من المدهش واللافت للنظر في آن واحد انتشار ظاهرة غريبة تدعو للديمقراطية ومعاداتها في نفس الوقت مما يشكل ازدواجية في المعايير والقيم المتعارف عليها. وهذا بالطبع يؤثر بالسلب علي المجتمع كله وليس الامر مقصورا علي فئة المثقفين والسياسيين وحدهم. تلك الدعوات غير المسبوقة التي تشجع علي الاستبداد وتفرض علي الكاتب الوقوع بين مطرقة الدولة التسلطية وسندان التطرف الديني والتخلف الاجتماعي كل ذلك يساهم في كبح جماح الحرية والابداع وهذا بطبيعة الحال شيء مرفوض تماما. وقد صدقت مقولة د. طه حسين عميد الادب العربي "وفي مصر امور لم يسمع بها احد من اهل الارض" وقد اعجبني الرأي الصائب والموقف السديد الذي تبناه وحيد حامد عندما ضرب بكل التهديدات عرض الحائط وهذا بمثابة انتصار جديد لحرية الرأي والتعبير وليس الامر مقصورا علي الذود عن قضيته وحده. الحقيقة ان المجتمع المصري تعترضه خطوط حمراء كثيرة ولذلك ممنوع الاقتراب منها وفي مقدمتها ثالوث المحظورات "السياسة والدين والجنس". ولا يجوز ابدا تجاوز تلك الخطوط بدعوي حرية الرأي والتعبير وان كان يتم التحايل عليها في بعض الاحيان. الجدير بالذكر ان هامش الحرية والابداع ضئيل جدا مقارنة بالدول الاخري مما ضيق الخناق علينا نحن اصحاب الاقلام والاراء ومحاولات مصادرة حريتنا بمزاعم مختلفة مما جعلنا كمصريين وعرب اشبه بمن يعيشون خلف القضبان. ومن خلال معاصرتي لمراحل مختلفة اعتقد ان هذه الفترة اثارت بداخلي هواجس رعب وخوف من ترك العنان لقلمي حيث تعتبر احلك الفترات علي حرية التعبير مقارنة بالفترات التي شهدت انفراجة حقيقية للرأي والرأي الاخر في بداية وأواسط القرن العشرين من خلال مقالات وكتابات د. طه حسين وغيره من جيل العمالقة. كما شهدت ثلاثينيات القرن الماضي عرض مسرحيات في غاية الجرأة تناولت وناقشت موضوعات جادة تهم المجتمع المصري وتعكس الواقع بدون رتوش بينما يصعب تجسيدها حاليا في وقت نرفع فيه شعار التراجع والادلة كثيرة فقد تم منع عرض 6 مسلسلات ومسرحيات من اعمالي الجادة منها مسلسل "ليلة سقوط غرناطة" ومسلسل "الدعوة الخاصة" وكثير من اعمال الادباء والمبدعين تمت مصادرتها بحجج واهية ومزاعم كاذبة ممن يدعون بانهم اوصياء علي الوطن بحرمانا نحن ضمير هذا البلد من التوهج والتألق.