اختزل كثيرون مأساة الشعب الفلسطيني المرتبطة اساسا بجريمة الاحتلال الاسرائيلي في الصراع بين حركتي فتح وحماس علي السلطة واستعراض قوتهما في الشارع الفلسطيني وهذا الاختزال رغم صحته ظاهريا الا انه ينطوي علي تبسيط مخل لابعاد القضية الفلسطينية التي طالما وصفت بأنها قضية العرب المركزية وعقدت من اجل عشرات القمم العربية العادية والطارئة وآخرها مبادرة السلام العربية التي تبنتها قمة بيروت عام 2002 ورفضتها اسرائيل.. بل وسارعت بحصار الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في مقر المقاطعة برام الله وما تلاه من موته بالسم او بالحصار.. لا فرق. ورغم الصخب الدائر حاليا بشأن ازمة حماس وفتح.. والضغوط الدولية الهائلة التي تمارسها قوي دولية واقليمية علي الحكومة الفلسطينية للاعتراف بإسرائيل وهو ما ترفضه الحكومة التي تتزعمها حماس وتعتبره خيانة لشعبها قبل ان يكون خيانة لمبادئها.. رغم كل هذا الصخب فإن الحقيقة المهمة المسكوت عليها تكمن في ان اسرائيل وليس حركة حماس هي المعوق الاساسي لاستئناف مسيرة السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين فلم يثبت كما تروج "الميديا الاسرائيلية" ان فوز حماس الذي اتبعه فرصة حصار اقتصادي ومالي علي السلطة الفلسطينية هو الاسوأ بعد الحصار الذي فرضته الولاياتالمتحدة علي عراق صدام حسين وراء تجميد عملية السلام التي جمدتها اصلا زيارة رئيس الوزراء الاسرائيل آرييل شارون الي المسجد الاقصي والتي اشعلت شرارة انتفاضة الاقصي في 28 سبتمبر عام 2000. ولم يثبت ان اسرائيل عرضت علي حكومة حماس الدخول في مفاوضات جدية لتسوية الصراع الفلسطيني الاسرائيلي ورفضت الحركة.. بل علي النقيض من ذلك فإن الحركة هي التي عرضت علي اسرائيل هدنة طويلة الامد 15 عاما ورفضتها الدولة العبرية.. كما انها اعلنت قبل ايام استعدادها لوقف اطلاق النار علي اثر انهيارا التهدئة ولم تعلق اسرائيل علي المبادرة الحمساوية وتجاهلتها تماما. فتح وحماس المهم ان تجاوز حماس وفتح لأزمتهما واتفاقهما علي ثوابت وقواسم مشتركة بشأن وثيقة الاسري وهو ما سيعني عمليا تراجع الرئيس ابو مازن عن اجراء الاستفتاء المقرر في 26 يوليو المقبل من شأنه ان يضع المعسكر المناوئ لحماس علي المحك.. فقد اثبتت خبرة 14 عاما من التفاوض مع الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة ان اسرائيل لا تتفاوض من اجل حل عادل ودائم لكنها تلعب بعنصر الوقت وتتخذ المفاوضات ستارا للتغطية علي مخططاتها الاحادية وسياسة فرض الامر الواقع.. ثم وهذا هو الاهم فإنها لا تتورع عن تمزيق اي اتفاقيات علي غرار ما حدث من اعادة احتلال المدن التي يفترض انها خاضعة للسلطة الفلسطينية بل وحصار "ابو عمار" شريكهم السابق في مفاوضات السلام.. كما انها لا تزال تواصل قصف قطاع غزة رغم انهاء احتلالها العسكري له يوميا وبشكل روتيني بالطائرات والدبابات وتصفية كوادر المقاومة وحركة الجهاد الاسلامي تحديدا عقابا لها علي مواصلة قصف المستوطنات والمدن الاسرائيلية من جهة ولإحداث انشقاقات داخل الصف الفلسطيني من جهة اخري. اسرائيل متهمة ايضا اسرائيل، وليس حماس هي التي جمدت تطبيق خطة خارطة الطريق التي تبلور رؤية الرئيس الامريكي جورج بوش لحل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي علي اساس دولتين كما ان تحفظات شارون عليها افرغ الخطة من محتواها رغم انها تعهدت باعلان الدولة الفلسطينية عام 2005 وهو التعهد الذي تراجع عنه بوش لاحقا.. بل وألحقه بوعده المشئوم لشارون الذي تنكر فيه الحق العودة وحدود 5 يونيو 1967 والقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية وبعد خمس سنوات من انتفاضة الاقصي التي استشهد فيها الاف الفلسطينية وجرح عشرات الآلاف وشرد من شرد وترملت النساء ويتم الاطفال.. لم تفلح الضغوط الدولية علي اسرائيل سوي في التوصل الي "تهدئة هشة" دامت 16 شهرا بين الفصائل الفلسطينية والتي احترمها الجانب الفلسطيني ولم تحترمها اسرائيل. المفاوضات مضيعة للوقت ولم يقل احد من الناقمين علي حماس ماذا جني الشعب الفلسطيني من "التهدئة" ولا ماذا جني الرئيس ابو مازن من مديره بالسلام الي اسرائيل؟ ثم بعد كل ذلك اليس من عدم الانصاف تحميل حكومة حماس مسئولية غطرسة القوة واختلال الموازين الدولية وهشاشة الموقف العربي.. وقبل هذا وبعده تنازلات حركة فتح التي لم تزد القضية الفلسطينية الا تعقيدا.. ان اصرار حماس علي عدم الاعتراف باسرائيل لكل ذي عينين ليس رفضا للسلام بقدر ما هو رفض لتقديم التنازلات بالمجان.. وشرعنة الاحتلال الذي أثبت علي الدوام انه المسئول الاول عن محنة الشعب الفلسطيني والعدو الاول للسلام في المنطقة والعالم.