أثبت الرئيس التشادي إدريس ديبي، الذي كثيراً ما يشبّه ب "ثعلب الصحراء"، أنه وفي لعاداته، حيث يرفض الرضوخ للمعارضة بالرغم من تخلي الجيش عنه، وحالة الانشقاق التي تعتري حزبه، إضافة إلي هجمات المتمردين الجريئة والمتزايدة. ذلك أنه من المتوقع أن تتم إعادة انتخاب ديبي لولاية ثالثة اليوم وهو أمر كان ممنوعاً عليه القيام به قبل أن يمرر حزبه الحاكم تعديلات دستورية تم التصويت عليها في استفتاء جري العام الماضي. غير أن عدداً من المراقبين يستبعدون احتمال أن يطوي اقتراع اليوم صفحة الاضطرابات التي تهدد بأن تعصف بمنطقة وسط إفريقيا برمتها. ويقول "ألبيساتي سالق العزام"، المتحدث باسم "الجبهة المتحدة من أجل التغيير الديمقراطي"، وهي حركة متمردة شنت أكبر هجوم لها حتي الآن علي العاصمة نجامينا الشهر الماضي، "هذه الانتخابات ليست سوي تفاهات، وبالتالي سواء جرت أم لم تجر، فذاك أمر لا يكتسي أهمية بالنسبة للشعب التشادي، ولن يمنعنا من القيام بما خططنا له". وأضاف العزام قائلا "يمكنني أن أؤكد لكم أنه ستكون ثمة عمليات أخري أقوي وأشد"، رافضاً إعطاء المزيد من التوضيحات. واللافت أن مظاهر الحياة اليومية لم تتوقف في العاصمة نجامينا حيث ما تزال الأسواق مفتوحة فيما تشق سيارات الأجرة والدراجات طريقها وسط الشوارع المكسوة بالغبار. ولكن تُستشف من أحاديث الناس أجواء انعدام الأمن التي تخيم علي مدينتهم. وفي هذا السياق، يقول "عابل نصور"، وهو شاب عاطل في العشرين من عمره: "نعرف جميعاً أن المتمردين سيعودون لأنهم لم يحققوا هدفهم، ولذلك تري جميع السياسيين يرسلون زوجاتهم وأطفالهم إلي خارج المدينة لأنهم قلقون علي سلامتهم. أما نحن فلا نملك ترف القيام بذلك. كيف يمكنهم إجراء الانتخابات في ظل هذه الظروف؟". وإضافة إلي الأجزاء المشحونة، أعلن مسئولون في جمهورية أفريقيا الوسطي الأسبوع المنصرم أن طائرتين، تُقل كل واحدة منهما 50 رجلاً مسلحاً يشتبه في صلتهم بالمتمردين، حطتا بشكل غير قانوني في المنطقة الشمالية غير الخاضعة لحكم القانون علي الحدود مع تشاد. هذا في حين يواصل الجيش التشادي القيام بدوريات في البلدات خارج العاصمة. وإذا كان العقد الماضي قد شهد إجراء انتخابات متعددة الأطراف، ففي هذه المرة لم يترشح أحد من المعارضة لانتخابات الأربعاء. ويظهر ديبي بابتسامة عريضة في صور الحملة الانتخابية، ويكاد لا يخلو شارع في نجامينا من أعلام حزبه الزرقاء والصفراء التي ترفرف في كل مكان. أما المعارضة السياسية، التي تتهم الرئيس بترجيح كفة حزبه وتحويل الأرباح النفطية لحسابه الخاص في وقت تقبع فيه البلاد في بركة من الفقر والفساد، فقد وصفت الانتخابات بالتمثيلية ورفضت المشاركة فيها. وبذلك يجد ديبي نفسه في مواجهة أربعة مرشحين لطفاء، اثنين منهم وزيران في حكومته، واثنين آخرين زعيما حزبين متحالفين معه. وقال "إبني عمر محمد صالح"، المتحدث باسم ائتلاف المعارضة الذي يضم 20 حزباً "لن تقدم الانتخابات أي شرعية، والجميع سيطعن فيها. ولذلك أري الفوضي والاضطرابات في الأفق". إلي ذلك، يتهم المتمردون وزعماء المعارضة فرنسا، التي تعد القوة الاستعمارية السابقة، بتقديم الدعم لديبي الذي وصل إلي السلطة بعد انقلاب في التسعينيات. ومما يجدر ذكره في هذا السياق أنه في الوقت الذي كان فيه المتمردون يتقدمون في اتجاه العاصمة الشهر الماضي، أطلقت الطائرات الفرنسية طلقات تحذيرية لحملهم علي التراجع. ويري عدد من المحللين أن الفرنسيين يعتبرون النظام الحالي أفضل الخيارات المطروحة، وأن باريس تخشي أن تنزلق البلاد إلي الفوضي في حال سقوط ديبي. الواقع أن الاعتقاد السائد علي نطاق واسع بأن الحكومة السودانية تقدم الدعم للمتمردين لا يزيد الوضعية إلا تعقيداً، بالنظر إلي وجود ما يزيد علي 200 ألف لاجئ من دارفور بخيام نُصبت شرق تشاد. علاوة علي ذلك، يقدر مسئولو الأممالمتحدة أن نحو 50000 تشادي قد نزحوا إلي الجزء الشرقي من البلاد، هروباً من الهجمات التي نفذت علي مدي الأشهر الأربعة الأخيرة. غير أن أكثر ما يخشاه المسئولون الأمميون هو نفاد الأغذية، ما يفرض ضرورة توفير مساعدات عاجلة لهم أيضاً.