توقعت، مبكرا، أن يتسم رد فعل الفنان فاروق حسني وزير الثقافة بالعنف، حيال الهروب الكبير لنجوم السينما المصرية من حضور حفلي افتتاح وختام المهرجان القومي للسينما المصرية، بالإضافة إلي بقية فاعليات المهرجان، لكنني لم أتصور أن "فعلا" كهذا مهما كان "قبيحا" ومستهجنا يصلح لأن يكون سببا في تفكير الوزير "الفنان" في إلغاء المهرجان. فأول ما يعلمه الوزير، قبل سواه، أن هذا المهرجان لم يتأسس من أجل النجوم مهما كانت غطرستهم أو تجاوزهم لأصول اللياقة، بل يهدف في المقام الأول إلي دعم صناعة السينما المصرية، وتشجيع الدولة لها، من خلال جوائز مالية تبلغ في إجماليها 500 ألف جنيه موزعة بين الأفلام الروائية الطويلة ومبدعيها (480 ألف جنيه) والتسجيلية والروائية القصيرة ومبدعيها (16 ألف جنيه)، وهي الجوائز التي ينبغي أن يكون معلوما للجميع أنها تصب في خدمة السينمائيين المبدعين، من الروائيين والسينمائيين والتسجيليين، وليس في "جيوب" النجوم، التي أتخمت وفاضت بالفعل، ولم يعد أصحابها في حاجة إلي المزيد، ومن ثم يصبح القول إن هناك نية لإلغاء المهرجان عقابا للمبدعين، وليس أولئك المتخمين أصحاب النظرة الضيقة، ممن لا تؤرقهم سوي مصالحهم الشخصية؛ فالمهرجان يمثل فرصة لضخ أموال في صناعة هي في أمس الحاجة إليها، وإحجام "النجوم" عن متابعة مراسمه أمر يخصهم، ولا يعني شيئا لغيرهم، إلا إذا كان الوزير يري أن مهرجانا من دون نجوم ينفي الهدف من إقامته، ويعطيه الحق في إلغاء "المنحة" التي كانت تذهب إلي السينمائيين، ولهذا السبب قيل إنه وجه الدعوة لعقد اجتماع طارئ مع لجنة السينما التابعة للمجلس الأعلي للثقافة لمناقشة هذا الأمر؛ أي الاتجاه إلي إلغاء المهرجان، وتردد أن الاجتماع سيدعي لحضوره عدد غير قليل من نجوم السينما (!) وصناعها لمناقشة حيثيات القرار في حال صدوره، أو التراجع عنه في مقابل وعود من جانبهم بضرورة تدارك ما حدث، وكأنهم أصحاب وصاية علي جموع فناني مصر، وتكمن المفارقة هنا أن هؤلاء النجوم الذين قيل إن الوزير سيجتمع بهم ليدرس معهم الوضع هم أنفسهم السبب في الأزمة. وكيف لا وهم الذين غابوا عن المهرجان لأسباب تتعلق بغياب الوعي، وتغليب المصلحة الشخصية!! الغريب، والمثير للدهشة، أن هذا الموقف تكرر بحذافيره منذ عدة أعوام، حين أحجم النجوم عن حضور نفس هذا المهرجان، ولحظتها غضب الوزير أيضا وأعلن إلغاءه قبل أن يتراجع عن قراره، وقيل يومها إنه أعطي "النجوم" مهلة أخيرة!! يلفت النظر هنا أن الوزير لم يتبن مثل هذا الموقف الغاضب، عندما "هرول" نجوم السينما المصرية منذ عامين إلي دبي لحضور مهرجانها السينمائي الوليد تاركين مهرجان القاهرة السينمائي ينعي غيابهم وضياع بريق فاعلياته بسببهم، وكأن المهرجان القومي للسينما أهم في نظر الوزير من المهرجان الذي يحمل مصر. الأمر الأكثر إثارة في هذه الأزمة المفتعلة أن وزير الثقافة نفسه امتنع عن حضور حفل ختام المهرجان القومي للسينما في دورته الأخيرة، وقيل في تبرير هذا أن التفجيرات الإرهابية في منتجع دهب السياحي حالت بينه وبين الحضور، في الوقت الذي أكد فيه البعض أنه فضل حضور افتتاح معرض الفنان التشكيلي أحمد شيحا، وربما فعل هذا احتجاجا علي ما حدث من النجوم في حفل الافتتاح من غياب وتجاهل غير مبررين. هنا يحتاج الموقف إلي مناقشة مستفيضة لماهية الدور الذي يلعبه النجوم في هذا المهرجان، ويري الوزير أنه غائب أو مفتقد، مما يستوجب إلغاء المهرجان لهذا السبب؟ وهل حضور النجوم؛ خصوصا الحسناوات منهن وهن ترتدين أفخر وأزهي الملابس ليتباهين بها، ويتبخترن، أمام كاميرات المحطات الفضائية والأرضية، وعدسات آلات التصوير الفوتوغرافية، وأضواء فلاشاتها الفضية، وفور انتهاء "المهمة" ينسحبن في هدوء، دون أن يبذلن جهدا يذكر في متابعة فيلم الافتتاح؛ الذي غالبا ما يتسللن من قاعة العرض عقب الإعلان عنه مباشرة، وبمجرد انتهاء مراسم الافتتاح؛ الذي يحضرن لمتابعتها إرضاء للوزير أو مجاملة لرئيس المهرجان!! ربما نلتمس العذر لوزير الثقافة في غضبه، ونيته في تحديد مصير المهرجان بشكل عاجل، لو أنه تضامن معنا في الاحتجاج علي الغياب المخجل للنجوم عن حضور الندوات التي أعقبت عروض أفلامهم؛ حيث لم يحضر أحد باستثناء إلهام ودوللي "شاهين"، وهي الوصمة التي لاحقت هذه الدورة بأكثر مما حدث في الدورات السابقة، لكننا نعود، بعدما هدأت العاصفة، ونؤكد أنه ليس سببا أيضا يستوجب إلغاء مهرجان ينظر إليه المبدعون الحقيقيون بوصفه "عيد السينما المصرية".. فهل يستحق كل ما أوردناه اهتمام "الفنان" وزير الثقافة ويعيد النظر في القرار المزمع إصداره؟ لقد جرت العادة أن نجأر بالشكوي عندما تلوح أية بادرة مزعجة لإغلاق نافذة ثقافية، ومن بينها المهرجانات السينمائية بما فيها مهرجان الإسكندرية.. فهل هناك ما يدعو للقلق والانزعاج أكثر من التفكير في إغلاق المهرجان القومي للسينما ب "الضبة والمفتاح"؟ لا نظن.. ولهذا نناشدك يا وزير الثقافة ألا تفعلها.