علي ما يبدو ان منح تراخيص المطاعم والكوفي شوب وسط الكتلة السكنية لا يخضع لأي ضوابط، وان العملية كلها تخضع للمزاج الشخصي للمسئول واحيانا للاهواء والمصالح، بدليل افتتاح المزيد من تلك المحلات في شوارع تزدحم بالمرور والناس وتتعدد فيها المطاعم والكافيتريات. وفي كثير من الشوارع نجد ان امتارا قليلة جدا تفصل بين كل منها.. كل ذلك يحدث رغم الشكاوي المريرة للسكان، لكن السادة المسئولين في المحليات وباقي الجهات التي تمنح التراخيص العشوائية تتبع مع المواطنين نوعا من الديمقراطية ينتشر في العالم الثالث قل ما تشاء .. اصرخ بالشكوي كما تريد.. ما دمت افعل ما يحلو لي، ولا احد يستطيع ان يدافع عن تقاعس المحليات التي تمثل الوجع الأكبر في هذا الوطن، لا احد يستطيع ان يبرئها من هذه الفوضي وتجاهل القوانين واللوائح والاعراف، كما ان احدا لا يستطيع ايضا ان يدعي ان هذا التجاهل والتراخي وغض النظر بلا ثمن.. واذا كانت المحليات هي المتهم الاول فإن هناك متهمين آخرين ضالعون في المسئولية مثل اجهزة حماية البيئة، لتجاهل الاضرار البيئية سواء للادخنة المنبعثة من هذه المطاعم وسط المساكن في غياب الاجهزة مثل "الفلاتر" وغيرها، وكذلك لدخان "الشيشة" التي اصبحت موضة يقبل عليها الشباب والكبار علي حد سواء وتنتشر في الاحياء الراقية والشعبية. ولا يقتصر الضرر من هذه المنشآت العشوائية علي الادخنة وحدها، بل يتجاوز ذلك بكثير؛ فهناك الصخب والازعاج ناهيك عن التجاوزات الاخلاقية وترويج المخدرات، وبالطبع فإن المسئولين في المحافظات والاحياء قد تلقوا عشرات بل مئات الشكاوي من وجود بعض هذه الاماكن وسط المساكن.. اما عن حجة قصور القوانين، فانها بالطبع حجة واهية؛ فالقوانين الموجودة بالفعل كافية لمواجهة هذه الظواهر السلبية لكنه الفساد الذي يخرج لسانه متحديا تلك القوانين كما يتحدي مشاعر المواطنين.. فكثيرا ما وجدنا بعض هذه الاماكن قد تتعرض لحملات تسفر عن اغلاقه بعدم توافر الشروط الصحية والبيئية ومطابقة المواصفات الواردة في التراخيص، وعادة ما يتم ذلك عقب ارتفاع اصوات الاحتجاج والشكوي من السكان الذين يصابون بصدمة كبيرة عندما يفاجأون باعادة افتتاح الكافيتيريا او المطعم او الكوف شوب الذي اغلق منذ ايام دون ان يتم اضافة اي شيء اللهم الا مزيدا من القهر يلعقه المواطن وهو يتابع هذه المهزلة مستسلما للنتيجة التي صنعها اصحاب النفوذ الذين اعادوا الوضع لما كان عليه وعلي المتضرر الموت كمدا أو السكوت صاغرا منهزما.. وعندما سألت اشخاصا قريبين من هذه المأساة عن السبب في اعادة فتح اماكن اغلقت منذ ايام قالوا جميعا ان هذه الانشطة مربحة للغاية مما يتيح لاصحابها ان يغدقوا الاموال بسخاء علي اصحاب النفوس المريضة الذين يرتعون كما يحلو لهم في غياب الرقابة والمواجهة، وسواء كان غض النظر ومخالفة القانون بسبب الرشاوي او كان بسبب "الواسطة" وضغوط بعض الكبار فإن الامر يحتاج الي وقفة فكثير من هذه المنشآت يعمل بلا ترخيص أو بترخيص وهمي وشكلي وأي كلام.. وهنا نقول ان للاجهزة الرقابية دورا في هذه القضية لابد من تفعيله لان الناس ضاقت من الشكوي ويئست من "طناش" المسئولين.. لقد صدمتني الاخبار التي نشرتها الصحف والتي تقول ان محافظ القاهرة الدكتور عبدالعظيم وزير سيصدر عدة موافقات جديدة لترخيص بعض المقاهي بشرط عدم تدخين "الشيشة" وانه اي المحافظ يسعي لدي السياحة والبيئة لاتمام ترخيص مثل هذه المقاهي.. ان كان الخبر صحيحا فهي "كارثة" لانه لم يثبت نجاح المحافظة من قبل في اغلاق المقاهي التي تقدم "الشيشة" رغم صراخ السكان وشكاواهم، فكيف يمنح المحافظ تراخيص للمزيد منها ونحن في أمس الحاجة لتقليص عدد الموجود منها؟!! احد الاقتراحات الايجابية التي يتحدث عنها المواطنون هو تخصيص قطعة ارض كبيرة بعيدة عن التكتلات السكنية للسماح بمنح تراخيص لاقامة مطاعم وكافيهات وانشطة لهو وتسلية يذهب اليها من يريدها، ولنرحم المناطق السكنية المكتظة من مزيد من العبث. وهنا اتساءل.. لماذا لا يشكل السادة المحافظون لجنة لحصر اعداد ومواقع المنشآت العبثية القائمة ليتعرفوا علي مدي الزحام والآثار السلبية التي تسببها وفرة هذه الاعداد.. ربما يتعرف كل محافظ علي المآسي التي يعيشها الناس من وجود كثير من تلك الاماكن التي تحول بعضها علي "كباريهات" اسفل العمارات.. اعرف عقارا في المهندسين تسكنه شخصيات عامة حاولت خلال سنوات طويلة انهاء وجود كباريه اسفل عقارهم يقف علي ابوابه "قبضايات" مثلما نشاهد في الافلام وتنبعث منه اصوات الغناء والموسيقي طوال الليل ويخرج السكاري فيرتكبون المشاحنات.. اقسم بالله ان هؤلاء السكان فشلوا في اغلاق هذا المخور علي مدي سنوات، وكلما اغلق عاد من جديد وبعد ايام قليلة يمارس نشاطه "ال "0000" ولا حول ولا قوة إلا بالله. الأمثلة كثيرة وحزينة، وهنا ادعو جريدة نهضة مصر لفتح صفحاتها لمناقشة هذه القضية.. ربما ادرك السادة المسئولون حجم ما يدفعه المواطن من تقاعس البعض في المحليات، ولربما تحركوا لمقاومة هذا الرافد من الفساد والمحسوبية. والله من وراء القصد