الحاجة إلي زعيم, هو احتياج نفسي قوي ينتاب عادة هؤلاء العاجزين عن الشعور بالأمان في مجتمعاتهم ويدفعهم طول الوقت للبحث عن زعيم بطل يحقق لهم كل آملهم في الانتصار علي أعدائهم, وفي غياب هذا الزعيم عن حاضرهم ستجدهم يستحضرونه من أعماق التاريخ ليحقق لهم النصر مستقبلا, كما في حالة هؤلاء الذين يصرحون بأنهم يعيشون في حالة انتظار للبطل صلاح الدين الأيوبي ليقوم بما عجزوا هم عنه وهو تحرير القدس. هو احتياج نفسي وهو أيضا حيلة من العقل لمداراة عجزه عن التعامل مع معطيات الواقع وما تفرضه من استحقاقات والتزامات, وأخيرا ظهر السيد حسن نصر الله ليذيق العدو الإسرائيلي فوق ما كنا نتمناه ونعجز عن تحقيقه, اختطفت قوات حزبه جنديين إسرائيليين وقتلت ثمانية في عملية من عمليات المقاومة من المستحيل أن يشكك أحد في شرعيتها ومشروعيتها. ليس هذا فقط, أرسل عليهم عدة آلاف من الصواريخ وارد إيران حولت سكان مدن الشمال الإسرائيلي حتي حيفا إلي فئران مذعورة تقضي ليلها ونهارها في الخنادق. بالإضافة إلي صمود رجاله الجدير بالإعجاب و الذي أعجز الجيش الإسرائيلي عن التقدم شمالا بل وكبده خسائر فادحة في الأرواح والمعدات. كل ذلك يكفي وزيادة لكي يجعل منه زعيما كان عدد كبير من الناس في انتظاره. غير أنني حتي الآن رسمت جانبا واحدا من الصورة, وعلي أن أرسم بقية جوانبها, بعد خطف الجنديين طلب في خطاب بليغ أن يتم تبادلهما عبر تفاوض غير مباشر بالأسري الفلسطينيين واللبنانيين.. كما تري الأمر بسيط للغاية, ولا يعقل أن ترد عليه إسرائيل بتدمير لبنان وقتل الشعب اللبناني بأطنان من الديناميت والنيران تصبها من البر والبحر والجو. هذه هي المشكلة.. بالتأكيد الرجل لم يكن يريد أن يحدث لشعبه كل هذا الدمار والخراب, كل ما كان يفكر فيه هو أن يثبت لنا ولإسرائيل أنه قادر علي أن يوجه لها ضربات موجعة تعجز عن الرد عليها وبذلك يحتل في قلوب العرب مكانا أكثر رحابة, لاتوجد مشكلة فيما كان يريده أو يتصوره أو يتوقعه, المشكلة الحقيقية في النتائج التي تحققت علي الأرض.. دمار لبنان. تستطيع أن تقول أن إسرائيل مسئولة عن كل هذا القتل والتشريد والدمار, وأنا أوافقك علي الفور, ولكن محاكم العالم كله وقضاته عندما يحكمون بإدانتها فإن ذلك لن يعيد طفلا لبنانيا واحدا إلي الحياة. لم يكن يريد الحرب تماما كما لم يكن يريدها جمال عبد الناصر, تماما كما لا يريدها هؤلاء الذين يطالبون الحكومة المصرية بإلغاء اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية بشرط الا تحدث حرب بيننا وبين إسرائيل. حتي الآن يوجد بيننا من لايعرف أن البشر إما أن يعيشوا في حالة سلام يحلون مشاكلهم فيها بالنقاش والحوار والتفاوض أو يعيشوا في حالة حرب يقوم فيها كل طرف بالعمل علي تدمير الطرف الآخر وتحويل أجساد أهله إلي أشلاء. هذه هي مشكلة الزعيم الثوري في كل مكان وزمان, هو حاد الذكاء ويجيد الاستماع إلي مستشاريه, غير أنه يستطيع أن يقودهم جميعا إلي الموافقة علي ما يريده هو, وعندما يكون زعيما لجماعة دينية فمن المستحيل أن يطلب منه أحد أن يعيد التفكير في خطته لنقص فيها أو لاستكمال جوانب خافية, لذلك ستجده يفكر بدلا من العدو وليس كما يفكر العدو وبذلك يبني خطته علي تصوراته هو وليس علي الردود التي يمكن توقعها. لقد توقع أن يرد عليه العدو بضرب الجنوب وكان جاهزا لذلك ولكن جنرالات إسرائيل كان لهم رأي آخر. هناك طرف ثالث قوي للغاية غفل عن وجوده السيد نصر الله, لم يعد سرا أن دول العالم كلها نعم كلها ربما باستثناء دولة واحدة هي إيران في حالة حرب صامتة مع كل جماعات الإسلام الراديكالي بغض النظر عن صحة موقفها أو مشروعيته. من المستحيل أن تجد وزارة للأمن في أي مكان علي وجه الأرض لا ينظر العاملون فيها بريبة وحذر لكل أنواع الجماعات الإسلامية وما تقوم به من نشاط ربما كان بريئا في معظم الأحيان. إن صانع القرار في العصر الحديث في أي مكان وأي دولة لا يمكنه الإفلات من تقارير أجهزته الأمنية, ومتابعاتها لهذه الجماعات,لذلك يمكن الاستنتاج ببساطة أن حكومات العالم في هذه المرحلة من التاريخ وبسبب تجارب طويلة مؤلمة لا تشعر باي ود تجاه هذه الجماعات, هذا ما يفسر انضمام فرنسا إلي الولاياتالمتحدة في تلك المسودة غير المفهومة التي أعدها مجلس الأمن. هي مسودة مشروع غير قابل للتنفيذ وكأن العالم كله وقف ضد حزب الله في هذه الحرب دون أن يعلن ذلك وبذلك تستمر أعمال الذبح والتقتيل والتدمير في لبنان وربما تتجاوزها إلي أماكن أخري . هذه الحرب ستستمر ربما لشهور أخري شأن كل الحروب التي يعتمد فيها طرف علي حرب العصابات والطرف الثاني علي القتال التقليدي, غير أن هذا الوضع من المستحيل أن يستمر طويلا,فلابد أن تأتي لحظة تلجأ فيها الدولة إلي حرب العصابات لكي يكتسب المشهد المزيد من الخراب. والحل.. لابد من تسوية سياسية تتضمن الوقف الفوري لإطلاق النار كخطوة أولي للدخول في مفاوضات تقود الطرفين إلي السلام, وأقصد بالطرفين, الدولتين.. اللبنانية والإسرائيلية. أعرف بالطبع أن الحديث عن السلام في هذه الظروف الملتهبة لا يبدو أمرا عمليا, غير أنني واثق أن المنطقة العربية والإسرائيليين أيضا باتوا أكثر احتياجا ووعيا بحتمية السلام. علي القيادات اللبنانية والإسرائيلية اتخاذ قرارات شجاعة بغير أن ينتظروا مساعدة المجتمع الدولي بحساباته المعقدة. المسئول اللبناني والمسئول الإسرائيلي يجب أن يلتقيا وجها لوجه وأن يفكرا في السلام وأن يعملا معا علي الوصول إليه.. لا يوجد حل آخر.