اختلف البعض حول مفهوم العلمانية من حيث المعني والتطبيق واعتبرها البعض الحاداً وقالوا ان معتنقيها هم الملاحدة. وهناك من هاجموها مثلهم مثال الذين يطبلون وراء الطبال الأعلي صوتا دون ان يدركوا ماهيتها. ومن مبادئ العلمانية هي ان تكون الدولة العلمانية محايدة تجاه كل العقائد والديانات والافكار ايضا. كما ان العلمانية تتناغم مع الليبرالية والديمقراطية في اطار الدولة المدنية التي تحترم عقائد كل البشر دون التعصب لمعتقد واحد وتهميش باقي المعتقدات بل واحتقارها احيانا.. ومن هنا يشعر الشعب الواحد والمنتمي لاكثر من عقيدة أو دين يشعر بمعني الحرية ويحيا في حالة امتنان تخلق التقدم وتؤكد الامان لوحدة هذا الشعب. فيتجلي احترام الدولة الذي ينعكس علي طبيعة الشعب فلا تكون هناك أية تصادمات بين فئة واخري مهما تباينت العقائد أو الافكار. وفي هذا المناخ يعيش كل انسان الثوابت والاساسيات والافكار والمعاملات التي تغذي احترام الانسان لمعتقد من يتعايش معه في الوطن الواحد. والعلمانية لا تضعف الاديان حيث توفر حرية الممارسة بعيدا عن تمجيد عقيدة واحدة بذاتها والزهو بها في اطار اهمال الاهتمام بباقي العقائد والذي يتجلي بوضوح عبر قنوات وسياسات الدولة وحتي اوراقها الرسمية والمستخرجات الورقية المحشوة بخانة الديانة وبعض الحشو الذي لاداعي له. واحترام الدولة العلمانية لشعبها المختلف الديانات والمذاهب هو تأكيد علي حرية العبادة. وبناء دورها وعلي النقيض تماما فإن تغذية التيارات الدينية بما لايناسب يؤدي الي تذكية روح التعصب وبناء الآحادية حتي لا تحترم الآخر. فالاديان جميعها توصي بالعدالة والمحبة والمساواة والحرية لكنها لم تتبن روح الاستيلاء والسيطرة أو مجابهة الآخر وافكاره واحتقار المختلفين في الرأي أو العقيدة. وحتي تخرج بلادنا إلي النور وتتجاوز ذلك التشرنق السلفي فنحن في حاجة إلي سلوك الطريق الليبرالي العلماني ففيه احترام للكل وفيه الحرية والعمل الجاد. فما احوجنا إلي قيام الدولة المدنية بعيدا عن حشر الدين والزج به في كل الامور. واقولها بصراحة علي سبيل المثال لا الحصر. أنا في غاية الاستياء من اولئك الذين يحشون الموبايل بالالحان الدينية اسلامية كانت أو مسيحية.. فالدين في القلب وليس للاعلان.. وقد يكون حامل المحمول غير متمم لصلواته.. إذن لماذا هذا التظاهر وهذا التصرف العقيم.. يا أهلي ياشعبي التدين سلوك.. وليس ميكروفونات أو تظاهرات.. فمتي سنحترم عقولنا وانفسنا؟ يدور في عالمنا الآن حوار حول العولمة وصراع الحضارات أو بقاء الحضارات والشرق أوسطية. والخطط الامريكية الفاجرة والجريئة في اعتدائها علي حرياتنا والتي تهدف إلي الاطاحة بمصيرنا في مصر وعالمنا العربي. كل هذا يحدث ومازلنا في غفوة. نحن نسبح في فلك مضطرب صرنا لاندرك فيه اين المصير. وفي نظرة خاطفة لمن سبقونا سنجد ان كل من نهج منهاج الدولة المدنية أو العلمانية قد حقق نجاحا وتقدما وسلاما اجتماعيا. من المستحيل ان تحققه الدولة الدينية. ولنا في ذلك عبرة يجب أن نقف عندها وما فعلته الدولة الدينية بالسودان من تخبط مع الجنوب والمشكلات الداخلية والتي ادت إلي هجرة شبه جماعية للعديد من غير المسلمين إلي خارج البلاد.. وقد انتهي الأمر في السودان إلي التدخل الأمريكي. ألم يكن من المحزن ان كل مشاكلنا التي نصنعها بايدينا هي بذاتها التي تتسبب في استدعاء الاجانب ليرتبوا بيتنا من الداخل؟ ولن يفلحوا ونخسر نحن!! ومثال آخر نشرته جريدة واشنطن بوست في 21/5/2006 في مقال ل (نينا شاي) قالت فيه (ان مناهج التعليم في المدارس السعودية تناوئ الغرب وتكفر أصحاب الديانات الأخري من مسيحيين ويهود وغيرهم...) ولا تعليق سوي ان اقول أين تطبيقهم لسماحة الاسلام كدين؟ لماذا تشوه الصورة.. هل هذه هي الدولة الدينية؟ وهنا لابد ان نؤكد ونؤكد ان الانسان في عصرنا الجديد اشد احتياجا للسلام النفسي والقلبي وأيضا إلي تحقيق التقدم العلمي الذي سبقنا إليه الآخرون. وهذا السلام يكرس له ويبنيه نظام الدولة العلمانية محققة الديمقراطية والليبرالية طريقا للحياة الناجحة. ولابد ان يكون للحب الإنساني نصيب في تدعيم هذا التواجد ان ما حدث في مناهج التعليم السعودية جعل الأمريكيين يتدخلون لتعديل وتصحيح هذه المناهج.. ولكن يتبقي لدي سؤال حزين.. ان هذا التعليم منتشر منذ عقود طويلة من الزمان. وصار في اعماق الناس بل ومتحد بكرات الدم الحمراء في اجسادهم. فهذا التعليم هو الذي افرز القاعدة والتي عانت منها السعودية ايضاً ولنترك الغرب لنتجه نحو شبه القارة الهندية نجد ذلك الانقسام الذي نشأ عنه وجود دولة دينية هي باكستان واخري علمانية هي الهند وقد حققت تقدما علمياً رائعاً في كل الاتجاهات رغم احتضانها لعدد كبير من العقائد والديانات الجميع يمارس اداء شعائره في هدوء وسلام. الأمر الذي قاد الهند إلي تحقيق التقدم والنجاح. ومن الهند ايضا نشعر بالمثل الأتي ليؤكد لنا نوعية المشاركة فنجد ان الدكتور زين العابدين عبدالكلام وقد وصل إلي رئاسة الدولة وهو من اسرة مسلمة فقيرة فهل من الممكن حدوث ذلك في الدولة الدينية؟. للأسف لقد خرج الارهابيون من عالمنا العربي ولم نسمع عن مسلم هندي مارس الارهاب؛ فالمسلم في الهند يعيش حياته في سلام اجتماعي يغلف روحه بالحب والعمل والتسامح فمن اين يكون له الارهاب؟ لماذا لا ننظر بعين التقدير للهند وقد حققت ذلك رغم كثافة عقائدها وارتفاع تعدادها وفي سنغافورة التي بها المسيحيون والبوذيون والمسلمون نجد ان رئيس البرلمان رجل مسلم، وأجد في المثالين اللذين اشرت إليهما ان المسلم الصادق يصل إلي درجة عالية في منصبه طالما تربي في جو ليبرالي وديمقراطي نهل من نهجه وسار عليه فتحقق له ما يصبو اليه.