ما الذي أصاب الأمريكيين؟ ولماذا سمحنا لحكومة بلادنا، بأن تتجاهل ذلك النظام الدولي الذي تمكن خلال الواحد والستين عاماً الماضية، من تفادي اندلاع الحروب الواسعة النطاق، في الوقت ذاته الذي أتاح لدول عديدة، فرصاً كبيرة للنمو والازدهار، بما فيها الولاياتالمتحدةالأمريكية نفسها؟ ففي عام 1945 دعا الرئيس الأمريكي الأسبق هاري ترومان، حلفاءه لحضور مؤتمر عقد في سان فرانسيسكو، شهد ميلاد وتأسيس الأممالمتحدة. وتقول العبارات الافتتاحية الأولي في ميثاق الأممالمتحدة: نحن شعوب العالم وأممها المتحدة، قد عقدنا العزم علي إنقاذ الأجيال القادمة من ويلات الحروب، التي سببت للبشرية مرتين في زماننا أحزاناً يصعب وصفها". فهل نسينا حكمة هذه الكلمات أم تناسيناها في سنواتنا الأخيرة هذه؟ وفي عام 1945، كانت القوة الأمريكية لا تُضاهي ولا تُباري. والمقصود هنا ليست القوة العسكرية وحدها علي رغم جبروتها ومنعتها. بل المقصود كذلك قوة الاقتصاد الأمريكي، وقوة المبادئ والقيم الأمريكية التي طالما أثارت إعجاب الشعوب والأمم. وفي تلك الأثناء عام 1945 كانت كل من أوروبا وآسيا تترنحان بسبب الإنهاك والاستنزاف اللذين ألحقتهما بهما الحربان العالميتان، إضافة إلي الحروب الداخلية التي سرت فيهما سريان النار في الهشيم. وفي تلك الظروف الدولية التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، كان في وسع الرئيس هاري ترومان وحلفائه، إنشاء أي نظام دولي يحلو لهم ويناسب مصالح دولهم. غير أن خيار "ترومان"، كان ذلك الذي يفرض قيوداً صارمة علي الولاياتالمتحدة وغيرها من الدول. ولذلك فقد كان النظام الدولي الناشئ حينها، نظاماً قائماً علي الشرعية الدولية وحكم القانون. وعلي رغم القيود الصارمة التي فرضها، فإنه عاد بالكثير من النفع والفوائد علي الأمريكيين. كما ساعد دولاً مثل اليابان وعدة دول أوروبية مزقتها الحروب، علي الوقوف علي قدميها مجدداً. بل مكن النظام نفسه كلاً من الصين والهند من البروز عالمياً، كقوتين كبريين يحسب لهما ألف حساب، خلال السنوات القريبة الماضية. لكن وعلي مر الحقب والسنين، يبدو أن الكثيرين من الأمريكيين والساسة قد تناسوا أجزاء مهمة من درس عام 1945. وفي مقدمة ما نسوه أن شن الحروب الواسعة النطاق_حتي في حال نبل الهدف والغاية مثل وضع حد للنازية أو وقف التوسع الإمبريالي العسكري الياباني إنما يسبب للبشرية آلاماً مبرحة محزنة. واليوم نري من يعتقد أنه في الإمكان خوض الحروب والفوز بها بكل يسر وسهولة. وضمن ذلك فقد ساد اعتقاد غريب لدي البعض، كما رأينا مؤخراً، يري أنه وعن طريق الدمج والمواءمة بين الأسلحة الذكية البالغة الدقة في إصابة أهدافها، وإدارة الحرب بواسطة التكنولوجيا المتقدمة، مصحوبة بالتخطيط الجيد لحروب المراكز الحضرية، فإنه يمكن جعل الحروب أقل ضرراً ودماراً بالبشرية، علاوة علي إمكان تسريع الفوز بها وتذليل تبريرها والدفاع عن مشروعيتها. ولكن ليس كل ذلك سوي باطل الأباطيل. وعلي الطريقة ذاتها، فقد نسي الكثيرون منا جوانب مهمة من دور الأممالمتحدة نفسها. فعلي إثر انهيار الاتحاد السوفييتي، أصبحت القوة الأمريكية تارة أخري قوة ضاربة وحيدة لا تُباري. ولكن الملاحظ هذه المرة، غياب تلك القيود الصارمة التي كانت قد فرضتها علي تلك القوة حكمة ورؤية الرئيس الأسبق "هاري ترومان"، لا سيما في ظل إدارة بوش الحالية، ومن قبله الرئيس بيل كلينتون إلي حد ما. ففي عام 2002، قرر الرئيس بوش استعداد بلاده للإطاحة بنظام صدام حسين عن طريق القوة. ومن فرط حماسه وتأهبه لتحقيق هذه الغاية، فقد عقد العزم عليها، حتي وإن لم يحظ بتأييد مجلس الأمن الدولي لخطوة استخدام القوة ضد الرئيس العراقي السابق. وفي الوقت ذاته، نشط الرئيس بوش في معارضة كبري المعاهدات الدولية التي تهم حياة ومستقبل البشرية كلها، كما هي معارضته لبروتوكول كيوتو ، ومعاهدة روما ذات الصلة بإنشاء محكمة الجزاء الدولية. ثم علينا أن نتذكر أن العالم أبدي روح تضامن غير مسبوق معنا إثر تعرض بلادنا لهجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001. ولكن من المؤسف أن أهدر بوش كل تلك الروح بغزوه غير المبرر للعراق، ثم تبين لاحقاً افتقاره لأدني خطة أو استراتيجية لإدارته وإعادة بنائه في مرحلة ما بعد الحرب.