في الوقت الذي عالجت فيه مجلة النيوزويك قضية الحجاب بعقل وحكمة، أسرفنا نحن في صحافتنا العربية والاسلامية في التطرف يميناً ويساراً في التعامل معه .. ولم نجد صوتا عاقلا يقولا لهؤلاء وهؤلاء انتبهوا أنتم بذلك دعاة غلو وتطرف. المتطرفون ضد الحجاب يرون أن محجبات كثيرات لا يلتزمن بأصول الدين، ولا يتطابق مظهرهن مع مضمونهن فنجد كثيرات غير ملتزمات بل ويجلسن في أوضاع مخلة مع الشباب والرجال علي الكورنيش والأماكن المظلمة. والذين مع الحجاب يرون أن كل السافرات غير المرتديات للحجاب علي استعداد تام لفعل أي شئ من المعاصي، وأن عدم تحجبها هو بمثابة ضوء أخضر لكل من تسول له نفسه أن يغضب الله معها! هذا تقريبا ما تمخضت عنه عقلياتنا العبقرية في الكلام عن قضية الحجاب، وكأننا قد تحولنا إلي فريقين يتبارزان .. فريق الدفاع عن المحجبات ضد فريق الدفاع عن السافرات! تخيلوا قطعة قماش صغيرة لا يتجاوز حجمها 20 سنتيمترا تضعها المرأة علي رأسها فتكون قد التزمت بأركان الاسلام ومبادئه وإذا خلعتها تكون قد تخلت عن دينها وعلي كامل الاستعداد أن تفرط في الغالي والنفيس، فهي سافرة وغير محتشمة! كاتبة المقال في مجلة النيوزويك اسمها "فارينا علم" تقول - ما لم نعرف نحن أن نقوله - تقول: أنا امرأة بريطانية شابة عاملة ومتعلمة ومندمجة في المجتمع بشكل جيد - اختارت إظهار ايمانها علنا من خلال وضع الحجاب - ومع انني ولدت في لندن فقد ترعرعت في سنغافورة ولم تضع أي امرأة الحجاب في عائلتي التي تندد بأي دلائل علنية باعتبارها متعارضة مع زمننا هذا، بدافع العدالة الاجتماعية ورغبة مني في استعادة قيمي الروحية .. اهتديت الي الاسلام في الجامعة حيث كنت ناشطة وكان قراري بوضع الحجاب في البداية مرتبطا بتحديد هويتي وثقتي بنفسي وبالقيم التي توجهني .. مع الوقت أصبح يعبر عن تديني أيضاً .. لن اضع نقاب الوجه علي الأرجح، فهو غير مريح بصراحة، لكنني سأناضل وأدافع عن حق النساء المسلمات بارتداء ما يشأن. تضيف: ولست وحيدة في ذلك كما اكتشفت في رحلة حديثة الي "بلاكبورن" دائرة جاك سترو الانتخابية في معقل المسلمين، فهناك أخبرتني فاطمة "مايات" وهي محاضرة جامعية في علم النفس أنها وضعت الحجاب لأنها تشعر بأنه اللباس الأقرب الي القيم الاسلامية، لكنها تؤكد أنها لن تفرض هذا الخيار علي أي امرأة أخري .. فهي ودودة ومنفتحة وتخوض النقاش مع جيرانها غير المسلمين بشكل شبه يومي شارحة لهم سبب وضعها الحجاب ونادراً ما تواجه أي عدائية، علي خلاف ما حصل لها عندما ذهبت في رحلة شقيقتها إلي المغرب حيث راح الناس يصرخون لهما في الشارع قائلين: "حزب الله". وهنا يحذر "تريفور فيليبس" رئيس لجنة المساواة العرقية في بريطانيا من أن اللهجة القبيحة للجدال الحالي بشأن الحجاب والتنمر العام علي المسلمين البريطانيين قد يثيران أعمال شغب عرقية من النوع الذي شهده شمال بريطانيا عام 2001 والسبب أن هناك انطباعا لدي البعض بأن المجتمعات المسلمة البريطانية هي بمثابة قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة، وبأنها عاجزة عن المشاركة السلمية في الديمقراطية.. وهنا تلتقط الخيط "هوميرا خان" التي شاركت في تأسيس جمعية النساء بقولها: أحد انجازات التعددية الثقافية هو أننا أصبحنا أكثر تقبلا لمظهر الناس الخارجي في بلدنا فإذا كنا قد استمتعنا بحرية التعبير تلك، فهل يجب ان تحرم منها النساء اللواتي يخترن ارتداء الحجاب. وتختار الحل بقولها أنه لابد من إجراء حديث مطول عن مفهومنا للعيش في مجتمع.. غير أن البعض يري ان المسلمين عليهم جهد لابد أن يبذلوه في المقابل .. فإذا كان جارك خائفا منك فهذا ليس خطأه بالكامل، فمن بين مسئولياتك أن تتقرب منه وتحاول تهدئته .. لكن المسلمين في الغالب لا يساعدون انفسهم، فبدلا من التركيز علي الرسالة الدينية القوية للاسلام وحضارته وارتباطها بأوروبا الحديثة يبددون طاقاتهم في الدفاع عن الرموز الخارجية لدينهم، حتي أصبحوا مهووسين بالرموز .. فقد نسينا أننا نعبد الله وليس أحجبتنا أو لحانا! وهكذا نقع دائما في فخ الحجاب .. فالبعض يقف بالمرصاد لكل من يقترب منه ومن يتحدث عنه .. فمن ينادي به متطرف ومن ينادي بخلعه فاسق .. لا أحد له وجهة نظر هو حر فيها ولا أحد حسن النية، فهو دائما متهم .. فالإسلام يدعو الي التعفف، ولكن ليس معني هذا ان غير المحجبة ليست عفيفة، أو ان المحجبة هي وحدها الحاصلة علي التوكيل الحصري والوحيد للعفة والفضيلة. الطريف أن الفريقين المتناحرين من المسلمين وجميعهم يصلي ويصوم ويزكي ويحج ويقدم الصدقات مع ذلك فأعضاء الفريق الأول مثواه النار وبئس المصير من وجهة نظر انصار الحجاب، والفريق الثاني سيدخل جنات الخلد من أوسع ابوابها وينعم بالحور العين ويلبس الحرير ويشرب من العسل المصفي وكأن كل فريق قد شق قلوب الفريق الآخر وكشف عنه وطابق مظهره مع جوهره، وأعطي لنفسه الحق في أن يسجل الناس طبقاً لمظاهرهم في كشوف .. فهؤلاء في قائمة جهنم الحمراء لأنهم لم يعلنوا الحرب علي غير المحجبات ولم يتعقبهن في كل مكان ليقطعوا رقابها .. والآخرون في قائمة الجنة الخضراء لأنهم تصدوا للمتبرجات وأعلنوا في الوقت نفسه أنهم سيتصدون بالسيوف والحراب لكل من يدافع عنهن ويبيحون إهدار دمه الفاسد. وهكذا نتناحر دون وعي ودون فهم من أجل قطعة قماش كل مساحتها 20 سنتيمترا مكعبا، فلا الذي يطالب بارتدائها يعرف قدرها ودلالة رمزها وقدسية المعني الذي ترتدي من أجله وبالتالي، يدافع عنها بما يليق بها .. ولا الذي يطالب بخلعها كان لديه من اللباقة والكياسة والذوق والفطنة وحسن التصرف في أن يعبر عن رأيه الذي هو في النهاية حر فيه بما لا يضر غيره ولو كان علي الاقل ضررا نفسياً. وبدلا من أن نتصرف كمسلمين - سواء من يؤيد الحجاب أو من يرفضه - بأسلوب حضاري يليق و مكانة ديننا الذي هو من الأساس يعطي الانسان كل انسان الحق في أن يؤمن أو أن يكفر، فما بالك بأن يكون له الحق في أن يرتدي قماشة الحجاب أو أن يخلعها - بدلا من ذلك قسمنا البلد كلها الي حلفين - حلف يدافع عن فاروق حسني دفاعا أعمي متهما الإخوان بأنهم سيجرون البلد إلي القرون السحيقة، وحلف يمسك سيف الإخوان ويسلطه علي رقبة كل من يتبني وجهة نظر الوزير فتقاتلنا وذهبت ريحنا وكنا خير معول يمسكه الغرب حتي يدق به رقابنا! [email protected]