"عشماوي": الإطار الوطني للمؤهلات يسهم في الاعتراف بخريجي المؤسسات التعليمية    كلية إعلام بني سويف تنظم ورشة عمل عن الصحافة الاستقصائية    تراجع سعر الريال السعودي في البنوك اليوم الاثنين 29-4-2024    منافذ «الزراعة» لحجز وشراء أضاحي العيد 2024 في القاهرة والمحافظات    وزير الإسكان يتابع مشروعات الخدمات ورفع الكفاءة والتطوير بالمدن الجديدة    خبير: مركز الحوسبة السحابية يحفظ بيانات الدولة وشعبها    توريد 67 ألفا و200 طن قمح بمحافظة كفر الشيخ    اقتصادية قناة السويس تستقبل نائب وزير التجارة والصناعة الإندونيسى    أبو الغيط يدعو أسواق المال العربية لتوطين الذكاء الاصطناعي    الأعاصير تتسبب في مقتل أربعة أشخاص بولاية أوكلاهوما الأمريكية    مطار أثينا الدولي يتوقع استقبال 30 مليون مسافر في عام 2024    مدبولي: مصر ساهمت بنحو 85% من المساعدات الإنسانية لغزة    رئيس الوزراء: أكثر من 85% من المساعدات الإنسانية لغزة كانت من مصر    رئيس كوريا الجنوبية يعتزم لقاء زعيم المعارضة بعد خسارة الانتخابات    أول رد فعل لاتحاد العاصمة بعد تأهل نهضة بركان لنهائي الكونفدرالية    بفرمان من تشافي.. برشلونة يستقر على أولى صفقاته الصيفية    موعد عودة بعثة الزمالك من غانا.. ومباراة الفريق المقبلة في الدوري    أخبار برشلونة، حقيقة وجود خلافات بين تشافي وديكو    سبب توقيع الأهلي غرامة مالية على أفشة    فتش عن المرأة، تحقيقات موسعة في مقتل مالك محل كوافير بالمرج    انطلاق اختبارات المواد غير المضافة للمجموع لصفوف النقل بالقاهرة    مصرع عامل وإصابة آخرين في انهيار جدار بسوهاج    مش عايزة ترجعلي.. التحقيق مع مندوب مبيعات شرع في قتل طليقته في الشيخ زايد    درس الطب وعمل في الفن.. من هو المخرج الراحل عصام الشماع؟    سور الأزبكية في معرض أبو ظبي الدولي للكتاب    جيش الاحتلال: هاجمنا أهدافا لحزب الله في جبل بلاط ومروحين جنوبي لبنان    أكلة فسيخ وسؤال عن العوضي.. أبرز لقطات برومو حلقة ياسمين عبدالعزيز في "صاحبة السعادة"    من هي هدى الناظر زوجة مصطفى شعبان؟.. جندي مجهول في حياة عمرو دياب لمدة 11 سنة    لأول مرة.. تدشين سينما المكفوفين في مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير    أفضل دعاء لجلب الخير والرزق والمغفرة.. ردده كما ورد عن النبي    أمين لجنة الشئون الدينية بمجلس النواب: هذا أقوى سلاح لتغيير القدر المكتوب    الصحة: الانتهاء من 1214 مشروعا قوميا في 10 سنوات    "استمتع بالطعم الرائع: طريقة تحضير أيس كريم الفانيليا في المنزل"    مفاوضات الاستعداد للجوائح العالمية تدخل المرحلة الأخيرة    ختام فعاليات مبادرة «عيون أطفالنا مستقبلنا» في مدارس الغربية    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الإثنين 29 أبريل 2024    "لوفيجارو": نتنياهو يخشى إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحقه    اليوم.. مجلس الشيوخ يستأنف عقد جلسته العامة    سيد معوض عن احتفالات «شلبي وعبد المنعم»: وصلنا لمرحلة أخلاقية صعبة    أموك: 1.3 مليار جنيه صافي الربح خلال 9 أشهر    تساقط قذائف الاحتلال بكثافة على مخيم البريج وسط قطاع غزة    اتحاد الكرة : عدم أحقية فيتوريا فى الحصول على قيمة عقده كاملا ومن حقه الشرط الجزائى فقط والأمور ستحل ودياً    صحة قنا: خروج 9 مصابين بعد تلقيهم العلاج في واقعة تسرب غاز الكلور    سامي مغاوري: جيلنا اتظلم ومكنش عندنا الميديا الحالية    المندوه: كان يمكننا إضافة أكثر من 3 أهداف أمام دريمز.. ولماذا يتم انتقاد شيكابالا بإستمرار؟    مصرع شخص وإصابة 16 آخرين في حادث تصادم بالمنيا    عمره 3 أعوام.. أمن قنا ينجح في تحرير طفل خطفه جاره لطلب فدية    سامي مغاوري يكشف سبب استمراره في الفن 50 عامًا    بعد عامين من انطلاقه.. برلماني: الحوار الوطني خلق حالة من التلاحم    "السكر والكلى".. من هم المرضى الأكثر عرضة للإصابة بالجلطات؟    من أرشيفنا | ذهبت لزيارة أمها دون إذنه.. فعاقبها بالطلاق    السفيه يواصل الهذيان :بلاش كليات تجارة وآداب وحقوق.. ومغردون : ترهات السيسي كلام مصاطب لا تصدر عن رئيس    دعاء في جوف الليل: اللهم جُد علينا بكرمك وأنعم علينا بغفرانك    مصرع شاب في انقلاب سيارة نقل بالوادي الجديد    ربان الكنيسة السريانية الأرثوذكسية في مصر يحتفل بعيد الشعانين ورتبة الناهيرة    البابا ثيودروس الثاني يحتفل بأحد الشعانين في الإسكندرية    بالصور.. الوادي الجديد تستقبل 120 طالبًا وطالبة من كلية آداب جامعة حلوان    الإفتاء توضح حكم تخصيص جزء من الزكاة لمساعدة الغارمين وخدمة المجتمع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هزيمة برلسكوني .. وفشل سياسة التضليل في إيطاليا
نشر في نهضة مصر يوم 19 - 04 - 2006

جاءت هزيمة سيلفيو برلسكوني في الانتخابات الإيطالية الأخيرة لتضع حداً، ولو مؤقتا علي الأقل، لواحدة من أهم التجارب التي عرفها التاريخ المعاصر في مجال الديماجوجية السياسية. غير أن ما يميز ديماجوجية برلسكوني علي وجه الخصوص ويمنحها طابعها الخاص، هي فرادة الرجل نفسه الذي بدأ ناشطاً سياسياً يعرض مهاراته الفطرية لإرضاء الجمهور ولتحقيق النجاح البارز الذي أحرزه في قطاع الأعمال والتجارة.
وعندما تأكد نجاحه لم يتوانَ في استعمال ذات المهارات الفطرية في تضليل الجمهور كي يرتقي أعلي درجات السياسة الإيطالية ويتربع علي قمتها بعد 1994. ولو حاولنا إعطاء تعريف للديماجوجية سنجد أنها تعني عادة الاستخدام المقصود لاستراتيجية معينة لتحقيق التطلعات السياسية، أو لاكتساب السلطة والمال لذاتهما وليس من أجل خدمة الآخر أو المجتمع. وأثناء قيام الديماجوجي السياسي بعمله غالباً ما يدفعه إدراكه الفطري لحاجيات الجمهور وتطلعاته البسيطة إلي محاولة تغيير المجتمع برمته.
وقد ظهر ذالك واضحاً مع موسوليني الذي بدأ كمثقف اشتراكي ومترجم للنظريات الاشتراكية، حيث استطاع تحويل الصحيفة الثورية الإيطالية "آفانتي" إلي أكثر الصحف شعبية ونجاحاً في إيطاليا ما قبل الحرب. ثم بعد ذلك نجح موسولوني بفضل إصغائه لنبض الشارع من جهة، وطموحه للوصول إلي السلطة من جهة أخري، في المزج بين الاشتراكية والقومية لينتج الفاشية في أبشع صورها.
وبالرجوع إلي برلسكوني، نلاحظ أنه لم يدخل السياسة لخدمة مصالح المزارعين الفقراء، بل هو انطلق في سماء الأعمال وحقق نجاحاً ملفتاً بعدما انهالت عليه أموال لا يعرف أحد من أين جاءت ثم استطاع توظيفها بشكل جيد جعلته ينتقل من مهنته الأولي ككاتب للأغاني إلي رجل الأعمال الأول في إيطاليا. واستطاع بعد ذلك تحويل ثروته المحدودة في البداية إلي أكبر ثروة مالية وأكثرها إثارة للجدل في بلاده. ولم يكن دخوله إلي عالم السياسة، كما يؤكد ذلك المتتبعون لمساره، إلا لحماية إمبراطوريته الإعلامية وتحصين نفسه من المساءلة القضائية.
وطيلة الفترة التي قضاها في السلطة تمكن برلسكوني من إثبات خصائصه السياسية الفريدة التي حولت المشهد السياسي الإيطالي إلي قاعة للعروض إذ وظف خلاله مهاراته الاستعراضية للدفع بأجندته وتعزيز موقعه. وكثيراً ما كان ينظم في حملاته الدعائية، بمساعدة العاملين معه في مجال الإعلام، عروضاً رياضية يتم فيها ترديد شعارات حماسية مثل "إلي الأمام إيطاليا" لتتحول السياسة في عهده إلي مسرح كبير، بحيث تفتقد الجوهر لكنها حافلة بالبهرجة. ورغم تعهده بالتخلص من احتكاره لأغلب وسائل الإعلام الخاصة في إيطاليا، لاسيما القنوات التليفزيونية، فإن ما قام به في الواقع هو إطلاق هيمنته لتمتد إلي وسائل الإعلام العمومية.
وظل تعهد برلسكوني الشهير للإيطاليين بإحداث ثورة حقيقية في إيطاليا علي شاكلة رونالد ريجان مجرد كلام تذروه الرياح، إذ لم يحدث في واقع الأمر سوي المزيد من الارتباك والبلبلة علي الساحة السياسية من خلال محاولاته الرامية إلي تغيير القوانين والتشريعات المعمول بها بغرض حماية مصالحه الخاصة، وإبعاد أنظار العدالة الإيطالية عن مزاعم التضليل المالي التي لاحقته لفترة طويلة.
وإذا كان برلسكوني قد استطاع الإفلات من قبضة العدالة والاستمرار في مساره السياسي، فإن ذلك راجع إلي توظيفه البارع للبهرجة في الحياة السياسية وتحويلها إلي سيرك كبير لكي تأسر عقول الجمهور دون أن تمنحه الفرصة لإمعان التفكير وتقصي الحقيقة. وكما عبر عن ذلك الروائي الأمريكي "روبرت بان وارن" واصفاً إحدي شخصياته التي تشبه إلي حد كبير برلسكوني من حيث اعتمادها علي الديماجوجية للوصول إلي السلطة والبقاء فيها: "كانت قوة (الشخصية) تعتمد بالأساس علي قدرته الكبيرة في إيهام جمهوره بأن لديه سراً ما يريد أن يبوح به إليهم".
وبالفعل كانت عيون الإيطاليين مشدودة دوماً إلي ما سيقوله برلسكوني، وللحظة معينة بدوا وكأنهم ينتظرون من رئيسهم المناور أن يفصح لهم عن سر نجاحه الشخصي وثرائه الفاحش عسي أن ينالهم من ذلك نصيب. غير أنه مع مرور الوقت تصدعت صورة الرئيس بعدما فشل في إحداث النقلة النوعية في حياة الإيطاليين، وبعدما نكص عن وعوده بتحقيق الازدهار لقطاع الأعمال، ما حدا بهم إلي الانقلاب عليه والتعبير عن استيائهم من سياساته، لاسيما بعد الأداء السيئ للاقتصاد الإيطالي في السنوات الأخيرة. لكن بدلا من معالجة القضايا الشائكة التي تهم الجمهور راح برلسكوني يراهن مرة أخري علي براعته في استثارة حماس الإيطاليين وتخديرهم بالاستعراضات الكبري التي امتلأت بها القنوات التليفزيونية الإيطالية، حيث غصت بالألعاب والأغاني والنساء الجميلات، وطبعاً نشرات الأخبار المتعاطفة مع برلسكوني، وكل ذلك لاستمالة الجمهور وإبعاده ما أمكن عن السياسة.
لذا فإننا لا نجافي الحقيقة إذا اعتبرنا السنوات التي أمضاها برلسكوني علي رأس السلطة في إيطاليا بمثابة إجازة مفتوحة لعموم الإيطاليين من السياسة وهمومها، ذلك أنه من الصعب استحضار أي إنجاز قام به برلسكوني طيلة ولايته الرئاسية. وهناك أخبار تقول إن الرئيس بوش سارع إلي إرسال مستشاره كارل روف إلي برلسكوني لمساعدته في حملته الانتخابية بسبب تخوف هذا الأخير من صعود الشيوعيين في بلاده. غير أن عدم تماسك خطاب برلسكوني في الأسابيع الأخيرة من حملته الانتخابية أظهر أن "روف" لم يستطع هذه المرة تطبيق نظريته القائمة علي نسف الخصم وتدميره كما كان يفعل في أمريكا. واللافت أنه حتي في الولايات المتحدة لا تخلو الساحة من الديماغوجية فبينما نجح برلسكوني عبر تحويله السياسة إلي استعراض، نجح بوش من خلال تحويله الحرب إلي سياسة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.