تعتبر دراسة السمات الشخصية او ابعاد الشخصية، هي الوسيلة الوحيدة التي تمكننا من التنبؤ بسلوك هذه الشخصية او تلك، اما آنيا او في المستقبل، اذ ان السمة هي استعداد دينامي او ميل ثابت نسبيا الي نوع معين من السلوك يبدو اثره في عدد كبير من المواقف المختلفة واذا كنا ندرك بالقطع بأن الشخصية المصرية المعاصرة بها كثير من السمات او الخصائص الايجابية المفيدة، الا ان المصارحة توجب علينا لفت الانتباه الي طغيان كثير من السلبيات الضارة التي بدأت تظهر وتتأكد وتترسخ علي سطح الشخصية المصرية بشكل مطرد، ويدعونا ذلك اليقين المؤكد علميا، والذي يزعج دون شك كل المهمومين بقضايا الاصلاح الاجتماعي بشقيه الاقتصادي والسياسي، الي ان ندق الاجراس لتنبيه النائمين او الغافلين الذين طال ثباتهم علي كافة المستويات، الي شيوع العديد من السمات السلبية في الشخصية المصرية، الي الدرجة التي باتت تهدد تماسك بنائنا الاجتماعي الداخلي الي حد كبير. ما يجب ان نشير اليه في هذا المجال ان المادة العلمية التي سوف يتضمنها هذا المقال، والذي يليه هي مستقاه في الواقع من نتائج دراستين هامتين في نفس الموضوع، الاولي اجراها فريق بحثي بقيادة الدكتور احمد زايد، وجاءت نتائجها في كتاب صدرت طبعته الاولي عام 1990، واعيدت طباعته مرة ثانية في عام 2005 في اطار مشروع مكتبة الاسرة، اما الثانية فقد قام بها الدكتور/ فرج طه ونشرت في مجلة دراسات نفسية "ابريل 1994"، ويبين تاريخ نشر الدراستين، القدم النسبي لهما، الا ان ذلك لا يقلل ابدا من اهمية وقيمة ما توصلا اليه من نتائج، خاصة في ظل ما نعرفه من ان السمات الشخصية الايجابية او السلبية لا يمكن ان تتغير كثيرا في المدي القصير او حتي في المدي الطويل "من سنة الي عشر سنوات"، بل ان رصد وشيوع السمات السلبية التي سنتحدث عنها في ازمنة ماضية، واستمرارها الي ايامنا هذه، وربما زيادتها او تنوعها قد يؤديان بنا الي استنتاج مؤداه اننا لم نتمكن حتي الآن من التخلص او تحجيم تلك الخصائص السيئة او السلبية علي اقل تقدير، ناهيك عن السمات او الخصائص السلبية الاخري التي طرأت واستجدت علي حياتنا حديثا، ولننظر الآن ونتأمل في بعض تلك السمات، علي ان لا ننسي انها خصائص مذمومة ومدانة وهدامة، وانها تضر بمجتمعنا اكبر الضرر، كما انها تعرقل حال استمرارها كافة طموحاتنا المشروعة للتطور صوب المستقبل... أولاً: التناقض والازدواجية: يميل المصري عادة عندما يصدر احكاما بشأن الآخرين الي استناده للمعايير الاخلاقية البحتة، ولكنه لا يميل الي تطبيق نفس تلك المعايير في تقييمه لسلوكه الشخصي، اما الازدواجية فإنها تتبدي بشكل جلي في التناقض بين العالمين الخاص والعام لديه، فشخصية المصري تتأرجح بين ثنائية النقد التبرير، ويمكن تفسير اشكال التناقض والازدواجية هذه، في ضوء السياق البنائي الذي يحيط بعالم الحياة عند الانسان المصري، ولعل السمة البارزة لهذه البنية انها مليئة هي نفسها بأشكال من التناقضات الاقتصادية والطبقية والثقافية، لذلك فإن المتوقع في هذه الحالة، افراز اشكال متناقضة من السلوك وانماط من الشخصية تعاني في الواقع من الازدواجية، ونظرا لان شرائح الطبقة الوسطي هي اكثر فئات المجتمع تعرضا لتناقضاته الداخلية، لذلك فإننا نجد ان مظاهر التناقض والازدواجية هي اكثر ما تكون بروزا عند الشرائح الطبقية الوسطي. ثانيا: الشك والتوجس: يظهر الشك والتوجس ضد المصري، كلما تعامل مع الدوائر الابعد من دائرة حياته الخاصة، وتتعقد علاقة المصري بالسلطة بحيث يحكمها التباعد وليس التقارب، كما يحكمها الاستسلام والخضوع دون الاقتناع والتعاقد، ويلتصق هذا النوع من الشك بطبيعة التركيب الطبقي للمجتمع، فعندما يحدث عدم اتساق في اشكال تطور البناء الاجتماعي، فإنه يترتب علي ذلك تكوينا طبقيا غير متجانس، تشكل كل شريحة منه عالما خاصا بها، ومن ثم يصبح الحراك الاجتماعي صعبا، ومن هنا يتحول العالم الخاص لكل فئة اجتماعية الي عالم اكثر امنا، واذا اخذنا في الاعتبار ان عملية التحديث "البراني" التي تؤثر في البيئة الاجتماعية، لم تتمكن من تغيير المفاهيم المتعلقة بارتباط الاسر او العائلة او الاقليم، في ضوء ذلك فلنا ألا نتوقع حدوث التواصل المرغوب اجتماعيا، لذا يشيع نمط الشخصية الذاتية المفرطة، وتتحول الذات الي مركز العالم، ويتحدث كل فرد فينا عن نفسه بعبارات البطولة في علاقات خالية في الحقيقة من البطولات، وتضيع في النهاية مقولات الوطن والمواطنة والمسئولية الجماعية وكل ما يتصل بالحياة الجمعية من مقولات. ثالثا: الميل التبريري: ويقصد به عدم ادراك الاسباب الواقعية للخطأ او لاسباب السلوك بشكل عام، وعنده يلجأ الشخص لتبرير وقوع الاحداث، اما من خلال عوامل ذاتية او من خلال اسباب متعالية علي الواقع، فالانسان المصري اميل الي تبرير الاخطاء، من خلال ازاحتها علي قضية عامة، كما انه اميل الي تبرير بعض اشكال السلوك التي ينتقدها، عندما ينخرط بالفعل في اشكال السلوك هذه ، ولذلك نجد المصري عندما تواجهه ظروف صعبة يكتنفها كثير من التناقض وعدم التحديد، فإنه يطور لنفسه اساليب متعددة لمواجهة مواقف الحياة المختلفة، والتي يتعامل معها بشكل متغاير، بحيث يتبني معيارا معينا في موقف ما، ويتبني معيارا آخر متناقضا في موقف آخر، ويؤدي ذلك به الي حالة من التبرير المستمر لسلوكه وافكاره واتجاهاته او لسلوك الآخرين وافكارهم واتجاهاتهم ممن يتعاطف معهم، وفي ظروف كتلك نجد ان العاطفة والانفعال هما اللذان يحكمان الفعل الاجتماعي، وليست الاحكام العقلانية الموضوعية، وكلما تناقضت المعايير التي تحكم السلوك، وكلما تعددت اشكالها كلما مال الفعل الاجتماعي نحو الركون الي العاطفة والانفعال، وكلما ابتعد عن العقلانية والموضوعية، وهنا يرتبط الفعل الاجتماعي بالتبرير غير المنطقي لمظاهر السلوك، ويكشف بالتالي عن قدر كبير من التحيز. رابعًا: ضعف التوجه العلمي وجهة الضبط الخاري في: كان من المفروض مع زيادة نسبة التعليم في مصر، ان يزداد التوجه العلمي بحيث يعم معظم مناشط حياتنا، الا انه لوحظ غير ذلك، فالافكار التي يتم الترويج لها، ممعنة في الغيبية والخرافات، ومن ثم محاربة الاتجاهات العلمية البناءة، اما فيما يتعلق بمصطلح "وجهة الضبط" فإنه مصطلح سيكولوجي يشير الي وجهة نظر الفرد في العوامل المؤثرة علي سلوكه او علي مستقبله او المسئولية عنهما، وعما اذا كان الفرد يرجع هذه العوامل الي شخصه هو "وبالتالي فهو مسئول عنها" ام الي الظروف الخارجية "وبالتالي يكون هذا قدره الذي لا مفر منه ولا مسئولية شخصية عليه"، ولا شك ان ما ينطبق من هذا الوصف علي الفرد ينطبق ايضا علي المجتمع او الجماعة، ويلاحظ ان الفرد "او المجتمع" تزيد لديه وجهة "الضبط الخارجي" بمقدار ضعف وجهة "الضبط الداخلي" "بمعني مسئوليته الذاتية عما يقع له او منه" والعكس بالعكس، ولا شك ان وجهة الضبط الخارجي تزيد مع ابتعاد الشخص او المجموعة عن التوجه العلمي، حيث ينفض الفرد او الجماعة مسئوليتهما عما يقع لهما، ويري ان الآخرين والظروف الخارجية هي التي تتآمر عليهما، وبالتالي فلا قبل لهما بها "نظرية التآمر"