كتابات شتي ودراسات عديدة اجتهدت في سبر أغوارإشكالية العلاقة بين الحضارات، والتي تتنازعها جدليتي الحوار والصدام. وقد خلصت معظم تلك الكتابات والدراسات إلي استنتاج مؤداه أن فكرة الحوار، التي تعد بمثابة الأصل أو الفطرة التي فطر الله عليها الحضارات تتمثل المشاكل المتصلة بالدول التي تعيش فيها الجاليات العربية والإسلامية،تتمثل في القيود التي قد تفرضها بعض الدول المضيفة أو المستقبلة لهم علي تحركاتهم كوضع سقف لصعودهم السياسي داخل المجتمع وتحجيم حراكهم الاجتماعي أو التضييق الأمني عليهم، إضافة إلي حالة الإسلاموفوبيا التي تزيد من التباعد بين العرب والمسلمين من جهة والمجتمعات الغربية التي يعيشون فيها من جهة أخري، ومن ثم تفضي بهم إلي التهميش السياسي والاقتصادي والثقافي، كما تجعلهم عرضة للاستفزاز أو الإعتداء بشكل مستمر سواء من جانب الدولة أومن قبل ذوي الفكر المتطرف والميول المعادية للأجانب.أما المشكلات النابعة من الدول العربية والإسلامية ذاتها،فيتمثل أهمها في تجاهل تلك الدول والشعوب للجاليات الإسلامية في الخارج، وضعف تواصل الجاليات العربية والإسلامية مع حكوماتهم وذويهم في العالم العربي والإسلامي،الذي لا يكف بعض المارقين والمتطرفين فيه عن القيام بأعمال تسيء للإسلام والمسلمين في الخارج كالعمليات الإرهابية التي تتم بإسم الإسلام أو الجهاد وتودي بحياة العشرات في مختلف عواصم العالم، إضافة إلي فتوي إيران الخمينية بشأن إهدار دم الكاتب الهندي الأصل سلمان رشدي،ثم سلب المرأة العربية والمسلمة الكثير من حقوقها التي تقرها الأديان وتضمنها الدساتير. من هنا، تبدو الحاجة ملحة لفاعل إسلامي مؤثر يقوم بدور جسر التقارب والتواصل بين الإسلام والغرب ويكون خير ممثل للإسلام والمسلمين في المجتمعات الغربية، سواء من خلال النشاط الدعوي أو من خلال إعادة تقديم الإسلام والمسلمين للعالم الغربي في صورة أفضل.وفي هذا السياق، يبرز دورالمسلمين من أصول أوربية، الذين هم أفضل تأهيلا وجاهزية للإضطلاع بهذا الدور الحضاري، لاسيما وأنهم،إلي جانب إتقانهم التام للغات بلادهم وإلمامهم الواعي بثقافاتها، هم الأكثر معرفة بشئون مجتمعاتهم والأقدر علي فهم طبيعة الشخصية الغربية ومخاطبتها باللغة المناسبة وإقناعها بالحجج الملائمة، كما أنهم يتمتعون بمصداقية أكثر لدي ذويهم الذين تملكتهم الشكوك حيال العرب والمسلمين جراء الإسلاموفوبيا التي باتت تشكل مرجعية لهم عند التعاطي مع الآخر الإسلامي. بيد أن تلك الفئة من معتنقي الإسلام في الغرب لم تسلم هي الأخري من المعوقات التي من شأنها أن تعرقل إضطلاعها بهذا الدور الحضاري الهام علي النحو الذي يتوخاه كل مسلم حريص علي مد جسور التواصل مع غير المسلمين. ويأتي في صدارة تلك المعوقات كون بعض أولئك الحديثي العهد بالإسلام عرضة للإنزلاق في مهاوي التطرف والعنف الأصولي المتشح بنزعة دينية إسلامية،لا سيما وأن من بينهم من يجنح إلي إعتناق الإسلام وسط ظروف معيشية ونفسية بالغة الخصوصية، لذا يجد داخل السجون بعض المسلمين المتطرفين الذين يمهدون له السبيل لاعتناق الإسلام، الذي يتخذ منه غطاء للإنتقام من المجتمع مستغلا بعض الأفكار المغلوطة عن الجهاد. حيث يأخذ من الإسلام ما يتفق وطبيعته المتمردة العنيفة التي كان يتسم بها قبل دخوله الإسلام،أو ما يبرر ويسوغ له دينيا الإستمرار في تطرفه،وذلك بعد أن جعل من أفكار بعض المنظمات الإسلامية المتطرفة مثل منظمات "حزب التحرير" و"المهاجرون" مرجعية دينية يأخذ عنها مباديء الإسلام في غيبة من الجهات والمؤسسات الدعوية المعتدلة. حيث تجتهد المنظمات الإسلامية المتطرفة لإستدراج معتنقي الإسلام الجدد في الغرب وضمهم إلي صفوفها،محاولة الإستفادة من المزايا التي تتوفر فيهم، والتي يمكنها توظيفها في تحقيق أهدافها، حيث يصعب علي أجهزة الأمن الغربية رصد تلك العناصر حديثة العهد بالإسلام، خصوصا وأنها ليس لديها ملفات عن مواطنيهم الذين يتحولون إلي الإسلام. فضلا عن قدرة أولئك الأصوليين الذين يحملون جوازات سفر غربية علي التنقل السلس بين الدول الأوروبية ودخول الولاياتالمتحدة دون الحاجة للحصول علي تأشيرة. وهكذا،يبدو جليا مدي احتياج معتنقي الإسلام في الغرب إلي دعم حقيقي من قبل ديار الإسلام،بنفس القدر الذي تتوق إليه الجاليات العربية والإسلامية في الغرب، كيما يتسني لهم الإضطلاع بمهمتهم الحضارية المرجوة علي الوجه الأكمل،إذ يتعين علي الدول الإسلامية وكذا منظمة المؤتمر الإسلامي تبني مثل هذه الكوادر البشرية وألا يضنوا عليها بأي من سبل الدعم والمساندة الممكنين ، وحالة ما إذا نجحت الدول العربية والإسلامية في القيام بواجباتها في هذا الصدد علي الوجه المطلوب،ثم كلل المسلمون ذو الأصول الغربية هذا النجاح بآخر أكثر وقعا، فإن الآمال ستتجدد بشأن حوار حضاري موضوعي ومتكافئ يعيد التوازن للعلاقات المتوترة والشائكة بين الإسلام والغرب، خصوصا وأنه قد أصبح للإسلام بين ظهراني الغرب، المستعلي حضاريا وغير المكترث بدعوة المسلمين والعرب للحوار الحضاري، كوادر بشرية متميزة بمقدورها تلقف تلك الدعوة وإقناع العالم الغربي بالتخلي عن سياسة صم الآذان والاستجابة لدعوة المسلمين والعرب من أجل تقارب هادف و حوار حضاري بناء من شأنه أن يعرج بالعلاقات بين الجانبين نحوآفاق أرحب ومستقبل أفضل.