عندما عرض فيلم "حليم" لاول مرة في عرض خاص جدا اقتصر علي عدد من المقربين للاعلامي عماد الدين اديب، والقائمين علي شركة "جودنيوز للسينما والموسيقي" ونشرت الصحف والمجلات يومها ان الدموع انهالت بغزارة من أعين الحضور اعتبر البعض ان الامر لا يخلو من مبالغة وان "المشهد" يبدو وكأنه في فيلم "ميلودرامي هندي". .. واليوم بعد عرض "حليم" في مهرجان "كان" السينمائي وعلي هامش مسابقاته الرسمية في اول عرض عالمي تشاء الظروف والاقدار ان يتكرر المشهد نفسه وتزداد سخونة الدموع التي ذرفتها العيون بعدما جاشت مشاعر الحضور الذين شاهدوا "حليم" فتذكروا احمد زكي وامتزجت الدموع بالفرحة لمولد نجم واعد اسمه هيثم احمد زكي، قال بعض المندفعين عقب اختياره ليخلف أباه بعد رحيله، انه اختيار لا يخلو من مجاملة وجاء اداؤه المذهل في الفيلم الاول له ليخيب توقعاتهم التي لا تخلو من نزق وطيش وهو الاندفاع نفسه الذي اتسمت به كلماتهم التي تعكس قصورا فادحا في الرؤية وخيبة حدس صارخة، حين اكدوا في حسم يحسدون عليه ان احمد زكي رحل قبل ان يكمل مشاهده في "حليم" وانه لم يصور سوي 30% من السيناريو وان المخرج شريف عرفه تحايل علي هذا دراميا ولان "الفيلم يكدب الناقم" الذي لا يمكن- بهذا الشكل- ان يكون ناقدا جاء عرض الفيلم ليزيد الوجوه الصفراء لفرط الحقد الذي يعتمل في نفوس اصحابها، اصفرارا، ولم يتمالك البعض منهم نفسه من اخفاء مشاعر الحرج والخجل، في اعقاب رد الفعل الهائل الذي اجتاح حضور العرض العالمي الاول لفيلم "حليم" فامتزجت الفرحة بموهبة هيثم احمد زكي مع الحزن علي رحيل احمد زكي، والاعجاب بموهبة شريف عرفة واكتمال عناصر الفيلم، وأجهش نجوم السينما المصرية الكبار: محمود عبدالعزيز وعادل امام بالبكاء بصوت عال ادهش الجميع، بينما راح بعضهم يحتضن "هيثم" بأبوة حانية ليخرجوه من حالة الحزن التي انتابته وعصفت بكيانه لحظة ان شاهد أباه علي الشاشة، واختلطت المشاعر وتضاربت الاحاسيس، وخرج الجمهور متجاوبا ومتأثرا بالقصة الحزينة للعندليب والفيلم الذي انتهج فيه المخرج شريف عرفة اسلوبا فنيا يجمع بين الشكل الوثائقي والدراما التمثيلية حيث تبدأ الاحداث بالحديث عن عبدالحليم حافظ: صفاته وحياته بالتزامن مع اخر حفل بثه التليفزيون المصري قبل ان يشتد عليه المرض، ويسقط علي المسرح بعد ان غني "لو كنت اعرف خاتمتي ما كنت بدأت" وهو المشهد الذي أثر في حضر العرض الخاص، الذي حضره جون لابادي صاحب الشركة الفرنسية المالكة لحقوق توزيع الفيلم في فرنسا، وعبر "الفلاش باك"- استرجاع الماضي- راح شريف عرفة يسرد سيرة حياة حليم وكأنه شريط حياة يمر امامه وهو علي فراش المرض في اللحظات التي تسبق الرحيل، فها هو طفل بائس صغير يعاني مشاعر اليتم ويطارد من الجميع بانه نذير شئوم علي العائلة، بعدما رحلت امه بعد ايام ولادته ثم لحق بها والده، واستثمر المخرج شريط ذكريات عبدالحليم الذي سجله يوما للاذاعة، ووظفه كتعليق حي علي حياته، وهي اللغة السينمائية التي حظيت باعجاب الحضور وتعاطفهم مع شخص "حليم" التي اضاف اليها احمد زكي الكثير بادائه الحساس خصوصا انه كان يعاني في فترة التصوير من اشتداد المرض، ولم ينس الفيلم بدايات نجومية "حليم" وحبه لسعاد حسني وهي المرحلة التي جسدها هيثم احمد زكي ببراعة وببساطة ودون تكلف او مبالغة الامر الذي جعله قبلة انظار الحاضرين ومحط اعجاب الفرنسيين قبل المصريين.