إذا تأملنا وتساءلنا.. كيف يمتلك العالم حاليا كل مقومات التطور والتقنية.. والعلم والمعرفة.. وتلك المؤسسات والمنظمات الضخمة التي تمتلك الوثائق والاتفاقيات والمعاهدات والنظم لإحكام العلاقات بين الدول والمجتمعات والانسان والآخر في كل موقع أو مكان... ومع ذلك تفتقد كثير من الاوطان والمجتمعات والأفراد.. مما يدور علي أرضها.. أو تشاهده عند جيرانها.. أو في رحاب أقاليمها.. بل ما يدور في غالبية العالم إن لم يكن أجمعه.. عنصر الأمن والأمان.. والسكينة والاستقرار. بل ان الجميع.. من كل جنسية أو في أي موقع.. في داخله "بوصلة" تتحرك وتتذبذب.. بل تكاد تصيح وتتساءل.. ماذا سيكون غداً؟! هل ستمر الساعة القادمة من عمرنا بلا أحداث؟! تنال منا أو من غيرنا. هل سنغرق كل يوم في انباء وأخبار الصراعات والحروب والأحزان... وأخيرا فمتي يأتي يوم تزدان به شفاه الانسان بابتسامة الاستقرار والأمان؟! لعل هذا التأمل والتساؤل.. في كل وقت يمر علينا من أيام وساعات ولحظات يمر بخاطرنا.. وكانت مجال اهتمام كثيرين من رموز للثقافة والطب والإعلام.. تحت مسميات مختلفة وبأسلوب فكر مختلف ومتعدد.. تظلله عناوين.. لماذا تفاقمت ظاهرة "الاحباط واليأس" بعضهم يحددها باسباب محلية.. وآخر يبحثها ويدرسها ويتحدث فيها بصفة عامة إقليميا أو عالميا.. إلا أنهم يلتقون في أفكار وأراء.. ويختلفون في مواقع أخري كثيرة. ومن هنا تأملت وتساءلت مثلهم.. وأردت ان أبحث من زوايا مختلفة.. تمتزج في نقاط وتفترق في نقاط أخري.. ولكنها في تصنيف السطور وتنميطها.. شكل مثلثا أحد زواياه فلسفية.. أما الاخري فاجتماعية عقائدية.. والأخيرة تحليلية ونقدية. وحتي أضيف لواقعنا رؤية متكاملة.. وجد أن من الأهمية البحث عما إذا كان هذا التأمل والتساؤل ظاهرة ممتدة من قديم الزمان.. أم انها وليدة ظروفنا وأحداثنا الجديدة من حيث التاريخ والمكان. ومن هنا.. سأتناول من خلال بعض المراجع القديمة والحديثة أفكار وفلسفة بعض العلماء والفلاسفة والمفكرين.. وحصيلة قريحتهم.. والتي قد نجد بين السطور ما يساعدنا علي الاقتراب من أفكارهم ونبضهم الوجداني.. إلا أنكم قد تجدون معي في نهاية المطاف.. اننا قد لا نصل لعلاج كامل لكل داء.. ولا "تركيبة" تحدد ما هو الدواء!! إلا لو عشنا عن دنيانا "غرباء".. وأعتقد لو كنتم معي.. إننا لن نستطيع!! أولاً: وسأبدأ.. بالزاوية الفلسفية للمرحوم الدكتور زكي نجيب محمود.. كما جاءت بكتابه الصادر عام 1979 عن دار الشروق.. إذ يقول تحت عنوان "قيمة القيم".. شبه السفينة نراها ماخرة عباب الماء عن قصد مرسوم وإلي هدف معلوم.. يلطمها الموج وتلطمه ولكن بفضل ربانها الذي يلوذ بمقصورته ولا تراه الابصار الشاخصة ولكن السفينة في قبضته يجريها أو يرسيها كما يشاء.. ويضيف شبه السفينة وربانها يكون الإنسان بما يغمر رأسه من قيم.. يدركها بالفطرة أحيانا.. وحينا آخر تبث في نفسه بثا.. فإنك تري في صخب الحياة هذا الإنسان صاعداً هابطا ساخطا راضيا مستسلما أو ثائراً فآنا تدري فيم سخطه ورضاه.. وآنا لاتدري شيئاً.. لأن الشواهد المنظورة قد لا تكفيك للفهم والتعليل.. وذلك لانها هي المعاني في رأسه التي تسيره.. وان شئت فقل انها مجموعة "القيم" التي تمسك بزمامه وتوجهه.. ففهمه علي حقيقته هو فهمها.. أي الذي يفهمها. وعندما يتحدث د. ذكي نجيب محمود عن القيم يراها ثلاث "الحق، الخير، الجمال" في مقابل ثلاثة أوجه يحللون بها حياة الإنسان الواعية وهي "الادراك، السلوك، الوجدان" فحياتك الواعية تدرك بها ما حولك فينعكس إلي حالة شعورية تضعف أو تشتد.. فتتصرف علي النحو الذي يحقق لك ما تبتغي.. أما الإدراك فلابد أن يكون إدراكا صحيحا لا مضللا ولا مغلوطا حتي يجيء السلوك آخر الامر علي أساس سليم.. ومن هنا كان قيمة الحق في حياة الإنسان. أما جانب "السلوك" فالمراد منه ان يأتي محققا لأهدافه ملتزما لسواء السبيل.. فما الفضيلة إلا "السلوك الصحيح".. والذي يقاس صوابه بمقياس "الخير". أما "النشوة الجمالية" فهي تقع بين الطرفين "الادراك والسلوك" فهي الحالة الوجدانية بما تشيع في الانسان الطمأنينة والرضا.. ويفتن بكل الفنون سواء كانت صوتا أو لونا أو نحتاً أو عمارة!! ويضيف أنه من هنا نضع أصابعنا علي عجيبة من عجائب البشر فبينما تري كل جماعة من الناس علي إدراك تام ووعي كامل بأنه لاحياة لها إلا إذا روعيت العدالة بني أفرادها تراها في الوقت نفسه تأبي أن تقوم هذه العدالة نفسها بينها وبين غيرها من الجماعات!! ويستشهد بالأية الكريمة "إنا عرضنا الأمانة علي السماوات والأرض والجبال.. فأبين أن يحملنها.. وأشفقن منها.. وحملها الإنسان انه كان ظلوما جهولاً".. ويضيف ان الأمانة هي الإرادة الحرة.. ومع ذلك فهو معرض للخطأ فيما يختار أو يدع، وهو كذلك قادر علي اختيار الصواب أو يبتدعه ابتداعاً!! وعليه ت