فلم تمثل هدفا لدي قوي العالم المهيمنة آنذاك.. وهما دولتا فارس والروم رغم ما اشتهرت به الدولتان من رغبة جادة في زيادة رقعتيهما واتساع نفوذهما.. الامر الذي يفسر الحروب الكثيرة المتعددة بينهما.. علي ان ذلك لم يمنع العرب من الاتصال والتفاعل مع هاتين الدولتين بشكل او بآخر. فعلي الجانب الشمالي الشرقي قامت قبائل عربية بالامتداد حتي وصلت وادي الفرات واقامت في ربوعه.. واسست مملكة الحيرة التي كانت اليد اليمني لدولة الساسان "الفرس".. ورغم استقلال العرب في اماراة الحيرة في جميع شئونهم الا انهم كانوا عملاء للفرس يدينون لهم بالطاعة والولاء.. وقد ساعد عرب الحيرة دولة الفرس في حروبها ضد الدولة الرومانية.. وحليفتها العربية.. امارة الغساسنة. اما علي حدود الدولة الرومانية فقد قامت العرب بتأسيس امارة الغساسنة والتي كانت بدورها حليفا للدولة الرومانية.. وكان من الطبيعي ان ينتشر بين عرب الغساسنة اليهودية والمسيحية.. وكان هذا الوضع كفيلا بنشر الكراهية وحب الثأر والقتل بين عرب الحيرة.. وعرب الغساسنة. وفي الجنوب كان العرب هناك يعيشون في ارض خصبة تأسست فيها الحضارات وعرفت المدائن والمعابد.. وكان اهلها ذوي فطنة وذكاء وعلم ووقعت اليمن تحت السيطرة الفارسية ايام سيف بن ذي يزن الحميري.. وكان الفرس هم من يولون اليمن وزعماءهم.. وكان آخرهم "باذان" والذي عاش الي عهد النبي صلي الله عليه وسلم.. واعلن اسلامه.. واسلم معه قومه. وعاش علي شواطئ الجزيرة الشرقية وسلطنة عمان الي اليمن عرب مثلوا خط اتصال بين عرب الحيرة وعرب اليمن الي حد ما. اما في وسط الجزيرة الصحراوية الجرداء فلم يتيسر لعربها الاستقرار.. وعاش اهلها حياة البادية التي تميزت بالارتحال وانتجاع مراعي الابل أينما تكون وصبغت اهلها بصفات البأس والسماحة.. واللسان والفصاحة.. كما ان الطبيعة دفعتهم الي ايثار الذكور.. ووأد الاناث ودفعتهم للتكاثر والاعتزاز بالقرابة. كان العرب علي تعددهم وصعوبة وسائل الاتصال فيما بينهم آنذاك يتكلمون العربية.. وكان من الطبيعي ان تتأثر اللغة العربية بالاشتقاق والاختلاط بغير اللاعرب من قوميات ولغات.. وهكذا انقسمت العربية الي لغتين اساسيتين لغة الشمال ولغة الجنوب.. وكان بين اللغتين بون واسع في الاعراب والضمائر والاشتقاق والتصريف. وهنا نتذكر قول بعضهم: "ما لسان حمير بلساننا ولا لغتهم بلغتنا". اما لغة العرب الاصيلة والنقية والتي كانت بمعزل عن اية مؤثرات خارجية فقد كانت لغة قريش او وسط الجزيرة وكان العرب جميعا يتكلمون لغة قريش لمكانتها الدينية وتوليهم لسدنة الكعبة. نعم.. كانت لغة قريش اكثر لغات القبائل العربية انتشارا.. وكان بلغاء العرب علي تنوعهم يعرفونها .. الامر الذي اتمه نزول القرآن بلغة قريش. قال تعالي: "انا انزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون". وكذلك انزلناه قرآنا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد". ونظرة الي انقسام العرب الاساسي كما اوضحنا.. والي تأثر اللغة العربية بمؤثرات عدة اشرنا الي بعضها اختصارا يجعلنا نتفهم اكثر واكثر حكمة المولي عز وجل في اقراره: "وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء علي الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا". وكان لهذا الاساس.. انقسام العرب الي جماعات وامارات متعارضة.. ولغة العرب المتباينة كان لكل ذلك بصمته في الدعوة الاسلامية.. وفي انقسام العرب بالاضافة الي عوامل اخري.