في نظر المتفائلين يمثل دعم د. يوسف بطرس غالي وزير المالية لمهرجان الإسكندرية السينمائي في دورته الثانية والعشرين ، التي تبدأ في الخامس من سبتمبر القادم وتستمر حتي العاشر من نفس الشهر ، نقلة نوعية كبيرة في تاريخ هذا المهرجان الموعود بالمشاكل والأزمات بينما يؤكد المتشائمون أن هذا الدعم ؛ الذي بلغ ستمائة ألف جنيه ، لا يمكن النظر إليه بوصفه نعمة بل هو نقمة تبدت ملامحها في الوقت الراهن لكن نتائجها الخطيرة ستتجلي أكثر في الغد القريب . أول تداعيات هذا الدعم تمثلت في تغير نظرة الوزارات والأجهزة الرسمية التي كانت تتطلع إلي هذا المهرجان بوصفه " طفلا غير مكتمل النمو " لا ينبغي أن يخرج بعيدا عن " الحضانة " حتي لا تصيبه العدوي ، ويكفيه ما فيه من أمراض ، وكان الحرص كبيرا فيما يبدو علي إبقائه فقيرا في حاجة إلي الدعم حتي تسهل السيطرة عليه ، وفي أول لحظة بدا فيها وكأن الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما الراعية والمنظمة له راحت تنفض الوصاية عن نفسها ، ونجحت في الحصول علي دعم يغنيها سؤال اللئام ، بدأت الحرب ضدها فتراجعت وزارة الثقافة ، فجأة ، عن الدور المؤازر للمهرجان ، والذي كان يتمثل في تقديم دعم مالي لا يقل عن مائة ألف جنيه ، إضافة إلي تحملها مسئولية تنظيم حفلي الافتتاح والختام عبر تكليف صندوق التنمية الثقافية بمهمة الإشراف علي استقدام الضيوف الأجانب ، واستقبالهم في القاهرة ثم الاطمئنان علي وصولهم إلي حيث مقر المهرجان بالإسكندرية ، إضافة إلي تنظيم وصول ضيوف المهرجان من الصحفيين والفنانين المصريين إلي هذا المقر ، وهي المهمة التي أداها بنجاح كبير فريق الصندوق طوال العامين الماضيين ، الأمر الذي يحسب بالفعل للمدير السابق صلاح شقوير ، الذي أخذ علي عاتقه توفير السبل والامكانات التي تكفل تحقيق هذا النجاح ، وجاء المدير الجديد للصندوق أيمن عبد المنعم وأصدر، علي غير توقع ، قرارا بسحب هذا الفريق ، ومنعه من مواصلة مهمته لهذا العام ، غير عابئ بسمعة المهرجان أمام ضيوفه الأجانب، وللوهلة الأولي بدا وكأن القرار صدر بشكل فردي لكن سرعان ما اتضح انه يساير موقفا مبيتا من الوزارة التي قامت بتخفيض الدعم إلي 25 ألف جنيه فقط ، بعدما كان 100 ألف جنيه ، واكتفت بإسناد مهمة إخراج حفلي الافتتاح والختام إلي المخرج خالد جلال نظير قيام إدارة المهرجان بتحمل أجره (!) ويحسب للوزارة ، والصندوق ، أن وافقا علي تحمل نفقات ديكور الحفلين !! علي صعيد آخر لم يختلف موقف محافظة الإسكندرية كثيرا عن الموقف العجيب الذي تبنته وزارة الثقافة تجاه المهرجان ؛ حيث بدا وكأن المحافظة لم تنظر بعين الارتياح إلي الخطوة الكبيرة التي حققتها إدارة مهرجان الإسكندرية ، والجمعية الراعية له ، في تأمين الميزانية اللازمة التي تمنحها استقلالية لم تعهدها من قبل ، وعلي الفور بدأت التحرشات من جانب أعضاء المجلس المحلي الذين استنكروا ، باسم الوطنية ، مجرد التفكير في إقامة الدورة الجديدة للمهرجان في ظل الأحداث التي تجتاح الأراضي اللبنانية ، وطالب عدد كبير منهم بإلغاء المهرجان (!) ولما فشلت هذه الدعوة ، سواء لأن الحرب وضعت أوزارها أو لأن أصحاب الرؤية الثاقبة هالهم ما ينادي به البعض من دعوة باطل يلبسونها ثياب الحق بالتحريض علي إلغاء المهرجانات الثقافية في مصر بحجة تعارضها مع الأحوال المتردية التي يعيشها الأخوة في لبنان (!) فكان الحل الأخير في نظرهم أن يتم توجيه مبلغ المائة ألف جنيه المخصص كدعم للمهرجان إلي ضحايا الاعتداءات الإسرائيلية علي لبنان أو توافق إدارة المهرجان علي التدخل المباشر في عملها من قبل المجلس المحلي ، الأمر الذي رد عليه بشكل عاجل ممدوح الليثي رئيس الجمعية عندما أبلغ محافظ الإسكندرية السابق قرار إدارة المهرجان بالاستغناء عن دعم المحافظة الذي يقدر بمائة ألف جنيه ، والرفض القاطع لتدخل أعضاء المجلس المحلي ؛ الذين لم يرق لهم الرد بطبيعة الحال فتطوع بعضهم بالتفكير في إبلاغ الجهاز المركزي للمحاسبات للإشراف علي إنفاق مبلغ الستمائة ألف جنيه الذي خصصه وزير المالية للمهرجان خشية إهدار المال العام !! هل بالغنا عندما قلنا أن دعم وزير المالية تحول من نعمة إلي نقمة ؟ وهل ستصل الأمور بالمهرجان إلي الحد الذي سيتمني فيه القائمون عليه العودة إلي أيام الفقر ، وميزانية الثلاثمائة ألف جنيه التي كان يتم تحصيلها بعناء من وزارة الثقافة والمحافظة وأحد الرعاة ؟ واقع الأمر أن المهرجان سيدخل منعطفا خطيرا ، حتي لو خرجت هذه الدورة إلي بر الأمان والنجاح ؛ فمن الذي سيضمن استمرار دعم الستمائة ألف جنيه الذي بدا وكأنه خصص نتيجة للعلاقة الشخصية الوطيدة التي تربط بين د.يوسف بطرس غالي وممدوح الليثي رئيس الجمعية الراعية للمهرجان وهو ما يعني أن الدعم مرهون بوجود" الليثي" علي رأس الجمعية ، وليس منصوصا عليه في الموازنة العامة للدولة ، دونما النظر لاسم رئيس الجمعية أو المهرجان ، كما هو الحال في مهرجان القاهرة السينمائي ؟ وكيف سيصبح الحال لو توقف الدعم لأي سبب من الأسباب ؟ هل يعود مهرجان الإسكندرية السينمائي إلي نقطة الصفر ويبدأ في تسول الإعانات من الوزارات والهيئات المعنية مرة أخري ؟ الأمر المؤكد انه سيواجه صعوبات جمة في هذا الصدد علي رأسها مثلا انه في حال التفكير في إقامة الدورة القادمة عام 2007 دون وجود دعم وزارة المالية لن يكون هناك بد أمام إدارة المهرجان من البحث مجددا عن السبل الكفيلة بإقناع هذه الجهات بتدبير دعم للمهرجان ، ووقتها سيبحث الموظفون الغارقون في البيروقراطية بين الأوراق عن عبارة " أسوة بالعام السابق " ، التي يعلم غالبيتهم أن لها فعل السحر في تفتيت الصخر " الروتيني " ، فلن يجدوا ، وسيكون الرد الوحيد حينئذ : " لا يوجد بند لدعم المهرجان ، وعليكم الانتظار حتي موازنة جديدة لتدبير هذا البند " .. ووقتها سيدرك الكافة أن وزير المالية لم يقدم يد العون لمهرجان الإسكندرية السينمائي بل دمره ، وان لم يشأ أن يوصم بهذا فإن عليه منذ الآن أن يأخذ حذره ويدرج هذا الدعم كبند ثابت في الموازنة العامة ، وان لم يفعل فقولوا علي مهرجان الإسكندرية السينمائي السلام .. ويصبح من حق أعضاء المجلس المحلي وقتها أن يقيموا الأفراح والليالي الملاح ويرفعوا الزينات ابتهاجا بإغلاق نافذة من نوافذ الثقافة في مصر !!