قبل 25 سنة بالضبط دمرت طائرات سلاح الجو المفاعل العراقي الذري بقرب بغداد. بحسب تقديرات الجماعة الاستخبارية وعلماء اسرائيل، كان للعراق في تلك الفترة قدرة علي انتاج سلاح ذري في غضون سنتين الي اربع سنين. حينما هوجم المفاعل لم يكن بعدُ حارا. أي، لم يكن قد شُحن بعدُ بقضبان وقود اليورانيوم المخصب جدا الذي أمد به الفرنسيون. عملية الشحن هذه كانت يفترض أن تتم في سبتمبر. منذ لحظة الشحن تلك، كان كل مس بالمفاعل قد ينتج غيمة مشعة، كانت ستسقط ضحايا من سكان بغداد وأضرار اخري بعيدة الأمد هنا وهناك. بكلمات اخري، لم تكن اسرائيل تستطيع في واقع الأمر أن تهاجم المفاعل منذ تلك اللحظة. كنت أود أن أمس عددا من النقاط الرئيسية التي تتعلق بالهجوم، وهي في رأيي تتعلق بالمستقبل ايضا. أولا، كان قرار الهجوم في أساسه قرار رئيس الحكومة ووزير الدفاع، مناحيم بيجن، وثمرة تصميم، وايمان واقتناع داخلي عميق، بأن هذه هي الخطوة الضرورية التي يجب علي زعيم دولة اسرائيل والشعب اليهودي الأخذ بها. في الحق أن بيجن حصل علي مصادقة الحكومة بالهجوم، لكنه كان في الأساس وحيدا تقريبا في قراره، وفي حماسته ألا يمكّن دولة عربية يترأسها صدام حسين من امتلاك قدرة نووية. المثير للاهتمام هو أن جميع القيادة الأمنية تقريبا والعلمية في اسرائيل كانت تعارض الهجوم، واشتملت من بين ما اشتملت عليهم علي رئيس أمان، ورئيس الموساد، ورئيس لجنة الطاقة الذرية، ووزير الدفاع فيما مضي عيزرا وايزمن، وآخرون. وقد برز بمعارضته القوية ايضا نائب رئيس الحكومة، يغئال يادين، رئيس هيئة الاركان الثاني للجيش الاسرائيلي. كانت حجج المعارضين وتقديراتهم جليلة وجدية، وانحصرت في الأساس في أعمال الشغب التي ستُوجه الي اسرائيل من جميع الجهات. لكن هذه لم تكن تساوي في نظر بيجن الأخطار التي تواجه أبناء اسرائيل، حينما سيمتلك صدام قنبلة ذرية. إن من أيد بيجن كصخرة صلبة كان رئيس هيئة الاركان رفول، ومن منحه الثقة بأن سلاح الجو سيستطيع أن ينفذ مهمة الهجوم علي ما يرام هو دافيد عبري، قائد سلاح الجو. مع مضي السنين اعترف جميع المعارضين تقريبا بأنهم اخطأوا، وبأن بيجن كان علي حق، وأنه كان من الصحيح مهاجمة المفاعل. السؤال الأهم، في رأيي، اليوم هو: هل في امتحانات مشابهة في المستقبل القريب، عندما يحتاج الي حسم وطني أمني من الدرجة الاولي، ستعرف قيادتنا كيف تتخذ القرارات الصحيحة في اوضاع ضغط وعدم يقين، كما عرف مناحيم بيجن؟. وسؤال آخر هو القضية السياسية. تمت مهاجمة المفاعل قبل 23 يوما من انتخابات الكنيست، واتهم الكثيرون بيجن بأنه هاجم المفاعل بسبب الانتخابات. هذه تهمة باطلة بالطبع وحمقاء. ماذا كان سيحدث لو فشل الهجوم، أو لو كان عدد من طيارينا أُسروا في العراق؟ لا يحسن أن نتخيل ما الذي كان سيفعله الجمهور آنذاك ببيجن. وبعامة، خطط للهجوم في البدء ليكون في اكتوبر 1980، لكن أُجل بسبب معارضة نائب رئيس الحكومة. بعد ذلك حُدد له موعد العاشر من مايو 1981، لكنه أُجل في اللحظة الأخيرة بسبب معارضة قوية جدا من شمعون بيريس، الذي كان آنذاك رئيس حزب العمل، والذي سُرب اليه أمر الهجوم. الظاهرة المثيرة للاهتمام هي أن بيريس انضمت اليه جميع قيادة حزب العمل، التي أدركت أن الهجوم اذا كان ناجحا فان احتمالاتها في الانتخابات ستقل. كان التقدير الحزبي أفضل في نظرها من التقدير الوطني. وليس هذا فقط. بعد مهاجمة المفاعل، حينما وقفت اسرائيل وحدها بازاء هجوم سياسي، ودبلوماسي واعلامي من كل حدب وصوب، وبازاء خطر عقوبات يفرضها عليها مجلس الأمن، لم يقف حزب العمل للدفاع عن حكومة اسرائيل. بل لقد جعلت أقوال ناطقيه في الاعلام الدولي اعمال الاعلام الاسرائيلي صعبة. ما الذي سيحدث في المستقبل في حالات مشابهة؟