عندما تترسخ مباديء المواطنة في المجتمع تنصهر في بوتقتها تلك التعددية لهذا المجتمع وتتوحد الأهداف لتخدم في حب ثوابت المستقبل لهذا الوطن الذي ينتمي اليه الكل.. ولعل هذا الحس كان متجسدا بوضوح مع بريق التوحد لمسلمي واقباط مصر إبان ثورة 1919 ولم تسجل لنا العقود التالية لهذا المشهد أي جديد من هذه اللفتة التاريخية الجميلة. وسارت الامور الي مستوي مختلف الامر الذي نخشي معه ان يصيب مصر في مقتل، اكتب ذلك ويلفني حزن عميق علي ما آلت اليه حالة شباب الجامعات، لنجد ان بعض الطلبة الاقباط يتخذون لهم أماكن مستقلة في بعض الجامعات يجتمعون فيها يتسامرون وقت الفراغ في مساحتها. ويطلقون عليها رموزا أو مسميات وعلي الجانب الآخر يجتمع بعض الشباب المسلم في مجموعات ولم يفوتني بحال ان اتناقش مع ابني خريج علوم عين شمس منذ خمسة اعوام تقريبا . فسألته هل كان الطلبة المسيحيون في الجامعة يستقلون بأنفسهم وهل كان الطلبة المسلمون كذلك. اجابني: ان ذلك حدث ولكن ليس بكثافة لكن يا ابي كان لي السواد الأعظم من اخوتي المسلمين وقد اتخذتهم أصدقاء وهم ايضا كانوا يحبونني وكنا لم نندمج مع هذه المجموعات المستقلة الي هنا نجد ان الموقف غاية الخطورة. فشباب مصر هو عدتنا وزخرنا للغد والمطلوب ان تكون نشأته في جو من الوحدة والتآخي والتقارب وان يكون الفكر واحدا والتوجه واحدا. وهيا بنا نناقش ما الذي يجعل الطلبة المسيحيين ينعزلون ويكرسون للانطواء.. وفي اعتقادي ان من أهم اسباب هذه العزلة تلك الشعارات الطائفية التي يرفعها طلبة جماعة الاخوان في أروقة الجامعات. كما ان شعار "الإسلام هو الحل" لا يعقل ان يجمع فريقين مختلفين في العقيدة. فهل من الممكن ان يتحلي هذا الشعار بمنطق المواطنة ليكون علي سبيل المثال "الحب هو الحل" أو "المواطنة هي الحل" او استنباط شعار يدعو الجميع للتمسك واحترام عقيدة الآخر. ولو دققنا النظر في المنشورات التي يبثها طلبة الاخوان لوجدناها وقد تجاهلت الطلبة الاقباط وحرمتهم من المودة المشتركة لتزرع في نفوسهم الحيدة والتباعد. لأن الحياة المشتركة لابد ان تقودها خطوط بيضاء وثوابت تحترم التعددية نؤمن من خلالها بسلامة التعايش رغم الاختلاف ويقول القرآن الكريم "ومن آياته اختلاف ألوانكم واختلاف ألسنتكم" "ليس لك من الأمر شيء" و"جعلنا كم شعوبا وقبائل لتعارفوا" (قرآن كريم) ومع هذا النسيج العنكبوتي للفرقة الفكرية والاجتماعية تطفو علي السطح عدة اسئلة الي اين نحن ذاهبون؟ وهنا نعيش مرارة ا لسؤال هل عزلة الشباب المسيحي بالجامعات ودور التعليم اختيارية ام مجبرون عليها.. الاجابة واضحة فليس لديهم ما يفعلونه فكل النداءات والملصقات وما يسمعونه يقول لهم ليس لديكم حل والاسلام هو الحل. وهنا نؤكد اننا في مجتمع يحترم العقائد رغم الاختلاف وكان هذا الاحترام ذا مكانة عالية منذ عقود قليلة مضت فلماذا نتجاهله ونخلق جوا تلبده افكار نحن في غني عنها. واسأل في حسرة اين دور الدولة في تصحيح بذور هذه الاخطاء. اين المسئولية الملقاة علي وزارة التعليم العالي والمرض ينهش جسد وحدة شباب مصر. ليس يأسا انما حقيقة، فالموقف غاية الخطورة لو تركنا الامور علي هذه الحالة المتردية. وقد قامت الكنيسة بواجبها من خلال اسقفية الشباب وحكمة الانبا موسي اسقف الشباب لنجد في كل كلية اسرة تحمل احد اسماء الشهداء أو القديسين مهمتها انتقاء الشباب المسيحي بالجامعات وبالذات الوافدين من الاقاليم كما ان هذه الاسر تحميهم من التطرف أو المواجهة الهدامة. وليست هذه الاسر كما ادعي البعض انها دعوة للانطواء. فالاندماج امامهم مغلق والمشاركة موصدة الأبواب فماذا يفعلون؟.. وليس لهذه الأمر اي انشطة سياسية أو دينية في حرم الجامعة علي النقيض تماما مما تمارسه براعم جماعة الاخوان. وقد وضح جليا في تلك الاحداث المؤسفة الأخيرة في ساحة المفروض انها محراب للعلم! ان الدولة مسئولة عن تنمية التيار الليبرالي المعتدل ليس في الجامعة وحدها بل في كل مواقعها بديلا لتلك التيارات الاصولية التي تقودنا الي حيث لا ندرك.. ولعل عقلاء الجامعة باختلاف مواقعهم يتساءلون ما هو موقف الطلبة الاقباط والطلبة الآخرين المعتدلين ازاء ما يحدث! بالتأكيد ان ما يحدث يؤرق كل مستنير في بلادي.. فعلينا ان نتحرك بسرعة وكثيرون هم العقلاء اصحاب الانتماء الحقيقي للوطن. فلندعهم يعملون ويحرثون هذه الارض البكر في الجامعات بعيدا عن كل ما يهدم مصر وشبابها لابد من منهج جديد للمواجهة نفعله بجهود مخلصة. دون فرز او عزل بين الشباب ولننظر الي الشارع المصري هل يستطيع شخص ما ان يفرز لنا أهل هذا الشارع ويحدد عقائدهم. بالطبع سيفشل فوحدة النسيج صهرت الملامح والطباع.. فلماذا وكيف استيقظت فينا مشاعر جديدة تصيبنا بداء يقتل فينا الحب والوحدة. هيا بنا نسارع لانقاذ مستقبلنا المتمثل في شبابنا. فلو اهملنا سيكون ذلك لعنة تلطخ حياتنا وتاريخنا الحديث والقادم أيضا!!