يشبه النقاش الجاري حالياً حول العراق ما كان سائداً حول يوغوسلافيا السابقة خلال سنوات التسعينيات، إذ يتردد علي مسامعنا مرة أخري أن مجموعة من الناس المهووسين بالعنف استسلموا لأحقادهم العرقية القديمة، وأنه ليس من مصلحة الولاياتالمتحدة التدخل لحل صراعاتهم الداخلية. والمفارقة أن المدافعين عن هذا الرأي اليوم هم أنفسهم الذين فنَّدوا أسسه قبل 15 عاماً في الحالة اليوغوسلافية. ولأنهم كانوا علي حق وقتها في تأييدهم لفكرة التدخل، فإنهم يرتكبون خطأ فادحاً اليوم إذا ما خضعوا للأصوات المحذرة من التدخل الأمريكي. ففي يوغوسلافيا السابقة، كما في العراق، تصادمت الجماعات العرقية المختلفة لسنوات عديدة، لكنها شهدت أيضاً فترات طويلة من التعايش المشترك، حتي خارج القبضة القوية للرئيس الأسبق "تيتو"، أو في حالة العراق تحت قبضة نظام صدام حسين. فقد عاش الكروات والبوسنيون والسلوفينيون، والمقدونيون، والصرب، ثم سكان الجبل الأسود، في وئام لعقود من الزمن تحت حكم الإمبراطورية العثمانية، ثم أسسوا مملكتهم الخاصة دون أن تعكر صفو العلاقات بينهم مشاكل كبيرة. ونفس الشيء ينطبق أيضاً علي التعايش التاريخي بين الأكراد والشيعة والسُّنة في بلاد الرافدين. وفي كلتا الحالتين كانت نسبة الزواج المختلط عالية، ولم تكن هناك دعوات شعبية لإطلاق حرب أهلية مدمرة. غير أن الصراع الداخلي تنامي في السنوات الأخيرة بتشجيع من حكام مثل صدام حسين، وسلوبودان ميلوسوفيتش، أو بتحريض من متطرفين من أمثال "الزرقاوي" الذين وظفوا الصراعات لتوطيد تسلطهم. والنتيجة انتشار مظاهر العنف والفوضي بسبب ضعف السلطة المركزية وانهيارها. وفي ظل أوضاع مماثلة ينعدم فيها حكم القانون غالباً ما يلجأ الناس العاديون إلي الاحتماء وراء الميليشيات الطائفية والعرقية. وبينما تمعن هذه الميليشيات في ارتكاب الجرائم يزداد الطلب علي الرد والانتقام، مؤججاً بذلك دوامة العنف والموت. ومع ذلك فإنه عندما ننظر إلي العنف من مواقعنا البعيدة والمريحة، فإنه من السهل القول إن هؤلاء المتقاتلين فيما بينهم مجرد "كائنات مسعورة، ولا يوجد ما يمكن القيام به لمساعدتهم". لكن تخيلوا ماذا كان سيحدث لو استمرت المظاهرات العنيفة التي اجتاحت لوس أنجلوس عام 1992 لأسابيع متتالية دون تدخل الشرطة، أو الجيش. حينها كانت ستتحول المدينة إلي بغداد، أو سراييفو أخري بعد اندلاع الاقتتال بين العصابات الأنجلوساكسونية والأمريكية من أصول أفريقية والآسيوية واللاتينية، وكان سيخرج الوضع عن نطاق السيطرة. ولو كانت استمرت المظاهرات لفترة أطول لانتقلت إلي باقي المناطق في ولاية كاليفورنيا علي غرار ما حدث في البلقان عندما انتقل القتال من سلوفينيا، التي كانت أول إقليم يعلن انفصاله عن يوغوسلافيا، إلي كرواتيا والبوسنة، ثم كوسوفو. ولم يتم وقف تمدد أعمال العنف إلا بعد التدخل الأمريكي الذي حصر الفوضي ووضع حداً لها. واليوم فإن ما يحول دون سقوط العراق، الذي يعيش علي نذر حرب أهلية مصغرة، في حرب علي نطاق واسع هو وجود القوات الأمريكية التي تسعي لتجنب الكارثة. هذه النتيجة الكارثية التي ستظهر في حال انتشار عمليات القتل هي ما يشير إليه تقرير "تصدع الأشياء" الذي أعده الباحثان "دانيال بايمان" و"كينيث بولاك" من معهد "بروكينجز".