لا يمكن بأي حال من الأحوال وصف موقف السينما المصرية والعربية عموماً من الأديان بأنه موقف علماني أو معاد بل يمكن ان يقال ان هذه السينما عبر تاريخها الذي يقارب قرنا من الزمان موقفها من الأديان كان موقفاً متعاطفاً يستخدم الدين ورموزه من مساجد ونصوص دينية ورجال دين كرموز للخير في مواجهة الشر في معظم الأحوال بل يمكن ان يقال انه حتي اكثر الأفلام اغراقاً في الابتذال كانت تحاول ان تعادل ما تقدمه من مشاهد الملاهي الليلية والبارات والرقصات بنهاية تأتي فيها الهداية للبطل أو البطلة عند سماع الآذان أو أجراس الكنيسة أو بعد نصيحة من أحد رجال الدين ورغم ذلك فقد ظل الخطاب الديني يعتبر السينما غالباً من الموبقات وينظر لأهل هذه الصناعة علي انهم دعاة انحلال ومع تصاعد المد الديني في الربع الأخير من القرن العشرين وسيادة قيم وأنماط سلوك أكثر محافظة مما مضي وظهور تيارات التشدد بدرجاتها المختلفة بدأت ملامح أزمة متصاعدة بين الخطاب الديني المتشدد وما تقدمه السينما من أفلام واتخذت هذه الأزمة طابع الصدام في فترة وتفشي العنف والارهاب وحركات التكفير فظهرت مجموعة من الأفلام التي تدين الأعمال الارهابية التي تقوم بها الجماعات التكفيرية ضد السياحة وأماكن التسلية ورموز النظام والأدباء والمفكرين مثل فيلم الإرهابي و طيور الظلام وغيرهما كما استهدفت دور السينما في عدد من العمليات الارهابية ضمن ما استهدفت من اماكن التسلية.. ومع انحسار موجة العنف وقيام الجماعات المتشددة بما اطلق عليه عمليات المراجعة الشرعية والفقهية ظهر نوع من الهدنة بين الطرفين خصوصاً مع ظهور موجة جديدة من الأفلام أصبحت ترفع شعار السينما النظيفة أو السينما التي لا تخجل منها العائلة تماشيا مع سيادة القيم المحافظة في المجتمع لكن الموسم الأخير شهد موجة جديدة من الأزمات والاتهامات المتبادلة من الطرفين وكانت البداية مع فيلم عمارة يعقوبيان حين وقع أكثر من مائة نائب في البرلمان من بينهم 88 نائباً من الاخوان المسلمين علي طلب استجواب لوزير الثقافة بسبب السماح بعرض الفيلم الذي يسيء من وجهة نظرهم لقيم المجتمع ويشوه وجه الاسلام السياسي. ورغم ان السلطة لم تستجب في ذلك الوقت لطلب منع الفيلم إلا انها عادت ورضخت لضغوط بعض الرموز المسيحية المتشددة التي اعترضت علي السماح بعرض فيلم شفرة دافنشي الذي يقول ان المسيح لم يصلب وانه قد تزوج من مريم المجدلية وأنجب ذرية لا تزال بيننا.. في المقابل وفي وقت بدا متأخرا عشر سنوات كاملة قدمت السينما المصرية واحداً من أعنف افلامها ضد تيار العنف والارهاب والتشدد الديني وهو فيلم "دم الغزال" الذي يصور قصة طبال لراقصات الأفراح الشعبية يتحول الي أمير لجماعة اسلامية لا لشيء إلا للانتقام ممن حاول حرمانه من الزواج ممن أراد الزواج منها ورغم ان الفيلم لم يحقق نجاحاً جماهيريا يذكر إلا ان هذا لم يمنع الهجوم العنيف عليه من قبل رموز جماعات الاسلام السياسي المتشددة والتهليل وكيل المديح ومنح الجوائز له من الطرف الآخر.. وفي مهرجان القاهرة الأخير تسبب الفيلم الكندي صباح الذي اخرجته المخرجة السورية المقيمة في كندا ربا ندي في أزمة كبيرة اتهمت فيها بعض الاصوات ادارة المهرجان بالترويج لأفلام تشوه الاسلام وتسيء إليه ويصور الفيلم قصة صباح الفتاة العربية المحجبة التي تعيش في كندا مع اسرة متشددة لكنها تقيم علاقة مع شاب كندي غير مسلم يحاول ان يدرس الاسلام ويتفهمه لكن العائلة ترفض هذه العلاقة وتقيم لصباح ما يشبه المحاكمة فتترك المنزل وتذهب لتعيش مع صديقها.. ولم تتوقف الأزمات بين السينما والتشدد الديني عند هذا الحد بل سرعان ما انفجرت من جديد في أكثر من اتجاه فحين اعلن المخرج خالد يوسف عن اسم فيلمه الجديد خيانة شرعية هاجمته العديد من الأصوات واضطرته الي تغيير اسم الفيلم الي خيانة مشروعة ورغم ذلك لم يوقف هذا التغيير الهجوم علي المخرج وعلي الفيلم وكان المخرج نفسه قد تعرض لهجوم مماثل من قبل حين قدم فيلمه السابق "ويجا" بسبب ظهور بطلته وهي ترتدي الحجاب وتذهب الي منزل صديقها في أحد الأحياء الشعبية.. وفي الأسابيع الأخيرة ثارت أكثر من أزمة من نفس النوع :الأولي والأعنف كانت ضد فيلم "الرهينة" للمخرجة ساندرا نشأت التي تعتبر الأنشط من بين مخرجات الجيل الجديد وكان السبب في هذه الأزمة ان الفيلم يصور محاولات احد التنظيمات الاسلامية المتطرفة اختطاف عالم ذرة مسيحي مصري.. اما أحدث الأزمات فقد أثارها فيلم "أنا مش معاهم" من اخراج احمد البدري وبطولة احمد عيد والذي حاول ان يتخذ موقفاً معتدلاً بين ما يراه تطرفاً من الجهتين المتدينين والمتحررين.. فكان نصيبه الهجوم من الطرفين فقد اتهم من قبل التيار الديني بتشويه صورة الالتزام وتصويره بشكل كاريكاتيري ساخر كما اتهم من بعض النقاد بالدعوة الي الحجاب وتحريم الموسيقي والغناء. ولم يقتصر الصراع بين السينما والتيارات الدينية علي الاسلامية بل تعداه الي الجانب المسيحي الذي أثار أكثر من أزمة كان من أشهرها أزمة فيلم بحب السيما الذي انتقد فيه مخرجه المسيحي التزمت الشديد للأب المدرس الذي يحرم ابنه من مشاهدة السينما وزوجته من الرسم فتكون النتيجة ان تخونه الزوجة ويتمرد عليه الابن فقد هوجم هذا الفيلم هجوماً عنيفاً من عدد من الدوائر المسيحية.. لكنها لم تنجح في منع عرض الفيلم كما نجحت في منع عرض فيلم شفرة دافنشي. وكان من بين الأزمات التي تفجرت مؤخراً أزمة فيلم حياة السيد المسيح الذي اعترض الأزهر علي تصويره لأنه يجسد شخصية السيد المسيح وهو ما يخالف تفسيرات الأزهر للشريعة الاسلامية في حين تمسك منتجه المسيحي بحقه في تصوير الفيلم وفق المعتقدات المسيحية التي لا تحرم مثل هذا التجسيد ولا تزال القضية معلقة حتي الآن.