تشكل البطالة في جمهورية مصر العربية بشكل عام وبمحافظة اسيوط بشكل خاص احد الملفات الساخنة في اجندة الشأن العام لما تمثله من تداعيات وتفعيلات نتيجة لتزايد السكان بالمحافظة بنسبة تفوق زيادة الموارد الانتاجية الامر الذي يؤدي الي صعوبة امتصاص هذه الزيادات السكانية كقوة عمل مما يؤدي ليس فقط الي استمرار مشكلة البطالة وانما ايضا الي تعاظمها واستفحالها وتعاظم اثارها وتداعياتها المختلفة كارتفاع معدل الاعاشة مما يسببه ذلك من انخفاض متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي خصوصا وان معظم الانشطة الاقتصادية السائدة بالمحافظة هي انشطة زراعية وخدمية وهذه انشطة ذات انتاجية منخفضة مقارنة بغيرها من الانشطة. واذا كان تقرير التنمية البشرية الصادر عام 2003 قد وضع محافظة اسيوط في مركز متوسط بين المحافظات من حيث نسبة البطالة التي بلغت بالمحافظة كمتوسط عام 2.11% وان كانت ترتفع في بعض القري الي ما يقرب من 24% في الإناث ورغم كل المبادرات التي تمت لتعليم المرآة وإدخالها في سوق العمل ما زالت البطالة من النساء تصل لمتوسط عام الي 8.28% وان كانت تقترب في بعض المناطق من 69%. ومن الاشارات المزعجة في تقرير لتنمية البشرية مما يشير إلي ان البطالة بين الفئة العمرية 15 29 عاما وهي سن العمل والانتاج تصل في بعض المناطق إلي حوالي 52% وهذه النسبة توضح حجم الاهدار واليأس وما يمكن ان يقودا اليه من عواقب وخيمة وتداعيات سلبية. والعلاقة الوطيدة بين البطالة والفقر هي التي تدفع المجتمع الي حلقة من السياسية المعرقلة للتنمية والمحبطة لكل المبادرات التي اجتهدت الدولة في دفعها وتنفيذها خلال العشرين عاما الاخيرة. وستظل اي خطط للتنمية او مبادرات للتطوير والتحديث قيد الاطار النظري والرؤي المكتبية والتظاهرات السياسية ما لم تكن مشفوعة بخطط واقعية لامتصاص الرصيد المزعج من المتعطلين ومتضمنة ايضا آلية قادرة علي ضخ طوابير البطالة اولا باول في دولاب العمل وهذا لن يتأتي دون اتخاذ مجموعة من التدابير الهامة والتدخلات الضرورة ليس فقط بشكل تقليدي وانما تنطلق من رؤية ابداعية ومستشرفة وطموحة وواثقة في قدرات هذا الوطن وقدرات ابنائه ونجتهد في طرح بعض العناصر الهامة في تحجيم ظاهرة البطالة ووضعها في الحدود المقبولة وهذه العناصر سنسردها دون ان نعني بترتيبها ترتيبا للأولوية والأهمية بقدر ما نعني أنها جميعا عناصر هامة وحاسمة ولاتشكل سوي الحد الادني من الجهد المطلوب. أولا: الصناعات الصغيرة 1 قد يري البعض ان الحديث عن الصناعات الصغيرة قد اصبح ممجوجا ومملاً وانه ورغم كل الاجتهادات والجهود التي بذلت عبر اكثر من عقد من الزمان فان العوائد من هذا القطاع مازالت دون المستوي. ولكن ورغم ذلك فان الصناعات الصغيرة وعبر العديد من التجارب الرائدة في العديد من دول العالم الصناعية والنامية علي السواء اوضحت ان المكاسب الاقتصادية والاجتماعية للصناعات الصغيرة والمتوسطة تفوق تلك التي تم الحصول عليها من الصناعات الكبيرة لما تؤديه من دور فعال في تعظيم فرص العمل المنتجة وتكوين قاعدة عريضة من العمال المهرة. 2 القدرة علي تعظيم الناتج المحلي من خلال استثمار قدر اقل من راس المال يقود الي نتائج اكبر في مستويات دخول الافراد. 3 توفير احتياجات الصناعات الكبيرة وتغذيتها وامدادها بالعمال المهرة. 4 تحقيق اكبر قدر ممكن من العدالة الاقليمية في توزيع الدخول والقوة الشرائية وخلق توازن في فرص العمل دون الحاجة لهجرات الي مناطق الجذب حيث تتوطن الصناعات الكبيرة. ثانيا: التأكيد علي ثقافة الشراكة واحترام ادبياتها بين الحكومة والقطاع الخاص والقطاع الأهلي بما يخفف العبء عن الحكومة من خلال توزيع الادوار علي الشريكين الآخرين وهذا لن يتأني مالم تقم الحكومة بالتخلي عن باقي موروثات النظام الاشتراكي وتتخلي طواعية واقتناعا عن ما قد تراه اوراقا تحكمية في يدها وذلك حتي تتدفق بانسيابية آليات الفعل والابداع في دولاب العمل الوطني وتنطلق المشروعات وتتخلق فرص العمل الحقيقية كما ان الحسم في هذا الامر يتطلب ان يري القطاع الخاص ابعد من موضع قدميه ويستشرف المستقبل ويقتنع ان ادواره الاجتماعية والتنموية هي جزء اصيل من مسئولياته ووظائفه وان استثماراته امنة طالما ادراكه لهذه الامور واعيا. ويتبقي القطاع المدني او الاهلي الشريك الثالث والمتنامي بقوة في السنوات الاخيرة ولاشك ان هذا القطاع ورغم كل الضخ الذي تم والمساعدات الفنية التي قدمتها جهات ومنظمات دولية او اقليمية مازال يحتاج الي المزيد من التدخلات الهيكلية والمؤسسية والتشريعية والدعم الفني والمالي مما يؤهله للاجادة في التعامل مع ملفات مجتمعية شائكة ومعقدة تأتي البطالة في صدارتها ان لم تتصدرها علي الاطلاق. ثالثا: التدخل بحسم وجدية لحل المشاكل والصعوبات المعيقة وما أكثرها واتخاذ بعض التدابير الضرورية كحد ادني لتوسيع قاعدة العمل. 1 ربط التعليم باحتياجات سوق العمل بحيث يصبح الخريجون سواء من الجامعات او المدارس الفنية معدين ومؤهلين للانخراط في سوق العمل بسهولة وفتح الباب امام القطاع الخاص والشركات الاستثمارية والمؤسسات الاقتصادية للمشاركة في تخطيط ومتابعة العملية التعليمية بما يساعد في خلق توافق بين التعليم وسوق العمل. 2 الاهتمام بعمليات التدريب التحويلي لرفع كفاءة وفاعلية الكوادر الفنية. 3 توجيه المشروعات للسلع التي توجد بها فجوة من الانتاج المحلي والطلب وتأهيل هذه الصناعات للانتاج بمواصفات التصدير. 4 عدم الجري وراء استقدام المتقدم من التقنيات الحديثة والمتطورة والاهتمام بالتكنولوجيا ذات الاستخدام الكثيف للعمالة بما يساعد في توفير عدد اكبر من فرص العمل. 5 اتخاذ التيسيرات علي اقصي مدي لتشجيع الشباب علي تنفيذ مشروعات صغيرة وتشجيعهم بالاقراض الميبسر والدراسات الفنية الجادة او إدخالهم في اطار الصناعات المغذية واعفاءهم من الاعباء الادارية والبيروقراطية. 6 الاهتمام بتوفير الخدمات والاستشارات الفنية والمالية والادارية بما يدفع القطاع الخاص للنجاح والتوسع وزيادة قدراته الاستيعابية للعمال. 7 الاهتمام بتأكيد حوافز الاستثمار في محافظة اسيوط بحيث تصبح المحافظة قادرة علي جذب الاستثمارات القادرة علي تخليق فرص عمل حقيقية لجيوش المتعطلين. ولاشك انه ورغم الحديث عن حوافز الاستثمار وتشجيعه في الصعيد بشكل عام الا ان الملاحظ ان الحكومة المركزية مازالت تضن بتقديم امتيازات حقيقية قادرة علي تحريض المستثمرين علي الحضور بل العكس هو الحادث فأنباء المحافظة من المستثمرين ورجال الاعمال يتجهون بمدخراتهم الي خارج المحافظة للاستثمار وهذا يؤكد ان حوافز الاستثمار التي طال الحديث عنها غير مشجعة بالمرة. 8 ضرورة التدخل المركزي والمحلي من اجل التقنين والاعتراف بالاقتصاد الخفي وتطويره وتحديثه وادخاله في منظومة الاقتصاد الوطني خصوصا وان هذا الاقتصاد يضم اكثر من 80% من المنشات الانتاجية والتجارية والخدمية وانه قادر مع التحديث والتطوير والتقنين وان يستوعب المزيد من العمالة ولاشك انه ليس من الحكمة ان تتجاهل الحكومة في هذا القطاع الذي تتجاوز حجم استثماراته اكثر من 100 مليار جنيه لمجرد انه غير مدون في اضابير الحكومة ومللفاتها. وهذا الضم لهذا القطاع سوف يفتح افاقاً واسعة للتوظيف وسوف تستفيد الحكومة بأموال الضرائب والتأمينات في زيادة مواردها وضخ المزيد من الاستثمارات وبالتالي توفير فرص عمل اخري وهكذا تنفعل دورة التشغيل والانتاج والاستثمار والتوصيف فكل منها سبب ونتيجة للآخر. رابعا: عمل قاعدة بيانات علي مستوي المحافظة تتضمن عملية حصر الذين دخلوا سوق العمل منذ العام 1984 وهو العام الذي تم فيه توقف الحكومة عن التزامها لسياسة تعيين الخريجين علي ان تضم هذه القاعدة بيانات ابناء محافظة اسيوط من خريجي جامعتي اسيوط والازهر وخريجي المدارس الفنية والمتسربين من التعليم وابناء محافظة اسيوط بالجامعات الاخري مع اضافة سنوية لاعداد الداخلين سوق العمل من القطاعات السابقة علي ان يتم توفير آلية لضبط وتحديث هذه القاعدة من البيانات مع استنزال ما تم تعينيهم بالحكومة وقطاع الاعمال ووحدات الحكم المحلي والقطاع الخاص واتاحة هذه المعلومات لجميع الجهات الوطنية المهتمة بما يمكن من تخطيط سياسة محلية فاعلة في حل مشكلة البطالة ومساعدة متخذي القرار. جمعية رجال الاعمال باسيوط ودور مشارك في حل مشكلة البطالة. اشرنا فيما سبق الي منهج الشراكة بين قطاعات المجتمع الثلاثة (الحكومة القطاع الخاص القطاع الأهلي) كطرح نموذجي يقبله العالم لتحقيق التنمية والتطوير والتحديث واصبح هذا الطرح من أدبيات المرحلة في العالم التي لايجوز ولايقبل مخالفتها باعتباره تجميعا لحزمة اساسية من القيم والمفاهيم والانسانية كالمشاركة وحرية التجارة والسفر وتمكين المرأة وحقوق الانسان وحق المجتمع المدني في اتخاذ المبادرات وحق التفكير والابداع وغيرها. ولأن مصر كعهدها دائما كانت سباقة في رصد هذه المتغيرات منذ منتصف السبعينيات فبدأت في خطوات تحرير الاقتصاد وإخراج السوق من تحت عباءة السيطرة والوصاية ليتعايش مع متغيرات السوق وآلياته وانتقلت في مرحلة تالية وفي إطار زمني عقلاني الي الحرية السياسية وانشاء المنابر فالاحزاب السياسية وحرية انشائها وحرية الصحافة ومع الثمانينيات ومع حكم الرئيس محمد حسني مبارك استمر سيادته في هذه المنهجية فتتالت سياسات واجراءات التحرير الاقتصادي ودعم القطاع الخاص ومساعدته. ثم جاءت المرحلة الهامة في هذا التطوير والتحديث وهي مرحلة ضخ الفاعلية في المجتمع المدني واعادته لادواره التاريخية والاساسية كفائدة لقاطرة التحديث والتطوير وصاحب المبادرات المتدفقة بشجاعة نحو المستقبل والاكثر ادراكا لنبضات الشارع والاكثر وعيا والادق رصداً لمتغيراته وانماطه ومزاجه. وبذلك تكتمل منظومة التأهيل الأساسية لمرحلة التغيير وترجمة لهذا الفكر وانطلقت الجمعيات الاهلية برؤية جديدة ومختلفة.