بعد ستة عشر عاماً علي انتهاء فترته الرئاسية مع الانهيار الاقتصادي وتصاعد أعمال العنف علي يد الجماعات المسلحة، انتخب "آلان جارسيا" رئيساً لبيرو مرة أخري، لتتمم بذلك واحدة من عمليات الإحياء السياسي المذهلة في أمريكا اللاتينية. . جارسيا الذي وجهت إليه مرة تهم الفساد وأنهي ولايته الرئاسية الأولي برصيد لا يحسد عليه، ظهر بمظهر التائب أثناء كلمة ألقاها أمام حشد من أنصاره، بمناسبة فوزه في الانتخابات، حيث قال: "إن طريقاً جديداً إلي النصر والمسؤولية فُتح في وجه أبناء حزبنا بفضل كرم الشعب وإرادة الله. والمؤكد أنه لا أحد يمكنه أن يصل إلي السلطة إذا لم يفتح قلبه أمام الله ويقر بالأخطاء التي ارتكبها"، مضيفاً القول: "لا أريد نصراً دائماً". الناخبون البيروفيون كانوا في حيرة من أمرهم للاختيار بين رئيس سابق، أدت حكومته الأولي إلي كارثة حقيقية، وضابط جيش سابق قاد مرة تمرداً عسكرياً. غير أن معظمهم اختار جارسيا في الأخير باعتباره أهون الضررين. وفي هذا الإطار، يقول فيكتور روندوي، وهو مهندس كهرباء في الثامنة والأربعين من عمره، بعد لحظات من تصويته علي جارسيا: "إنه أمر محزن، ولكن ماذا عسانا نفعل؟ علي الأقل سيكون جارسيا أكثر ديمقراطية". وتعد عودة جارسيا مذهلة في منطقة تميزت بعودة رؤساء سابقين إلي السلطة، بمن فيهم أولئك الذين تركوها بسجل ضعيف، حيث تميزت فترة حكمه الأولي بين عامي 1985 و1990 بأزمات عديدة، كارتفاع نسبة التضخم، وشح في الأغذية، واستشراء للفساد، وتصاعد لأعمال العنف علي يد تنظيم "الطريق المضيء" المتمرد. أما هومالا، البالغ 43 عاماً، والذي يعد الأخير في سلسلة الزعماء الشعبويين الذين صعدوا إلي الساحة السياسية في المنطقة، فقد انتقد الشركات متعددة الجنسيات الأجنبية، متهماً إياها باستغلال موارد البيرو الطبيعية، كما صوب سهام انتقاداته إلي الساسة الفاسدين. وإذا كانت إدارة الرئيس المنتهية ولايته أليخاندرو توليدو قد سجلت نمواً اقتصادياً كبيراً، فإن هومالا راهن علي استمالة الفقراء والتعهد بإعادة توزيع ثروات البلاد في حال فوزه. وكان من نتائج ذلك أن منحه البيروفيون، خلال الجولة الأولي من الانتخابات في التاسع من أبريل، أغلبية الأصوات من بين 20 مرشحاً، جاعلين من حزبه الأكبر في الكونجرس. غير أن جارسيا، الذي كان حينها في المركز الثاني، احتل موقعاً متقدماً بعد الجولة الأولي لأن العديد من البيروفيين الذين كانوا يدعمون المتنافس الثالث لورديس فلوريس تحولوا إلي دعمه بدلاً من هومالا. وقد حظي جارسيا بالمزيد من التأييد بعد أن أعرب رئيس فنزويلا هوجو شافيز عن تأييده لهومالا، ما تسبب في خصومة دبلوماسية بين البلدين. غير أن جهود شافيز لمساعدة هومالا أتت بنتائج عكسية لاحقاً، حيث ارتفعت نسبة تأييد جارسيا في استطلاعات الرأي في الأسابيع الأخيرة. وليلة الأحد الماضي بدا أن جارسيا يستمتع بالنكسة التي أصابت شافيز، الذي كان قد تحدث من قبل عن تحالف مع حكومة هومالا بهدف التصدي للنفوذ الأمريكي في المنطقة. وفي هذا السياق، قال جارسيا الذي من المؤكد أن فوزه سيسعد إدارة الرئيس بوش: "لقد أرسلت البلاد الليلة رسالة سيادة واستقلال وطني، وهزمت جهود هوجو شافيز التي ترمي لضمنا إلي استراتيجيته التوسعية". كما أعلن جارسيا، الذي بدا أنه تبني مواقف مختلفة عن مواقفه الأولي، أن الرخاء والازدهار لن يتأتيا سوي عبر التجارة والاستثمارات. كما تعهد بالتركيز علي التنمية الاقتصادية، ومن ذلك حماية المزارعين من تأثيرات اتفاقية التجارة الحرة مع الولاياتالمتحدة وتقديم الدعم للمقاولات الصغري. والواقع أنه واصل إظهار الشعبوية، التي جعلت منه شخصاً محبوباً لدي اليسار الدولي في الثمانينيات، وهو ما يثير علامات استفهام حول الشخصية التي سيظهر بها آلان جارسيا عندما يتسلم مقاليد الرئاسة في نهاية يوليو المقبل. وفي هذا السياق، تقول سينثيا ماكلينتوك، الخبيرة في الشؤون البيروفية بجامعة جورج واشنطن، إن آلان جارسيا "يمكن للجميع أن يلاحظ أنه سياسي لامع، وأن لديه القدرة علي الإقناع"، مضيفة: "ولكن هل يستطيع التركيز علي الأمور السلبية والتغلب عليها ومحاربة الفساد؟ علماً بأنها كلها أمور لم يفلح في القيام بها خلال فترته الرئاسية السابقة".