هواجس التضخم الاقتصادي جعلت مناخات الاستثمار العالمية، أكثر خطراً دون أدني مقدمات، ولكن دون أن تنحدر تلك المناخات إلي مستوي الانخفاض المريع الذي تصل فيه نسبة الخسارة إلي 20 في المائة من رأس المال الأصلي. ومن رأي المحللين الاقتصاديين والماليين أن ما منع بلوغ ذلك الحد، هو ثبات معدل نمو الاقتصاد العالمي. لكن مع ذلك، فإن موجة الاضطرابات والتراجع التي شهدتها أسواق المال، لاسيما تلك الأكثر سخونة والناشئة للتو في كل من الهند والبرازيل علي سبيل المثال، تشير إلي بيئة استثمارية، من شأنها تكبيد المستثمرين فيها عقوبات وخسائر فادحة. وقد شهد الأسبوعان الماضيان تراجع عدد من أسواق الأسهم والبورصات الناشئة، التي نجحت في استقطاب فيض من الأموال خلال السنوات القليلة الماضية. ففي الولاياتالمتحدةالأمريكية، بدأ مؤشر "داو جونز" الصناعي الأسبوع الماضي، هبوطاً بنسبة 4 في المائة، مع العلم بأنه واصل ارتفاعه طوال السنوات الست الماضية، وصولاً إلي 11،642،65 نقطة في العاشر من شهر مايو الجاري. وبالمثل شهدت البورصات الأوروبية هبوطاً ملحوظاً خلال الأسبوعين الماضيين. "فقد استيقظت الأسواق العالمية علي حقيقة أن أسعار الفائدة ستواصل ارتفاعها أكثر مما تصوروا، لاسيما في الولاياتالمتحدةالأمريكية" علي حد قول "ناريمان بيرافيش" المحلل الاقتصادي الأول لدي شركة "جلوبال إنسايت" للاستشارات الاقتصادية بمدينة "ليكسنتونج" بولاية ماساشوستس. ومن رأيه أن الدلالة الاقتصادية لارتفاع أسعار الفائدة، حدوث تباطؤ في النمو الاقتصادي ربما يطال العالم كله، من هامبورج إلي هونج كونج. وعلي الرغم من أن الأثر المتوقع لهذه الظاهرة، ذو طبيعة عالمية، فإنه سيبدو أكثر ضرراً وضخامة في الأسواق الناشئة للتو في كل من قارتي آسيا وأمريكا اللاتينية. والسبب أن هذه الأسواق بالذات ظلت محط جاذبية الحماس الاستثماري. ولهذا السبب، فإن وقع التأثير والصدمة سيكون عليها أكبر من غيرها. وقد بدأت تظهر هذه التأثيرات السالبة يوم الثلاثاء الماضي بالفعل. فقد واصلت الأسواق الآسيوية تراجعها أكثر من ذي قبل، مما فاقم معدل الخسائر الأخيرة، قياساً إلي ثبات أقدام المستثمرين نوعاً ما، في كل من الأسواق الأوروبية والأمريكية. وبالمثل فقد حققت البورصات في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا معدلات ربحية تقدر بنحو 2 في المائة، بينما ارتفعت الأسهم في نيويورك خلال فترة التسويق الصباحي. كما يلاحظ أن أسعار البضائع لحقت هي الأخري بنمط ارتفاع أسعار الفائدة في الأسواق العالمية، خلال الفترة الأخيرة. والمرجح أن تواصل أسواق الأسهم الجديدة وكذلك أسواق البضائع تذبذبها لبضعة أشهر مقبلة، اعتماداً علي توقعات "مايكل كوزجروف" الذي يتولي إصدار نشرة أسواق الأسهم "إيكونوكلاست" في مدينة دالاس. أما بالنسبة للمستثمرين علي المدي البعيد، فينصحهم "كوزجروف" بعدم بيع أصولهم في موجة مياه هذه الأيام المضطربة، تفادياً لأن تلحق الخسائر الفادحة بهم. ولذلك فلاشيء أفضل لهؤلاء من ركوب العاصفة والصبر عليها حتي تنجلي. بل إن هذه الأسواق الناشئة نفسها، تعِد بنمو كبير وراسخ علي المدي البعيد، وذلك بفعل تأثير سعة التنمية الاقتصادية والعولمة. ليس ذلك فحسب، بل إن الأسواق المعنية ذاتها، لا تزال أكثر استقراراً مما كانت عليه عام 1997، حين اضطر المستثمرون في الكثير من الأسواق المالية في الدول النامية، إلي بيع أسهمهم بخسائر فادحة، أملتها عليهم مشكلة الديون الروسية حينئذ. ولكن الحقيقة التي لا مراء فيها هي أن العاصفة الحالية التي ضربت هذه الأسواق، تضع الحديثة منها بالذات أمام اختبار بالغ الصعوبة والقسوة. وفي ذلك تبرز أسواق المال والأسهم الهندية الناشئة كأفضل مثال علي ما نقول. فقد بلغت الهزة التي ضربت تلك الأسواق حداً جعل بعض المستثمرين يطالبون وزير المالية الهندي "شيدامبارام" بتقديم استقالته.