وعاد مؤخرا من لبنان بعد مشاركته في الوفد الرسمي والشعبي الذي أعلن دعمه للمقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي الغاشم ومن هذه النقطة كان الحوار. ذهبت إلي بيروت مع الوفد الرسمي والشعبي فما انطباعك عن هذه الزيارة؟ في العادة يعيش المواطن الأحداث من خلال الإعلام والفضائيات وقد كنت أعلم بحجم الكارثة التي يعيشها لبنان قبل سفري لكن ملامسة الواقع شيء والمشاهدة عبر الفضائيات شيء آخر مختلف تماما بعدما شاهدت الكارثة علي وجوه المواطنين العاديين والمسئولين اللبنانيين ورأيته يختلف عن أي عدوان آخر.. حيث كانوا يتعايشون مع الأمر ويبتسمون إلا هذه المرة حيث كان الحزن والألم يعتصرهم بشكل واضح. وهل تعتقد أن زيارتكم ساعدت علي تخفيف آلام اللبنانيين؟ لا طبعا ولا عشرين زيارة مثلها وكنت أتمني أن أنقل لبنان إلي مصر لأن الجرح اللبناني عميق ونحن سبق ومررنا بنفس التجربة من قبل عندما عشنا ويلات الحروب وعانينا من كوارثها، وتأبي مشاعرنا وعقولنا أن يعيشها أشقاؤنا فهي تجربة قاسية في لبنان ومؤلمة وكانت الزيارة فرصة لننقل إحساس كل المصريين إلي الشعب اللبناني الشقيق. بعد هذه الأزمة التي مرت بها لبنان ألا تري أننا أحوج ما نكون لتفعيل دعوتك القديمة ب "كومنولث" فني عربي؟ طوال عمري أدعو لهذا وكم كنت بعيد النظر في هذا بعدما صدقت رؤيتي وظنوني لأن ما يحدث الآن يجعلنا في أشد الحاجة لكومنولث فني عربي مثل الجامعة العربية فالفنان لسان حال واقعه وما يحدث في لبنان أستطيع أن أعبر عنه مثلما يستطيع اللبناني أن يعبر عنا وأذكر عندما وقعت نكسة 67 كان الشعب اللبناني كله يحمل المشاعل ويسير في الشوارع يهتف بعبدالناصر ويوم رحيله خرج شعب لبنان كله عن بكرة أبيه للشوارع يكرر المشهد نفسه ونحن لا نستطيع أن ننسي هذه المواقف الوطنية إطلاقا وما يصيب الشعب اللبناني يصيب مصر والعكس صحيح فنحن تربطنا لغة واحدة واستراتيجية ثابتة وتجمعنا هموم مشتركة ومصير واحد. ما رأيك فيمن يحاولون أن يشقوا الصف العربي ويقللوا من دور حزب الله؟ هؤلاء الناس صعبانين علي جدا لأنني أري أن ليس لديهم وعي ولم يقرأوا التاريخ لذا أعذرهم فالمسألة ليست سطحية بل عميقة وتحتاج لفهم ووعي وهؤلاء الأشخاص غير ملامسين للأحداث بعمق بل يتكلمون من السطح كالأفلام التي يشاهدونها حاليا. لكن هؤلاء لهم تأثير علي الشباب لأن منهم المثقفين وبالتالي يساهمون في زيادة الانقسام والوقيعة بين تيارات المجتمع؟ لا أبدا فهم عاجزون عن ذلك لأنه ليس لديهم أي صدي أو تأثير يذكر وما يقولونه جعجعة بلا طحن والشباب أذكي منهم لأنه يعرف حقيقة الموقف جيدا ومن علي حق ومن علي غير حق.. وبالتالي فإن هؤلاء الأفراد قلة وليس له أدني تأثير يذكر. الفنان حسين فهمي كان له موقف مشرف تجاه أحداث الحرب علي لبنان عندما قدم استقالته من الأممالمتحدة.. ولكن حدث جدل من الفنان محمود قابيل تجاه هذا الموقف فما رأيك تجاه ذلك؟ كل فنان منهما له وجهة نظر ففي موقف الحماسة والعصبية قدم حسين فهمي استقالته وهذا شيء جميل وليس سيئا بل يحسب له ومحمود قابيل له رأي آخر يتمثل في أن هذه المنظمة ليست سوي منظمة إنسانية يستطيع الإنسان من خلالها أن يخدم الناس وبدلا من الاستقالة نستمر ونحتج ونتكلم وهذا المنطق به شيء من الصحة وإلا كانت مصر انسحبت من الأممالمتحدة وأري أن كل إنسان له وجهة نظره علينا أن نحترمها ولا نستطيع أن نقلل من وجهة النظر التي تبناها كل منهما. وماذا عن وجهة نظرك كفنان وإنسان؟ أنا لست سفيرا لدي الأممالمتحدة لكنني أري أن هناك حاجة لأن نقاتل علي المستوي السياسي بل نحن في حاجة لأشياء كثيرة جدا حتي يتم تفعيل دور الأممالمتحدة بشكل حقيقي. ما يحدث علي الساحة السياسية ألا يجعل الرسالة الفنية تختلف عما كانت عليه في الماضي؟ علينا أولا أن نكون يقظين دائما وبعدها ينبغي أن نعرض القضية العربية من وجهة نظر متحضرة وهذا ما نفعله الآن أما كون هذا الموقف يظهر في المستقبل القريب وليس الآن وحتي ذلك الحين علينا أن نتكلم ونحتج بما أن صوتنا مسموع والناس تصدقنا ويجب أن نقول كلمة الحق والصدق بهدف توصيل الرسالة الحقيقية. سبق وقمت بكتابة عمل بعنوان "اعرف عدوك" يكشف مزاعم العدو الصهيوني في الستينيات، فهل يمكن أن تكرر التجربة فتكتب عملا آخر؟ لقد قدمت هذا العمل بالفعل عام 1966 ويا ليتهم يقومون بعرضه مرة أخري فهو دراما تسجيلية ليس بها كذب والعدو لا يستطيع أن ينكر ما جاء فيها لأنني استعنت بوثائق رسمية ولا شيء فيها من خيالي أو من بيتنا بل وثائق مدعمة دون كذب أو خداع. وألا تري فيما يحدث الآن دافعا يجعلك أن تكرر التجربة؟ ربما يحدث هذا عندما تهدأ الأمور قليلا ولحظتها يمكنني أن أفكر في هذا لأنني حاليا مهموم بما يحدث بالفعل ولا أستطيع النوم لأنني أعاني الأرق وكلما قررت ألا أشاهد نشرات الأخبار وأغلق التليفزيون أعود بعد ثانية لأفتحه رغما عني من باب العلم بالشيء فأبحث عن الأخبار في جميع المحطات الإخبارية العربية أو الأجنبية. وما حقيقة أنك تكتب عملا جديدا بعنوان "الطوفان"؟ هي مسرحية لم تكتمل ولهذا أفكر جيدا في أن أمسك عزت العلايلي المؤلف وأضربه علقة ليكف عن الكسل لكن الأحداث المتلاحقة التي تقع في كل ساعة تربكني وتجعلني أضطر لأن أعيد ما كتبته لكي لا أجد نفسي وقد تخلفت عن الأحداث. وهل قهر عزت العلايلي الفنان المؤلف في داخلك؟ ليته ظل فنانا فقط لأكون سعيدا فقد أجهدني هذا الصراع فالمؤلف بداخلي يريد أن يكتب عن كل شيء. وهل كتبت لتجد لنفسك دورا أم لتخرج شحنة الغضب التي بداخلك؟ أنا لا أعرف أن أمثل عملا كتبته وإلا كنت اشتغلت في "اعرف عدوك" حيث لم أعمل بالمسلسل ولم آخذ دورا لي وأنا حينما أكتب أضع العمل كله في ذهني بعيدا عني. معروف عنك أنك فنان مهموم بقضايا وطنه وقدمت العديد من الأعمال التي تحسب لك ولهذا سيتم تكريمك في مهرجان الإسكندرية السينمائي فكيف تنظر لهذا التكريم؟ هذا التكريم أعتبره التزاما ومسئولية كبيرة وأرجو أن أكون علي قدر هذه المسئولية والتكريم والجمهور هو صاحب الفضل في ذلك وإليه يرجع السبب في كوني وصلت لمرحلة التكريم في المهرجان لأن أعضاءه هم جزء من الجمهور وتعبير عن آرائه ولقد مررت برحلة شاقة وصعبة في الفن وأحمد الله عما وصلت إليه حتي الآن وأنا سعيد جدا بهذا التكريم. معروف أنك من عشاق الدراما التاريخية وسبق أن قدمت العديد منها مثل: الطبري والبصري، فلماذا ابتعدت عنها؟ أقرأ حاليا عملا عن الإمام الجوزي وسأقدمه قريبا.. وتأخيري في تقديم أعمال تاريخية سببه أنني أختار الشخصيات الملامسة للواقع والتي تستطيع أن تعكس قضاياه لأني أحب أن أعبر عن زمني بحيث تتطابق أعمالي مع الأحداث الراهنة لذلك أبحث عن هذه الشخصيات التي تحمل توعية للأجيال وتتبني رسالة لكي لا نقدم أعمالا في الهواء. أمر آخر محير.. إذ علي الرغم من مشوارك السينمائي المضيء والذي تأكد باختيار عشرة أعمال قمت ببطولتها ضمن أفضل مائة فيلم في السينما المصرية إلا أنك امتنعت مؤخرا عن المشاركة في أفلام جديدة؟ لأنه لا توجد سينما الآن لجيلنا بل توجد سينما الشباب وأنا لست ضدها إطلاقا ولا أقلل منها لأنها معبرة عنهم وما يحدث في السينما هو انعكاس للواقع. لكنك أكدت من قبل أنك تقرأ سيناريو فيلم سينمائي جديد ستشارك فيه؟ هو بالفعل عمل جميل سيكون به فنانون شبابا وكبارا وأعتبره مفاجأة ولا أريد أن أفصح عن تفاصيله في الوقت الحالي ولكنه عمل جميل انتظرته منذ سنوات. ألا زلت تحلم بتقديم دور مقاتل عربي أو مصري؟ بلا شك ونفسي أقدم فيلما عن حرب أكتوبر لأنها صفحة ناصعة في تاريخ مصر فيها الكثير مما لا يعرفه الناس وقد سبق أن قدمت فيلم "الطريق إلي إيلات" عن حرب الاستنزاف لكنني أتمني أن يكون لي نصيب في دور عن حرب أكتوبر ولو كومبارس لأن هذا الفيلم ستخلده الأجيال القادمة. بحكم صداقتك بأبناء جيلك هل يمكن أن يجمعكم عمل واحد؟ لقد تكلمنا فكريا كثيرا لكن هذا الكلام لم يرق إلي حيز التنفيذ ولازلنا في طور الكلام لأن كل واحد منا له وجهة نظر وإن شاء الله نقدم هذا العمل لأن الأحداث التي تمر بها الأمة العربية ممكن أن تفجر أفكارا كثيرة جيدة. ألم يراودك شعور بأن اللحظة مواتية لتكتب فيه عن جيلك والأحداث التاريخية التي عاصرتها؟ لقد كتبوا عني كثيرا وآخرهم د. حسن عطية الذي كتب عني بمناسبة تكريمي في المهرجان القومي للسينما وأكد لي أن كتابا واحدا لا يكفي ولهذا أفكر في أن أكتب قصة حياتي بحيث يشتمل الكتاب علي أعمالي وتجاربي والمحطات المهمة في تاريخ الوطن، وهدفي من ذلك ليس له علاقة بالنرجسية بل ليستفيد منه الآخرون وأستفيد به أنا شخصيا بحيث أوضح كيف يصبح مصير الإنسان عندما يضع لنفسه هدفا أو يحدد لحياته استراتيجية يسير عليها. وهل انحرفت يوما عن هذا الهدف أو تلك الاستراتيجية؟ لم أنحرف مثلما لم يكن طريقي مفروشا بالورود ولم أزه بنفسي عندما أصبحت نجما لأن ذلك لا يسعدني قدر تقديمي لأعمال ذات قيمة فنية. من يعرفك يؤكد أنك شخصية خجولة؟ أحيانا كثيرة أكون خجولا وأحيانا أكون مواجها صعبا ومقاتلا شرسا في حياتي. ومتي تتحول لمقاتل شرس؟ عندما يكون لي مطلب لي الحق فيه أو أشعر بالظلم أو أجد إنسانا مظلوما فوقتها أكون مقاتلا شرسا جدا.