سيذكر التاريخ جيدا صباح الأحد 30 يوليو 2006، يوم المجزرة الثانية علي قرية قانا اللبنانية الجنوبية سوف يكتب أي "انسان" مهنته رصد أوضاع الشعوب أنه في هذا اليوم أغارت القوات الاسرائيلية علي ملجأ احتمي به عشرات الأطفال والنساء فقتلت 55 فردا، أكثر من نصفهم من الأطفال والباقي نساء وقليل من الرجال العجائز.. كان الأطفال قد تناولوا عشاءهم متأخر جدا بعد أن تابعوا عبر الاذاعات وتليفزيون الملجأ ما يحدث لوطنهم وأهلهم وأقاربهم من القوات المعتدية المتوغلة داخل أراضيهم، وذهبوا إلي أسرتهم لكن نومهم لم يكتمل، وليلهم لم ينته فقد أنقض عليهم الأشاوس من القوات الاسرائيلية المسلحة تسلحيا لا يتوقعه أحد ولا يتخيله الأولاد والبنات الصغار السبعة والعشرون. قال الاسرائيليون إنهم لم يكونوا يقصدون ثم أبدي أولمرت اسفه مثلما يفعل الذئب وهو ينتهي من بقايا فريسته وأخيرًا جدا، قال القتلة إنهم انذروهم بمغادرة قانا كلها وليس الملجأ فقط، ويا له من رد لابد أن صياغته أخذت وقتا طويلا للتشاور بين رئيس الوزراء الاسرائيلي أولمرت وضيفته وزيرة الخارجية الأمريكية رايس.. فالأطفال تلقوا إنذارًا بالمغادرة ولكنهم لم يرحلوا "طب"، وماذا لو لم يكن في مقدورهم الرحيل؟ 27 طفلة وطفلاً ونساء وبعض الشيوخ أين يذهبون وسط الغارات المستمرة؟ وإلي من يلجأون اثناء القصف الاسرائيلي الوحشي؟ وما فائدة الملجأ الذي تحرم قوانين الحروب قصفه؟ عشرات الاسئلة سألتها لنفسي وأنا اتابع كل القنوات الممكنة وأرثي جثث الأطفال - أحباب الله - بضآلتها وبرائتها تخرج من بين الانقاض واحدة وراء الأخري.. علي شاشة "الحرة" الأمريكية قالوا تبريرا لهذا الاجرام هو أن بعض صواريخ حزب الله انطلقت من قانا، أي أن الاسرائيليين قاموا بعملية عقاب جماعي لسكان القرية بسبب هذا.. فأي زمن هذا وأي حديث أمريكي إذا لم يكن هذا هو الارهاب بعينه وهو ليس ارهابا فرديا دائمًا ارهاب الدولة التي أقيمت بنفس الطريقة علي قتل الفلسطينيين وطردهم وعقابهم جماعيا منذ عام 1948.. ومع هذا كله ترفض أمريكا وقف إطلاق النار علي مدي أكثر من 20 يوما، بل إن رئيسها "بوش" أعلن عقب مجزرة إسرائيل ضد أطفال قانا بأنها فرصة لاعادة تشكيل الشرق الأوسط الجديد.. ربما وجدها ووزيرة الخارجية رايس التي رفضت وقف إطلاق النار باصرار من مؤتمر روما إلي المجزرة وجداها فرصة لاسرائيل لقتل أكبر عدد من اللبنانيين وهدم كل لبنان حتي لا يتنفس أحد ويقاوم اسرائيل بعد ذلك، وحتي يقام الشرق الأوسط الجديد في أرض خالية من البشر والأبنية، ويصبح الشرق الأوسط الأمريكي الاسرائيلي هو النيولوك للشرق الأوسط القديم اللبناني والسوري والمصري والفلسطيني، كيانًا بديلاً عن طون ابنائه وأصحاب جنازاته.. المفارقة هنا أن قتلة الأطفال ومخربي الحضارة هم الذين يصدعون رؤوسنا بأحاديث الحضارة ولا يتورعون عن تكرار العدوان من أجل فرض لغة القوة وشريعة الغابة.. وفي السجل الأسود لهم مجزرة قانا الأولي التي حدثت منذ عشر سنوات - 1996 - حيث اغارت القوات الاسرائيلية وضربت عمدا مقرا تابعا للأمم المتحدة كان قد أقيم منذ الثمانينات لرصد تحركات كل القوات من قوات إسرائيل وقوات حزب الله كان المقر مليئًا بأهل قانا الذين لجأوا إليه هروبا من جحيم النيران الاسرائيلية في كل مكان متوهمين أنه مكان محصن، وأن القوات الاسرائيلية لن تقصفه حتي لا تغضب العالم الحر لكن دولة العدوان التي تعيش عليه قصفت المركز، وقتلت مائة وخمسة من النساء والأطفال والرجال بينهم الطاقم الدولي العامل به، وروع العالم بشاعة القصف، وأرسل السكرتير العام للأمم المتحدة وقتها د. بطرس غالي بعثة دولية للتحقيق في المذبحة، وجاء التحقيق يدين إسرائيل، وحاولت امريكا وقوي اخري كبري الضغط علي الرجل لكي يضع التقرير في مكان أمين لا يراه أحد، أو يمزقه، لكنه أبي، ودفع منصبه ثمنا لهذا التقرير الذي دفع الادارة الأمريكية للتأكد من أنه - أي بطرس غالي - ليس الرجل المناسب لها فهل يفعل كوفي عنان الآن ما فعله غالي بالأمس؟ وهل يحرك التحقيق ويرسل بعثة دولية للتحقيق كما أعلن أم يتوقف، وهل تضيع دماء الأطفال والنساء والرجال شهداء مجزرة قانا الثانية ضمن السجل الطويل لشهدائنا، شهداء العدوان الصهيوني علينا؟ إن اقسي ما يواجهه المرء هو الاحساس بالهزيمة الدائمة وانعدام الجدوي "الفعل" ولهذا فقط نحن مدينون للمقاومة اللبنانية الباسلة، ولحزب الله باستعادتنا الأمل في قدرتنا علي الفعل، وعلي الوقوف أمام الهجوم المستمر والظالم من جيش "الدفاع" الاسرائيلي المتوحش المدعم بترسانة سلاح جهنمية، ودعم أمريكي متواصل بالاضافة لشبكة الأحلام الصهيونية الاتجاه والقوية التأثير، هذا الجيش الذي ظل يمارس الهجوم علي العرب بعد اعلان الدولة الاسرائيلية برغم كل الحروب التي خاضتها مصر تجاهه معها سوريا وكل قوي الدعم العربية، إلي أن وصل إلي ما اصبح عليه الحال في فلسطين من قتل جماعي وتدمير وهدم قبل أن ينتقل إلي لبنان وكان علينا ايقافه، وكان علي بعضنا أن يهتم بهذا حتي لا يذكر التاريخ أن "الشرق الأوسط الجديد" برئاسة اسرائيل شق طريقه في بلادنا كالسكين في الزبد، بدون مقاومة أو دفاع عن تاريخنا وحضارتنا وعرقنا الذي بذلناه آلاف السنين نعم نحن مدينون للمقاومة وللبنان انهما كسرا هيبة الوحش، وعلينا أن نتكاتف جميعا لاعادة تعمير هذا البلد العربي الحبيب حتي لا يظن المعتدي أنه حقق أهدافه.