تردد أبو مازن، كعادته، وارتبك. وواصلت اسرائيل تجاهلها إياه، وصمتت الولاياتالمتحدة وتهربت اوروبا. لكن تردد أبو مازن في هذه المرة جاء بنتيجة. لقد قام مروان البرغوثي ورفاقه الأسري بعمله. لم يكن أبو مازن يستطيع أن يجد اصدقاء أفضل من أبطال مقاومة الاحتلال. تُبين جميع استطلاعات الرأي العام أن تسريح الأسري المسجونين في اسرائيل هو أهم موضوع في نظر الجمهور الفلسطيني. وهكذا في اليوم الذي صدرت فيه وثيقة المصالحة الوطنية ، المعروفة باسم وثيقة الأسري ، دقت إسفينا بين أفراد حماس الذين يمكثون في الداخل وبين اولئك الذين في الخارج. لو كان أبو مازن أو فتح وقعا علي وثيقة كهذه، لكانت حماس مزقتهما إربا إربا مع الوثيقة. لكن يصعب اتهام سجناء مؤبدين، جزؤهم الأكبر من حماس، وهم شبان باعوا أفضل سنيهم من اجل شعبهم، بالاستخذاء. الاختلافات في الرأي في صيغة الوثيقة عمقت الهوة بين حماس في المناطق وحماس في دمشق، وبين حماس في الضفة وحماس في غزة. تتجاوز الوثيقة الاحزاب وتُبشر بامكانية انفجار اقامة كديما فلسطيني، يعرض مخططا للتفاوض علي تسوية دائمة بدل اجراءات أحادية. يستطيع فوز كاسح في استفتاء الشعب علي تأييد الوثيقة وهي مبادرة أعلن عنها أبو مازن في دراماتية في اطار لقاءات الحوار الوطني أن يهب له قاعدة سياسية لاقامة حكومة وحدة براجماتية. لكنهم يحذرون في معسكر أبو مازن من الفرح قبل الأوان. فحماس ما زالت لم تسقط، وفتح لم تنهض بعد من كبوتها. يقدرون في المقاطعة أن الفوز في الاستفتاء، إن شاء الله، لن يكون بالضربة القاضية، بل بالنقاط. والسؤال الكبير هو بأي فرق. يعلمون أن نسبة تصويت منخفضة وفرقا ضئيلا، ولن نتحدث عن خسارة، ستلعب لمصلحة حماس وتُقرب نهاية أبو مازن. بحسب الدستور، في اليوم الذي يمضي فيه أبو مازن الي البيت، سيحل رئيس المجلس التشريعي، وهو من حماس، محله لمدة 60 يوما، وبعد ذلك ستُجري انتخابات. ولست أخال فتح التي لم تبدأ بعد انتعاشها من السقوط في غضون اربعة اشهر، ستجد وقتا كافيا للنهوض في غضون شهرين. في جهاز الأمن الاسرائيلي، علي أية حال، يأخذون في الحسبان أن مسكن الرئاسة الجسر الأخير للسلطة سيسقط هو ايضا في أيدي حماس. لو كان علِم ارييل شارون أن الأسري الفلسطينيين سيكونون في يوم ما هم الذين يهددون بهدم مكانه لما كان أمر وزير الأمن الداخلي آنذاك، جدعون عزرا، بأن يجيز للبرغوثي أن يشد الخيوط السياسية من زنزانته في سجن هداريم . هذا التقليد، وربما يكون صادرا عن القصور الذاتي، يستمر ايضا في حكومة اولمرت. لو كان الوزير الجديد، آفي ديختر، معنيا باحباط مبادرة الأسري، لكان عرف كرئيس سابق للشاباك كيف يشوش علي اجراء كهذا. يمكن أن نفترض، أن رفاقا لديختر في الشاباك أبلغوا اولمرت أن الرئيس الفلسطيني حرص علي إشراك الامريكيين في السر. قبل يوم من توجيهه الإنذار الي رؤوس حماس في قضية استفتاء الشعب، لقي أبو مازن قنصل الولاياتالمتحدة في القدس، جاك وولس. لقد حدّث عِلم الدبلوماسي الامريكي وهذا أبلغ فورا واشنطن. وعندما اقترح نظراؤه في وزارة الخارجية علي المراسلين الامريكيين ألا ينجروا وراء فرحة الانطواء لنظرائهم الاسرائيليين وحماستهم للهتافات في الكونجرس، علموا أن لقب لا يوجد شريك الذي ألصقه شارون بأبو مازن بجهد كبير جدا مُعرض للخطر