القائمة الوطنية لانتخابات مجلس النواب تعقد جلسات التصوير الرسمية للمرشحين    شعبة المخابز: ننتظر رد الحكومة بعد طلب رفع تكلفة إنتاج الخبز المدعم    وزير الخارجية السوري يعلن إجراء أول زيارة للصين بداية نوفمبر    إعلام إسرائيلي: أمريكا غير راضية عن تصريح نتنياهو بشأن إغلاق معبر رفح    أخبار الرياضة اليوم: بيراميدز يهزم نهضة بركان ويتوج بلقب السوبر الإفريقي لأول مرة في تاريخه.. الأهلي يفوز على إيجل نوار.. الزمالك يكتسح ديكيداها 0/6.. محلل أداء الجديد ينضم للجهاز الفني للقلعة الحمراء    انزلقت قدمها، الاستماع لأقوال أسرة طفلة سقطت في ترعة أثناء لهوها    منها عدوية وأمل حياتي، نجوم الأوبرا يتغنون بأعمال الزمن الجميل في الليلة الثالثة لمهرجان الموسيقى العربية    عمر محمد رياض يلمح لجزء ثان: في حكايات بتختار ترجع بنفسها.. لن أعيش في جلباب أبي 2    توجيهات عاجلة من وكيل صحة الدقهلية لرفع كفاءة مستشفى جمصة المركزي    الجارديان عن دبلوماسيين: بريطانيا ستشارك في تدريب قوات الشرطة بغزة    هل يجوز للزوجة أن تمنع نفسها عن زوجها لأنه لا يصلي؟.. أمين الفتوى يجيب    البحوث الفلكية: 122 يوما تفصلنا عن شهر رمضان المبارك    آرسنال يعود للصدارة بفوز صعبة على فولهام    حلوى ملونة بدون ضرر.. طريقة عمل كاندي صحي ولذيذ للأطفال في المنزل    هيئة الدواء تسحب 17 مليون عبوة منتهية الصلاحية من الأسواق    زلزال بقوة 5.6 درجة يضرب مقاطعة سوريجاو دل سور الفلبينية    وزارة المالية: بدء صرف مرتبات أكتوبر 2025 في هذا الموعد    منة شلبي في أول ظهور بعد تكريمها بالجونة على شاشة النهار مع لميس الحديدي الليلة    3 وزراء ومحافظ القاهرة يشاركون في حفل الاتحاد المصري للغرف السياحية لتكريم الدكتور خالد العناني    «الوطنية للانتخابات»: إطلاق تطبيق إلكتروني يُتيح للناخب معرفة كثافة التواجد قبل الذهاب للتصويت    إزالة 10 مخالفات بناء على أملاك الدولة والأراضي الزراعية في الأقصر    "الإفتاء" توضح حكم الاحتفال بآل البيت    التحقيقات تكشف ملابسات مقتل مسن ضربًا على يد نجله بالجيزة    هل نستقبل شتاءً باردًا لم نشهده منذ 20 عامًا؟ الأرصاد تُجيب وتكشف حالة الطقس    إصابة أسرة كاملة في حادث تصادم بطريق الزقازيق الزراعي في الإسماعيلية    قصور الثقافة تفتتح أول متجر دائم لمنتجات الحرف التراثية في أسوان    مي الصايغ: اعتراض أول شاحنة مساعدات كبّد الهلال الأحمر المصري خسائر كبيرة    الرماية المصرية تتألق فى أثينا.. أحمد توحيد وماجي عشماوي رابع العالم    بتهمة ممارسة الفجور.. السجن 5 سنوات للطالب المنتحل صفة أنثى لنشر مقاطع فيديو تحت اسم «ياسمين»    البنك الأهلى يتقدم على الجونة بهدف فى الشوط الأول    الاحتلال الإسرائيلي ينصب حاجزا عسكريا وسط دير جرير شرقي رام الله    الصحة تختتم البرنامج التدريبي لإدارة المستشفيات والتميز التشغيلي بالتعاون مع هيئة فولبرايت    محافظ الشرقية يثمن جهود الفرق الطبية المشاركة بمبادرة "رعاية بلا حدود"    قطاع الأمن الاقتصادي يضبط 6630 قضية متنوعة خلال 24 ساعة    أحمد مراد: نجيب محفوظ ربّاني أدبيًا منذ الصغر.. فيديو    غادة عادل عن ماجد الكدواني: فنان حقيقي وعميق وحساس وبيحب شغله جدًا    رامي ربيعة يقود العين ضد بني ياس في الدوري الإماراتي    اليوم الرسمي ل بدء التوقيت الشتوي 2025 في مصر بعد تصريحات مجلس الوزراء.. (تفاصيل)    طريقة عمل الفطير الشامي في البيت بخطوات بسيطة.. دلّعي أولادك بطعم حكاية    ضبط لحوم غير صالحة وتحرير 300 محضر تمويني خلال حملات مكثفة بأسيوط    تشييع جثمان الطفل ضحية صديقه بالإسماعيلية (صور)    موقف الدوسري من اللحاق بمباراة الهلال والسد القطري    2700 مظاهرة.. ذا هيل: احتجاجات لا للملوك ضد ترامب تدخل لحظة حاسمة اليوم    تعرف على مواقيت الصلوات الخمس اليوم السبت 18 أكتوبر 2025 بمحافظة بورسعيد    مرشح وحيد للمنصب.. «الشيوخ» يبدأ انتخاب رئيسه الجديد    الرئيس السيسي يستقبل رئيس مجلس إدارة مجموعة «إيه بي موللر ميرسك» العالمية    رئيس جامعة القاهرة: مصر تمضي نحو تحقيق انتصارات جديدة في ميادين العلم والتكنولوجيا    موعد مباراة المغرب ضد الأرجنتين والقنوات الناقلة في نهائي كأس العالم للشباب 2025    اكتشف أجمل الأفلام الكرتونية مع تردد قناة 5 Kids الجديد لعام 2025 على النايل سات والعرب سات    مجلس أمناء جامعة بنها الأهلية يوافق على إنشاء 3 كليات جديدة    منافس بيراميدز المحتمل.. المشي حافيا وهواية الدراجات ترسم ملامح شخصية لويس إنريكي    مواقيت الصلاة اليوم السبت 18 أكتوبر 2025 في محافظة المنيا    زراعة 8000 شتلة على هامش مهرجان النباتات الطبية والعطرية في بني سويف    رئيس وزراء مالطا يشيد بدور مصر في وقف حرب غزة خلال لقائه السفيرة شيماء بدوي    تعرف على سعر حديد التسليح اليوم السبت    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم السبت 18 أكتوبر 2025    رد صادم من متحدثة البيت الأبيض على سؤال بشأن قمة ترامب وبوتين يثير جدلًا واسعًا    حكم التعصب لأحد الأندية الرياضية والسخرية منه.. الإفتاء تُجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هزيمة برلسكوني .. وفشل سياسة التضليل في إيطاليا
نشر في نهضة مصر يوم 19 - 04 - 2006

جاءت هزيمة سيلفيو برلسكوني في الانتخابات الإيطالية الأخيرة لتضع حداً، ولو مؤقتا علي الأقل، لواحدة من أهم التجارب التي عرفها التاريخ المعاصر في مجال الديماجوجية السياسية. غير أن ما يميز ديماجوجية برلسكوني علي وجه الخصوص ويمنحها طابعها الخاص، هي فرادة الرجل نفسه الذي بدأ ناشطاً سياسياً يعرض مهاراته الفطرية لإرضاء الجمهور ولتحقيق النجاح البارز الذي أحرزه في قطاع الأعمال والتجارة.
وعندما تأكد نجاحه لم يتوانَ في استعمال ذات المهارات الفطرية في تضليل الجمهور كي يرتقي أعلي درجات السياسة الإيطالية ويتربع علي قمتها بعد 1994. ولو حاولنا إعطاء تعريف للديماجوجية سنجد أنها تعني عادة الاستخدام المقصود لاستراتيجية معينة لتحقيق التطلعات السياسية، أو لاكتساب السلطة والمال لذاتهما وليس من أجل خدمة الآخر أو المجتمع. وأثناء قيام الديماجوجي السياسي بعمله غالباً ما يدفعه إدراكه الفطري لحاجيات الجمهور وتطلعاته البسيطة إلي محاولة تغيير المجتمع برمته.
وقد ظهر ذالك واضحاً مع موسوليني الذي بدأ كمثقف اشتراكي ومترجم للنظريات الاشتراكية، حيث استطاع تحويل الصحيفة الثورية الإيطالية "آفانتي" إلي أكثر الصحف شعبية ونجاحاً في إيطاليا ما قبل الحرب. ثم بعد ذلك نجح موسولوني بفضل إصغائه لنبض الشارع من جهة، وطموحه للوصول إلي السلطة من جهة أخري، في المزج بين الاشتراكية والقومية لينتج الفاشية في أبشع صورها.
وبالرجوع إلي برلسكوني، نلاحظ أنه لم يدخل السياسة لخدمة مصالح المزارعين الفقراء، بل هو انطلق في سماء الأعمال وحقق نجاحاً ملفتاً بعدما انهالت عليه أموال لا يعرف أحد من أين جاءت ثم استطاع توظيفها بشكل جيد جعلته ينتقل من مهنته الأولي ككاتب للأغاني إلي رجل الأعمال الأول في إيطاليا. واستطاع بعد ذلك تحويل ثروته المحدودة في البداية إلي أكبر ثروة مالية وأكثرها إثارة للجدل في بلاده. ولم يكن دخوله إلي عالم السياسة، كما يؤكد ذلك المتتبعون لمساره، إلا لحماية إمبراطوريته الإعلامية وتحصين نفسه من المساءلة القضائية.
وطيلة الفترة التي قضاها في السلطة تمكن برلسكوني من إثبات خصائصه السياسية الفريدة التي حولت المشهد السياسي الإيطالي إلي قاعة للعروض إذ وظف خلاله مهاراته الاستعراضية للدفع بأجندته وتعزيز موقعه. وكثيراً ما كان ينظم في حملاته الدعائية، بمساعدة العاملين معه في مجال الإعلام، عروضاً رياضية يتم فيها ترديد شعارات حماسية مثل "إلي الأمام إيطاليا" لتتحول السياسة في عهده إلي مسرح كبير، بحيث تفتقد الجوهر لكنها حافلة بالبهرجة. ورغم تعهده بالتخلص من احتكاره لأغلب وسائل الإعلام الخاصة في إيطاليا، لاسيما القنوات التليفزيونية، فإن ما قام به في الواقع هو إطلاق هيمنته لتمتد إلي وسائل الإعلام العمومية.
وظل تعهد برلسكوني الشهير للإيطاليين بإحداث ثورة حقيقية في إيطاليا علي شاكلة رونالد ريجان مجرد كلام تذروه الرياح، إذ لم يحدث في واقع الأمر سوي المزيد من الارتباك والبلبلة علي الساحة السياسية من خلال محاولاته الرامية إلي تغيير القوانين والتشريعات المعمول بها بغرض حماية مصالحه الخاصة، وإبعاد أنظار العدالة الإيطالية عن مزاعم التضليل المالي التي لاحقته لفترة طويلة.
وإذا كان برلسكوني قد استطاع الإفلات من قبضة العدالة والاستمرار في مساره السياسي، فإن ذلك راجع إلي توظيفه البارع للبهرجة في الحياة السياسية وتحويلها إلي سيرك كبير لكي تأسر عقول الجمهور دون أن تمنحه الفرصة لإمعان التفكير وتقصي الحقيقة. وكما عبر عن ذلك الروائي الأمريكي "روبرت بان وارن" واصفاً إحدي شخصياته التي تشبه إلي حد كبير برلسكوني من حيث اعتمادها علي الديماجوجية للوصول إلي السلطة والبقاء فيها: "كانت قوة (الشخصية) تعتمد بالأساس علي قدرته الكبيرة في إيهام جمهوره بأن لديه سراً ما يريد أن يبوح به إليهم".
وبالفعل كانت عيون الإيطاليين مشدودة دوماً إلي ما سيقوله برلسكوني، وللحظة معينة بدوا وكأنهم ينتظرون من رئيسهم المناور أن يفصح لهم عن سر نجاحه الشخصي وثرائه الفاحش عسي أن ينالهم من ذلك نصيب. غير أنه مع مرور الوقت تصدعت صورة الرئيس بعدما فشل في إحداث النقلة النوعية في حياة الإيطاليين، وبعدما نكص عن وعوده بتحقيق الازدهار لقطاع الأعمال، ما حدا بهم إلي الانقلاب عليه والتعبير عن استيائهم من سياساته، لاسيما بعد الأداء السيئ للاقتصاد الإيطالي في السنوات الأخيرة. لكن بدلا من معالجة القضايا الشائكة التي تهم الجمهور راح برلسكوني يراهن مرة أخري علي براعته في استثارة حماس الإيطاليين وتخديرهم بالاستعراضات الكبري التي امتلأت بها القنوات التليفزيونية الإيطالية، حيث غصت بالألعاب والأغاني والنساء الجميلات، وطبعاً نشرات الأخبار المتعاطفة مع برلسكوني، وكل ذلك لاستمالة الجمهور وإبعاده ما أمكن عن السياسة.
لذا فإننا لا نجافي الحقيقة إذا اعتبرنا السنوات التي أمضاها برلسكوني علي رأس السلطة في إيطاليا بمثابة إجازة مفتوحة لعموم الإيطاليين من السياسة وهمومها، ذلك أنه من الصعب استحضار أي إنجاز قام به برلسكوني طيلة ولايته الرئاسية. وهناك أخبار تقول إن الرئيس بوش سارع إلي إرسال مستشاره كارل روف إلي برلسكوني لمساعدته في حملته الانتخابية بسبب تخوف هذا الأخير من صعود الشيوعيين في بلاده. غير أن عدم تماسك خطاب برلسكوني في الأسابيع الأخيرة من حملته الانتخابية أظهر أن "روف" لم يستطع هذه المرة تطبيق نظريته القائمة علي نسف الخصم وتدميره كما كان يفعل في أمريكا. واللافت أنه حتي في الولايات المتحدة لا تخلو الساحة من الديماغوجية فبينما نجح برلسكوني عبر تحويله السياسة إلي استعراض، نجح بوش من خلال تحويله الحرب إلي سياسة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.