمت في كسر مقاومة المعتقلين المدربين علي مواجهة أساليب الاستنطاق العادية، مضيفاً أن ذلك ضروري لتفادي هجمات أخري ضد الولاياتالمتحدة. وعندما لجأ المحققون في "جوانتانامو" إلي استخدام الأساليب القاسية لاستنطاق المعتقلين الذين ألقي القبض عليهم في أفغانستان كانت النتيجة كارثية سواء علي صعيد درجة انضباط السجناء، أو علي الصعيد الدبلوماسي بعدما تحول المعتقل إلي رمز للانتهاكات الأمريكية لحقوق الإنسان. وبعد أن تعرض المعتقلون في "جوانتانامو" للممارسات المهينة مثل تجريدهم من ملابسهم وتهديدهم بالكلاب وغيرها من السلوكيات المشينة انتقلت التجاوزات بسرعة إلي العراق لتفضي إلي الكارثة الأخري في معتقل "أبو غريب". لكن يبدو أن "جوانتانامو" اليوم بدأ يغير من أسلوبه، إذ رغم استمرار عمليات التحقيق مع المعتقلين المتبقين والبالغ عددهم 360 معتقلا بمعدل مائة جلسة في الأسبوع، إلا أنها تجري وفقاً لدليل جديد للجيش الأمريكي حول الاستنطاق يلتزم بمعاهدة جنيف، ويحظر بوجه خاص الأساليب التي كان وزير الدفاع السابق "دونالد رامسفيلد" قد تبناها. وفي هذا الإطار تم استبدال الأساليب المحطة للكرامة بطرق جديدة تقوم علي بناء علاقة إيجابية بين المحقق والمعتقل، كما تقوم أيضاً علي منح امتيازات لمن يتعاون من السجناء. وقد أكد لي المسئولون الذين أشرفوا علي تطبيق الأساليب الجديدة مع المعتقلين خلال الزيارة التي قمت بها إلي "جوانتانامو" أن النتائج كانت إيجابية. فقد أخبرني أحد هؤلاء المسئولين، الذي رفض الإفصاح عن هويته، أنه "لا يمكن التأثير علي بعض المعتقلين من خلال العنف، أو التهديد"، لا سيما وأن معظمهم مر بتجارب قاسية في السابق ولم تعد تنفع معهم الأساليب القاسية. لكن المسئول أضاف أيضاً أن المحققين الناجحين "هم الذين يعاملون المعتقل معاملة جيدة وبطريقة مهنية بعيدة عن العنف والتجريح". فكيف يتم ذلك؟ يقوم المحققون بتليين المعتقلين من خلال السماح لهم بالخروج من الزنازين الضيقة التي يقبعون فيها واستبدالهم بأخري أوسع مجهزة بجهاز تليفزيون ومقاعد مريحة، بالإضافة إلي توفير وجبات طعام أفضل. وخلال هذه المرحلة يتم تجنب طرح الأسئلة علي المعتقلين. وفي مرحلة لاحقة تنبني بالتدريج علاقة احترام بين المحقق والمعتقل يصعب معها علي هذا الأخير الاستمرار في الإنكار، أو التكتم علي المعلومات المهمة.