"هل يمكن للولايات المتحدة أن تكون أفضل حالا لو أن انتخابات عام 2008 حملت إدارة ديمقراطية إلي البيت الأبيض؟ إليك عدد من الأسباب التي تجعل الإجابة بنعم أمراً واردا". هكذا يقر واحد من كبار كتاب اليمين الأمريكي "روبرت كاجان" والذي عمل كثيرا كرأس حربة فكرية في جماعة المحافظين الجدد ويعترف بان إدارة ديمقراطية جديدة يمكن أن تنقذ أمريكا مما آلت إليه. والتساؤل هل يعني هذا إقرارا بالفشل الجمهوري الذريع وتطلعا لحكم الديمقراطيين بعد ثماني سنوات أغرقت فيها إدارة بوش الولاياتالمتحدة في مستنقعات مغرقة؟ قبل الإجابة لا بد وان يسترشد المرء بأرقام استطلاعات الرأي الأخيرة التي تشير إلي حالة من الرفض للرئيس بوش وللحزب الجمهوري. فبحسب آخر استطلاع للرأي أجرته صحيفة نيويورك تايمز وشبكة CBS باتت شعبية الديمقراطيين تتجاوز شعبيته الجمهوريين ب 18 نقطة (55 % مقابل 37%) وأشار الاستطلاع إلي أن شعبية انخفضت كذلك إلي مستوي غير مسبوق حيث لم تتجاوز 31 % بين صفوف الأمريكيين . ومع هذه الأرقام السيئة لم يعد بوش يبدو في نظر الجمهوريين ورقة رابحة وقد بدا كثيرون من الأكثرية الجمهورية يتجهون إلي الاستقلالية أو حتي معارضة مشاريع الإدارة إلي درجة تعطيل عمل الكونجرس. ومع الفضائح التي تتكشف في حق الإدارة الجمهورية أضحي الأمريكيون يتساءلون هل يمكن للديمقراطيون إنقاذ سفينة الولاياتالمتحدة التي جنحت وقاربت الغرق بعد أن صارت العدو رقم واحد للعالم؟ في الأيام القليلة الماضية وضع الديمقراطيين عصارة أفكارهم في كتاب مهم يوضح الخطوط العريضة للسياسة الخارجية والداخلية التي يتعين أن تتسم بها الحملات الانتخابية للمتنافسين الديمقراطيين في الانتخابات الرئاسية القادمة. والكتاب الذي رعاه معهد السياسات التقدمية الذي انبثق بدوره عن المجلس الديمقراطي للقيادة يحمل عنوان "كل قوتنا استراتيجية تقدمية لدحر الجهادية والدفاع عن الحرية". ويري المحرر "ويل مارشال" احد مؤسسي المجلس الديمقراطي للقيادة ومدير معهد السياسات التقدمية أن هدف الوثيقة بعث الحياة من جديد في السياسة الخارجية للرئيسين السابقين هاري ترومان وجون كيندي اللذين صاغا سياسة الحزب الديمقراطي إزاء التهديد الشمولي للشيوعية. وعند مارشال كذلك لا تختلف الجهادية الإسلامية كثيرا عن الشيوعية لذا فإنها تستدعي ممارسة الجهد الفكري ذاته معتبرا أن الديمقراطيين كانوا دائما في أفضل أحوالهم عندما دافعوا عن القيم الديمقراطية في وجه الإيديولوجيات غير الليبرالية . ويؤكد مارشال علي انه "عندما نشرع في القيام بذلك فإننا سنستقطب الرأي العام ليس في الداخل فقط بل في العالم اجمع". والتساؤل ما الذي تحتويه الوثيقة من اتجاهات تتفق وقيم الليبرالية الديمقراطية الأمريكية التي انتهكت في الداخل والخارج ؟ الواقع أن تلك الأفكار التي استهل بها الحزب الديمقراطي حملته الانتخابية للتجديد النصفي للكونجرس وللرئاسة يمكن اختصارها في شكل غير مخل في عدة نقاط هي: أولا فيما يتعلق بالداخل الأمريكي تعظيم الاستفادة بشكل ايجابي من الروح الوطنية التي سادت المجتمع الأمريكي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر من خلال تأصيل الحريات وليس عبر تهديدها في إطار خانق لروح أمريكا. إنشاء مؤسسة دفاعية تختلف عن تلك التي كانت ولا تزال قائمة قبل أحداث نيويوركوواشنطن وفي هذا إشارة من طرف خفي إلي المثالب الهائلة التي شابت عمل البنتاجون. تقريب الفجوة التي أخذت في التباعد والتعمق بين الديمقراطيين والعسكر في الداخل الأمريكي وهو ما يتضح اليوم في الصراع الدائر بين الخارجية الأمريكية ووزارة الدفاع. الاهتمام بالاقتصاد الأمريكي الذي تعرض لانتكاسة كبري في السنوات القليلة الماضية بسبب الحروب التي خاضتها أمريكا وعليه يجب وضع خطط خاصة للاهتمام بالاقتصاد حال دخول أمريكا حروباً مستقبلية. ويلاحظ كذلك أن الديمقراطيين قد زايدوا علي الجمهوريين عامة وعلي بوش خاصة تجاه أزمة النفط إذ يسعون في قراءتهم لمستقبل أمريكا للوصول إلي ما أسموه اقتصاد ما بعد النفط. ثانيا في إطار علاقات أمريكا الدولية يتطلع الديمقراطيون إلي دور فاعل للأمم المتحدة بخلاف جمهور كبير من الجمهوريين الرافضين لدور المنظمة الاممي وان لم يعلنوا ذلك صراحة أما الديمقراطيون فيرون ضرورة تجديد وإصلاح هيكل الأممالمتحدة. وإذا كانت فترة بوش الأولي قد شهدت شقاقا وفراقا مع أوربا فان الحزب الديمقراطي يري في أوربا الحليف الأقرب والذي لابد من الاهتمام بتقويته وعدم التخوف من ذلك. ويولي الديمقراطيون أهمية كبري لقضية العولمة والتي باتت اليوم ميدانا لمعركة غير واضحة المعالم بما يؤثر سلبا واختصاما من أي مزايا فيها إذ يري عدد وافر من دول وسكان العالم أن العولمة تعني رعاية مصالح أمريكا علي حساب بقية اهتمامات العالم. ويولي الديمقراطيون اهتماما لقضية التهديدات النووية وأسلحة الدمار الشامل ويرون ضرورة وضع آليات تمنع من انتشار أسلحة الدمار الشامل ويفضلون اللجوء إلي الوسائل السلمية لمعالجة الازمات الناشئة كما في حال الملف الإيراني. ثالثا فيما يتعلق بالعالمين العربي والإسلامي ويأتي الإسلام والمسلميو والعالم الإسلامي علي قمة الاهتمامات الديمقراطية للحزب الديمقراطي ودعم المسلمين الذين يعملون من اجل التحديث أي أولئك أصحاب النظرة التي تتفق مع رؤية واشنطن لإسلام سياسي معتدل. وتحتوي الوثيقة علي استراتيجية كبري للشرق الأوسط فيما يعد رداً علي المشروع الجمهوري لدمقرطة الشرق الأوسط و مشروع الشرق الأوسط الكبير. و تعد الوثيقة بالعمل علي إنعاش اقتصاديات البلدان الإسلامية من منطلق أن الفقر يولد الإرهاب كما تعد بزرع بذور الديمقراطية الليبرالية داخل تلك المجتمعات دون اللجوء إلي سياسة فرض خارجية للقيم الديمقراطية والليبرالية.