اعتاد الأمريكيون أن يأكلوا الديك الرومي في عيد الشكر في طقوس متوارثة عن أجدادهم منذ مايقرب من أربعة قرون مضت. وبلا شك فإن هناك أموراً كثيرة تستحق من الأمريكيين أن يعربوا عن امتنانهم، كما تستحق أمريكا بدورها أن يعرب العالم عن امتنانه لها في بعض الأمور، ولكن العالم كان يفضل أن يعيش بدون أمريكا فيما يتعلق بأمور أخري. ولذلك فإن هناك أسباباً متعددة تدفع بقية سكان العالم لأن يشكروا ربهم لكونهم غير أمريكيين. ففي الولاياتالمتحدة حالياً يكاد يكون من المستحيل علي شخص ما أن يتولي منصباً كبيراً بدون أن يكون أحد أفراد أسرته قد شغل هذا المنصب من قبل، فقد تولي جورج دبليو بوش رئاسة الولاياتالمتحدة بعد أن تولي هذا المنصب والده بوش الأب من قبل. وإذا رشحت هيلاري كلينتون نفسها للرئاسة وفازت فإنها ستتولي رئاسة أمريكا بعد أن تولي هذا المنصب زوجها بيل كلينتون من قبل، وبالمثل يمكن أن يسعي جيب بوش شقيق الرئيس بوش في المستقبل لخوض معركة انتخابات الرئاسة الأمريكية وهكذا. وفي الولاياتالمتحدة تختلط الحقيقة بالأكاذيب في جميع المناقشات والمجالات والمناظرات السياسية منذ مجادلات جيمس هاملتون وتوماس جيفرسون حول الدستور الأمريكي منذ 216عاماً. وبلغت هذه الظاهرة أوجها في الوقت الحاضر بعد مجئ المحافظين الجدد والصقور المتشددين والذين استولوا علي مراكز صناعة القرار في واشنطن، ويقود الديمقراطيون حملة شرسة ضدهم في الكونجرس وفي وسائل الإعلام تختلط فيها الحقيقة بالأكاذيب أيضاً. وبالمثل لاتخلو حجج المنتقدين للفريقين من خلط الحق بالباطل. وامتد تصديق الأكاذيب حتي إلي مجال الرياضة وفي لعبتي كرة القدم والرجبي، فهناك حالياً فريقان في أمريكا يقدمان أنفسهما -وبفخر شديد- علي أنهما أبطال العالم، وهذا الفريقان هما مارلينز وبوكانيرز. وفي الولاياتالمتحدة اشتد جشع واستغلال الرأسمالية الأمريكية بصورة لم يسبق لها مثيل، فقد شهدت السنوات الأخيرة نشاطاً محموماً للشركات الأمريكية العملاقة، ولكن لسوء الحظ اتجه هذا النشاط نحو استغلال المواطنين العاديين بكل الطرق والسبل الممكنة. وإذا كان أجداد الرأسمالية الأمريكية لديهم مثل هذا الجشع، ولديهم محاسبون ومحللو أسواق ومديرو صناديق استثمار مثل الموجودين الآن، لما كانوا قد أكلوا الديك الرومي في عيد الشكر واستمتعوا بمذاقه. وفي الولاياتالمتحدة أصبحت فنون التسلية والترفيه الآن مملة وسخيفة ومبتذلة للغاية، ومن يعيش في خارج أمريكا عليه أن يحمد ربه ويشكره لأنه لايعيش في نفس البلد التي يعش فيها آر. جي سيمبسون وكوبي براينت ومايكل جاكسون ومارتا ستيوارت. وفي مناطق كثيرة من العالم مازال إصدار القوانين وسن التشريعات يتمان لصالح جميع المواطنين الذين سيخضعون لهذه القوانين، ولكن في الولاياتالمتحدة فإن الأمر يبدو مختلفاً، فغالبية القوانين والتشريعات التي يمررها الكونجرس تكون في صالح الشركات الأمريكية الكبري وذلك مقابل خدمات عديدة تقدمها هذه الشركات لأعضاء الكونجرس. وينظر الرأي العام الأمريكي لمثل هذه القوانين بمزيد من الشك والريبة.