بعد يوم واحد علي إحياء الآمال الدولية في ضوء موافقة واشنطنوطهران علي إجراء محادثات بشأن الأوضاع في العراق، من الواضح أن المسئولين الأمريكيين والإيرانيين قد صعَّدوا اللهجة إزاء بعضهم بعضاً الجمعة الماضي، وذلك علي خلفية الخلافات التي نشأت بشأن الهدف من المحادثات المزمع إجراؤها بين الجانبين. وفي هذا الإطار، اتهم المسئولون الأمريكيون إيران بالتدخل في الشئون الداخلية للعراق، وأعلنوا أن المحادثات تروم التعبير عن عدم ارتياح واشنطن إزاء أنشطة طهران في العراق. أما في طهران فقد أعلن مصدر مسئول أن هدف إيران من لقاء الأمريكيين هو التعجيل برحيل الولاياتالمتحدة من العراق. وحسب عدد من المراقبين، فقد كرست حدة الخلافات المتزايدة بين الجانبين المخاوف من أن يكون الغريمان القديمان بصدد إهدار فرصة للمساعدة علي إرساء الاستقرار واستتباب الأمن في العراق، وهو مشروع الأكيد أن لكل منهما مصلحة فيه. وقد أحيي المسئولون الأمريكيون والإيرانيون الآمال الخميس الماضي في علاقات أفضل بين البلدين عندما أعلن كل واحد من الطرفين أن مسئولين من البلدين سيعقدون اجتماعات لبحث موضوع العراق. وأعلن المسئولون الأمريكيون الجمعة الماضي أن الترتيبات تجري علي قدم وساق من قبل وسطاء لتحديد تاريخ الاجتماع ومكانه. غير أن الخلافات سرعان ما بدأت تطفو علي السطح، حيث اقترح الإيرانيون في البداية توسيع دائرة المواضيع التي ستشكل محور المحادثات لتشمل مواضيع أخري إلي جانب العراق. ولكن المسئولين الأمريكيين سرعان ما أبدوا رفضهم للفكرة، موضحين أنهم اقترحوا فكرة إجراء المباحثات العام الماضي سعيا لإحلال السلام بالعراق. ويوم الخميس، أعلن علي لاريجاني المسئول عن ملف إيران النووي عن موافقة إيران علي "الاقتراح الرامي إلي حل المشكلات في العراق وتشكيل حكومة مستقلة هناك". ورد المسئولون الأمريكيون الجمعة بالقول إن المحادثات ستتمحور حول "الأنشطة الإيرانية غير المساعدة في العراق"، وفي مقدمتها السماح بمرور شحنات القطع والمكونات اللازمة لصناعة العبوات الناسفة التي يزرعها المتمردون في العراق علي جانب الطرقات، ونشاط العملاء الإيرانيين داخل البلاد. وفي هذا السياق أعلنت السفارة الأمريكية في بغداد في بيان أصدرته: "إن انشغالاتنا معروفة وقد أعلنا عنها في وقت سابق"، ويضيف البلاغ أن "العراقيين هم من سيحددون مستقبل العراق". ومن جانبها، أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس قبل توجهها إلي أستراليا أن المحادثات ستكون محددة الموضوع، كما ألقت بظلال من الشك حول إمكانية إجرائها أصلا حين صرحت "سنبحث إمكانية إجراء تلك المباحثات وتاريخها". والواقع أن عجز واشنطنوطهران عن الاتفاق بشأن موضوع المباحثات ولَّد المخاوف من ألا يفضي الاجتماع المرتقب إلي نتيجة إيجابية، ومن أن يؤدي إلي تصعيد التوتر بين البلدين. وحول هذا الموضوع يقول راي تقي، الخبير في شئون الشرق الأوسط ب"مجلس العلاقات الخارجية"، "إذا كانت نية الأمريكيين هي أن يصرخوا في وجه الإيرانيين، فالأمر سيتعلق هنا بالاتهامات والاتهامات المضادة، ولن يكون الاجتماع مثمرا"، مضيفا "أما إذا كان الحديث سيدور حول مصالحهم المشتركة، فيمكن أن ينتهي حينها بنتيجة ما". ويري تقي بأنه ليس من مصلحة الإيرانيين ترك العراق ينزلق إلي حرب أهلية لأن الصراع في حال اندلاعه يمكن أن يتسرب عبر حدودهم. وبالمقابل، فمن شأن دولة عراقية ديمقراطية أن تمنح الامتياز والسلطة للأغلبية الشيعية التي سيعمل زعماؤها علي نسج علاقات وثيقة مع إيران. أما الاتفاق علي عقد الاجتماع، يقول تقي، فيعكس حقيقة مفادها أنه بالرغم من أن الطرفين يواصلان التراشق بالاتهامات، إلا أن المسئولين الأمريكيين والإيرانيين اضطروا في نهاية المطاف إلي الإقرار بضرورة العمل جنبا إلي جنب بهدف إرساء الاستقرار في العراق.