لجان البرلمان تواصل مناقشة مشروع الموازنة.. التموين والطيران والهجرة وهيئة سلامة الغذاء الأبرز    اليوم.. «محلية النواب» تناقش طلب إحاطة بشأن إزالة 30 عقارًا بالإسماعيلية    الريال السعودي يواصل التراجع مقابل الجنيه بالبنك الأهلي اليوم الثلاثاء    بنك مصر يوقع عقد قرض طويل الأجل ب 990 مليون جنيه مع إيديتا للصناعات الغذائية لتمويل خطوط إنتاج جديدة    ارتفاع جماعي لمؤشرات البورصة بمستهل تعاملات اليوم    محافظ جنوب سيناء: نسعى للنهوض بالسياحة العلاجية وشرم الشيخ تتميز بتنوعها السياحي    طهران تصدر تحذيرات مشددة للدبلوماسيين الإيرانيين في الخارج    آخر مستجدات جهود مصر لوقف الحرب في غزة والعملية العسكرية الإسرائيلية برفح الفلسطينية    مبعوث أممي يدعو إلى استئناف المحادثات بين إسرائيل وحماس    زلزال يضرب محيط مدينة نابولي جنوبي إيطاليا    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى 49570 جنديًا منذ بداية الحرب    10 لقطات لا تنسى في موسم الدوري الإنجليزي 2023-2024 (صور)    رقم تاريخي لعدد أهداف موسم 2023/24 بالدوري الإنجليزي    الحالة الثالثة.. التخوف يسيطر على الزمالك من إصابة لاعبه بالصليبي    بشير التابعي: معين الشعباني لم يكن يتوقع الهجوم الكاسح للزمالك على نهضة بركان    أول صور لحادث سقوط سيارة من أعلى معدية أبو غالب في المنوفية    بالأسماء، إصابة 18 عاملًا في انقلاب ميني باص بالشرقية    موعد عرض مسلسل دواعي السفر الحلقة 3    داعية إسلامي: الحقد والحسد أمراض حذرنا منها الإسلام    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 21-5-2024    جهات لا ينطبق عليها قانون المنشآت الصحية الجديد، تعرف عليها    التأخيرات المتوقعة اليوم فى حركة قطارات السكة الحديد    موعد إجازة عيد الأضحى 2024 في مصر: توقيت وقفة عرفات وعدد أيام العطلة    تراجع سعر الفراخ البيضاء واستقرار البيض بالأسواق في منتصف الأسبوع الثلاثاء 21 مايو 2024    حمدي الميرغني يحيي ذكرى رحيل سمير غانم: كنت ومازلت وستظل أسطورة الضحك    تعليم الوادى الجديد تحصد المركز الثامن بالمسابقة البحثية للثقافة الإسلامية    بعد رحلة 9 سنوات.. ماذا قدم كلوب لفريق ليفربول؟    جامعة أسيوط الجديدة التكنولوجية تنهي كافة الاستعدادات لامتحانات الفصل الدراسي الثاني    ننشر بالأسماء ضحايا حادث العقار المنهار بالعياط    براتب 5000 جنيه.. وزارة العمل تعلن عن وظائف جديدة بالقاهرة    قبل طرحه في السينمات.. أبطال وقصة «بنقدر ظروفك» بطولة أحمد الفيشاوي    ضياء السيد: مواجهة الأهلي والترجي صعبة.. وتجديد عقد معلول "موقف معتاد"    عاجل.. مصرع شاب إثر غرقه بمياه نهر النيل بمنشأة القناطر    فرصة للشراء.. تراجع كبير في أسعار الأضاحي اليوم الثلاثاء 21-5-2024    مندوب فلسطين أمام مجلس الأمن: إسرائيل تمنع إيصال المساعدات إلى غزة لتجويع القطاع    أحمد حلمي يتغزل في منى زكي بأغنية «اظهر وبان ياقمر»    وزير الصحة: صناعة الدواء مستقرة.. وصدرنا لقاحات وبعض أدوية كورونا للخارج    وزير الصحة: مصر تستقبل 4 مواليد كل دقيقة    «في حاجة مش صح».. يوسف الحسيني يعلق على تنبؤات ليلى عبداللطيف (فيديو)    الطيران المسيّر الإسرائيلي يستهدف دراجة نارية في قضاء صور جنوب لبنان    منافسة أوبن أيه آي وجوجل في مجال الذكاء الاصطناعي    الأنبا إرميا يرد على «تكوين»: نرفض إنكار السنة المشرفة    المقاومة الفلسطينية تستهدف قوات الاحتلال قرب مفترق بلدة طمون جنوب مدينة طوباس    «سلومة» يعقد اجتماعًا مع مسئولي الملاعب لسرعة الانتهاء من أعمال الصيانة    انتداب المعمل الجنائي لمعاينة حريق شقة سكنية بالعمرانية    «الداخلية»: ضبط متهم بإدارة كيان تعليمي وهمي بقصد النصب على المواطنين في الإسكندرية    الدوري الإيطالي.. حفل أهداف في تعادل بولونيا ويوفنتوس    دعاء في جوف الليل: اللهم ابسط علينا من بركتك ورحمتك وجميل رزقك    ميدو: غيرت مستقبل حسام غالي من آرسنال ل توتنهام    موعد عيد الأضحى 2024 في مصر ورسائل قصيرة للتهنئة عند قدومه    رفع لافتة كامل العدد.. الأوبرا تحتفي وتكرم الموسيقار عمار الشريعي (تفاصيل)    مصطفى أبوزيد: تدخل الدولة لتنفيذ المشروعات القومية كان حكيما    أطعمة ومشروبات ينصح بتناولها خلال ارتفاع درجات الحرارة    حظك اليوم برج الميزان الثلاثاء 21-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    على باب الوزير    بدون فرن.. طريقة تحضير كيكة الطاسة    تأكيداً لانفرادنا.. «الشئون الإسلامية» تقرر إعداد موسوعة مصرية للسنة    «دار الإفتاء» توضح ما يقال من الذكر والدعاء في شدة الحرّ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بوش لم يكن متحمسا لفرض الديمقراطية في العالم العربي.. ما الذي غيره؟
نشر في نهضة مصر يوم 13 - 03 - 2006

في نوفمبر 2003، أطلق الرئيس بوش وقادة الدول الصناعية الثماني الكبري، ما يعرف بمبادرة الشرق الأوسط الكبير. كانت المبادرة منذ بدايتها مثيرة للجدل، وبدت في أشد نسخها طموحاً وكأنها محكوم عليها بالفشل. وكان الكثيرون في الشرق الأوسط متشككين في أهدافها المعلنة، في وقت كانت فيه أبرز علامات السياسة الأمريكية وضوحاً في المنطقة هي احتلال العراق والدعم الأمريكي السخي لرئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون. وفي ذلك الوقت أيضاً، أوضح قادة دول مجموعة الدول الصناعية الثماني الكبري الباقون أنهم ليسوا في قارب واحد مع الولايات المتحدة، مما جعل المبادرة تبدو وكأنها مبادرة أمريكية من جانب واحد، في وقت وصل رصيد واشنطن في المنطقة إلي أدني درجاته.
لا يمكن استبعاد دعم الديمقراطية كفكرة جوهرية في مبادرة الشرق الأوسط الكبير، فعلي الرغم من كل شيء، لا يمكن إنكار المناقشات المحتدمة داخل منطقة الشرق الأوسط وفيما وراءها، عن الحالة الفظيعة التي وصلت إليها أنظمة الحكم في المنطقة، مما دعا الأكاديميين الجادين إلي الانشغال بالأسباب التي جعلت الشرق الأوسط يبدو وكأنه استثناء من "الموجة الثالثة من موجات التحول الديمقراطي". واتفقت مجموعة من المفكرين مثل "برنارد لويس" و"إيلي قدوري" و"فؤاد عجمي" علي أن الثقافة وبشكل أخص الإسلام حاجز رئيسي في وجه هذا التحول. لكن محور الاهتمام اتجه نحو التأثير الخطير للاعتماد علي نفط الشرق الأوسط في دعم الأنظمة السلطوية، ودعم عسكرة المنطقة جراء الصراعات المتواصلة.
وقبل أن يكتشف بوش بوقت طويل أن الديمقراطية علاج لجميع علل الشرق الأوسط، كانت هناك تجارب لافتة للنظر في الانفتاح السياسي والليبرالية، قد بدأت بالفعل داخل المنطقة. فلفترة قصيرة، بدت الجزائر خلال الأعوام 89 1991، وكأنها ستصبح أول دولة عربية تشهد انتقالاً للسلطة من العناصر المؤسسة للدولة المنتمية للتيار القومي، إلي المعارضة الإسلامية من خلال انتخابات حرة. ولكن التجربة الأكثر إثارة للإعجاب، كانت هي نجاح تركيا في اجتياز حقبة التسعينيات دون أن يحدث فيها انقلاب من انقلاباتها العسكرية المعتادة، ونجاح حزبها الإسلامي في تحويل نفسه إلي مجموعة من المصلحين المعتدلين الذين لم يثرْ نجاحهم في صناديق الاقتراع منذ عدة سنوات الدهشة لدي أحد لأنه كان نتيجة منطقية أو طبيعية.
وفي أماكن أخري، وخصوصاً في بعض الأنظمة الملكية في المنطقة، كان هناك قدر ملحوظ من الانفتاح والليبرالية وذلك عندما انتقلت السلطة إلي الجيل الأصغر سناً من الحكام. فدول مثل المغرب والأردن والكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة وعمان يمكن كلها أن تؤشر علي حدوث تقدم حقيقي في هذا المجال. وعندما قام بوش بإطلاق مبادرته؛ لم تكن المنطقة خالية من الإمكانات الديمقراطية؛ ففي عام 1997 نجد أن دولة مثل إيران نجحت في انتخاب رئيس "إصلاحي" مقنع، وذلك عندما خرج الإيرانيون من الشبان والشابات بأعداد كبيرة للتصويت ضد المرشح "المحافظ" المفضل من قبل نظام الملالي.
لكن ما هي الأسباب التي أثارت شكوكاً حول مبادرة بوش؟ السبب الأول هو أن بوش نفسه وافد حديث علي موضوع الديمقراطية، فعندما كان مرشحاً للرئاسة في انتخابات 2000، قال إن الولايات المتحدة يجب ألا تنخرط في مهام "بناء الأمم" وتحدث أيضاً عن سياسة خارجية "متواضعة". وأثناء التحضير لحرب العراق في ربيع 2003، لم يشر بوش كثيراً إلي الديمقراطية كهدف من أهداف الحرب، بل ركز علي أسلحة الدمار الشامل ومحاربة الإرهاب.
التحول الديمقراطي
من أين جاء موضوع الديمقراطية إذن؟ وما هي التوقعات الحالية للتحول الديمقراطي في الشرق الأوسط؟ في بدايات 2001 تماهي بوش ودائرته الداخلية تقريباً مع النمط "المحافظ الواقعي". فديك تشيني، ورايس، وباول، ومهما كانت الخلافات بينهم كانوا بدرجة أو بأخري ينتمون إلي المعسكر الواقعي. ويذكر في هذا السياق أن رايس قد كتبت مؤخراً عن فعالية أسلوب الاحتواء والردع في التعامل مع صدام حسين. وكان الصف الثاني في الإدارة في ذلك الوقت هو الصف الذي يمكن العثور فيه علي أصحاب الآراء "ضد الواقعية" من بين الأشخاص المنتمين إلي الجيل الثاني من "المحافظين الجدد"، مثل "دوجلاس فيث"، و"بول وولفوفيتز"، و"لويس ليبي"، و"ديفيد وميراف وارمسر". فبالنسبة للبعض من هؤلاء، كانت الديمقراطية تبدو كالتزام حقيقي. فوولفوفيتز علي سبيل المثال، أيد تغيير النظام في كل من إندونيسيا والفلبين عندما كان مسئولاً عن السياسة الأمريكية في آسيا. ولكن بعض "المحافظين الجدد" خارج الإدارة، مثل "بيرل"، و"ليدين" اعتبروا مشروع الديمقراطية جزئياً أو كلياً وسيلة من وسائل خلخلة استقرار الشرق الأوسط لتحقيق مصلحة إسرائيل.
وعقب هجمات سبتمبر 2001، تم تقديم موضوع تغيير النظام في العراق باعتباره حلاً لجميع مشكلات المنطقة. واعتقد البعض في ذلك الوقت خطأً أن صدام حسين كان وراء هذه الهجمات، ووجد آخرون في هذه الهجمات فرصة للتخلص من صدام. ونجحت إدارة بوش في استخدام غلاف الديمقراطية الذي غطت به مساعيها لتغيير النظام في العراق، لتسويق الحرب علي صدام حسين، خاصة لدي الرأي العام الأمريكي.
وبعد اتخاذ قرار إسقاط صدام، وفي بدايات 2002، تم تطوير أطروحة الديمقراطية، وهو ما تبدي بشكل واضح في الخطاب الذي افتتح به بوش فترته الرئاسية الثانية عام 2005؛ فبوش أشار في الخطاب إلي أن الديكتاتوريات هي أرض تفريخ الإرهاب، وأن الولايات كي تتمكن من محاربة الإرهاب، يجب أن تعمل من أجل إنهاء الديكتاتوريات القائمة في الشرق الأوسط. فالديمقراطية لم تكن إذن مجرد حالة من حق الجميع أن يتمتعوا بها، لكنها كانت وسيلة لإسقاط مواقع تقوم بتفريخ الإرهاب. وكانت أفغانستان والعراق ضمن النماذج المبكرة للنظام الجديد، ولم يكن هناك ما يدعو إلي الاقتصار علي هاتين الدولتين.
أين الخطأ في العراق؟
إذن أين كان الخطأ؟ الأخطاء الأكثر فداحة تم ارتكابها في العراق؛ حيث انطلقنا إلي هناك لإسقاط النظام، لكننا قمنا بتدمير الدولة ذاتها وليس النظام فقط. فمن بين القرارات المبكرة التي اتخذتها إدارة بوش ذلك الخاص بحل الجيش العراقي، وإجراء عملية تطهير واسعة النطاق للنظام السياسي تشمل فصل أي عراقي يحتل درجة من الدرجات الخمس الأولي في النظام التراتبي لحزب "البعث، وبذلك انتقلت مسئولية الحفاظ علي الأمن وتوفير الخدمات، بين عشية وضحاها، إلي أيدينا، أي إلي العسكريين الأمريكيين، الذين لم تكن لديهم أية خبرة مسبقة بعمليات "بناء الأمم".
في البداية، لم تكن الانتخابات جزءاً من الخطة الأمريكية في العراق، ولكنها فرضت فيما بعد فرضاً علي الأمريكيين من قبل آية الله السيستاني، الذي أدرك أن الأغلبية الشيعية ستتمكن بسهولة من الوصول إلي السلطة إذا تم إجراء انتخابات. لذلك، وافقنا علي عقد الانتخابات حتي قبل أن يتم تطوير بنية دستورية. وقد تبين لنا أن صياغة دستور للعراق عملية في غاية الصعوبة، بعد أن قاطع معظم السُنة العملية، وبعد أن شاركوا في الاستفتاء علي الدستور عام 2005 وصوتوا ضده.
وعندما أُجريت الانتخابات في ديسمبر الماضي، لم يكن ثمة اتفاق علي كيفية حكم العراق، أي شكل بنيته الفيدرالية، ودور الشريعة الإسلامية فيه، وتوزيع عوائد الثروة النفطية علي العراقيين، وهي نقاط قليلة ضمن نقاط عدم الاتفاق بين الفرقاء العراقيين. لذلك ليس غريباً أن عراق ما بعد صدام، لم يتمتع بمناخ من الهدوء والتوافق عند إعادة البناء الجزئي للمؤسسات السياسية. فلم تكن هناك سوي أحزاب سياسية قليلة موجودة، عدا تلك الموجودة في كردستان، وحركات المعارضة الشيعية التي اتخذت من إيران ملاذاً لها إبان حكم صدام ك "المجلس الأعلي للثورة الإسلامية في العراق"، و"حزب الدعوة".
لكن المشهد العراقي، اتجه، وبسرعة شديدة، نحو الطائفية، عندما أصبحت المليشيات لا الجيش الوطني هي التي تسيطر علي الشارع، وعندما رأي البعض أن الانتخابات التي أجريت في ديسمبر كانت توافقاً أكثر من كونها انتخابات، حيث قام معظم الناس بالتصويت للمرشحين الذين يمثلون طائفتهم، أما المرشحون القلائل المعروف عنهم أنهم علمانيون وغير طائفيين، فقد حققوا نتائج هزيلة للغاية.
والآن لدينا عراق مَر بانتخابات واستفتاء دستوري، لكنه لا يزال بعيداً كل البعد عن الدولة الديمقراطية المستقرة. وفي الحقيقة أن الأحداث التي جرت في أواخر فبراير الماضي، تثير بعض المخاوف من أن شبح الحرب الأهلية أصبح يلوح في الأفق. ربما تتحسن الأشياء مع الوقت، غير أن التجربة العراقية حتي الآن تؤكد تحذيرات "فريد زكريا" من بذل اهتمام أكثر من اللازم بالانتخابات، وعدم بذل اهتمام كاف بالأساسيات التي يرتكز عليها أي نظام ديمقراطي: مثل حكم القانون واحترام حقوق الأقليات، والضوابط الدستورية، وتوفير الأمن، والخدمات الأساسية. وهكذا، فإن العراق وبدلاً من أن يصبح نموذجاً يحتذي في المنطقة أصبح شيئاً يأمل الجميع في تجنبه.
فشل عملية السلام
في عام 1994، كتبت مقالة في دورية "فورين أفيرز" حول فرص الديمقراطية في فلسطين، واعتقدت آنذاك أن تلك الفرص جيدة نسبياً، بشرط التوصل إلي اتفاقية سلام، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي. كان المجتمع المدني الفلسطيني وقتها قوياً نسبياً، ولديه تقاليد طويلة في التعددية حتي داخل "منظمة التحرير الفلسطينية". كان الفلسطينيون أيضا شعباً متعلماً ومثقفاً، إضافة إلي النموذج الديمقراطي الإسرائيلي القائم بجوارهم، فكنت متفائلاً، لكن تلاشي التفاؤل بسبب فشل عملية السلام. ورغم ذلك، تم انتخاب الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، والحالي محمود عباس "أبو مازن"، كما أجريت الانتخابات البرلمانية الفلسطينية مؤخراً والتي تعد في نظري أفضل انتخابات أُجريت في العالم العربي.
ولكن إجراء الانتخابات في وقت وصلت فيه الظروف السوسيو اقتصادية بالضفة الغربية وغزة حالة من التدهور للسنة الرابعة علي التوالي، وفي وقت تمكنت فيه "حماس" من أن تنسب لنفسها الفضل في انسحاب إسرائيل من غزة، كان وصفة مؤكدة للفوضي. بالإضافة إلي ذلك، فإن من قام بتصميم الانتخابات الفلسطينية لم يتعلم في رأيي شيئاً من تجربة الجزائر مع انتصار الإسلاميين في انتخابات 91- 1992. في ذلك الوقت، أدي النظام السياسي السائد والذي كان قائماً علي أساس أن الفائز سيحصد كل شيء، إلي تضخيم الفوز الذي حققته جبهة "الإنقاذ الإسلامي" في الانتخابات ووضعه في حجم أكبر من حجمه الحقيقي. وفي الحالة الجزائرية كان الدرس الذي ينبغي تعلمه من قبل الفلسطينيين سهلاً. فالإسلاميون باعتبارهم حركة معارضة منضبطة، جعلوا أتباعهم يقومون بالتصويت لمرشحي "جبهة الإنقاذ"، أما الناخبون غير المنتمين إلي تلك الجبهة، فانقسمت أصواتهم بين ما يزيد علي 12 حزباً من الأحزاب الأخري، فاتحين الباب لفوز ساحق للجبهة. فلو استخدم الجزائريون نظام التمثيل النسبي الصارم لما زادت نسبة المقاعد التي حصلت عليها "جبهة الإنقاذ" عن 40 في المئة، من مقاعد البرلمان الجزائري.
في الانتخابات الفلسطينية الأخيرة، تم استخدام نظامين انتخابيين. نصف عدد المقاعد (66 مقعدا) تم اختيار مرشحيها بنظام التمثيل النسبي، وحصلت "حماس" علي 45 في المئة من المقاعد. أما النصف الثاني من مقاعد المجلس الذي جري التنافس المباشر عليه بين المرشحين في مختلف الدوائر الانتخابية، فإن انضباط "حماس" الداخلي ظهر بوضوح من خلال ترشيح شخص واحد من الحركة لكل مقعد، بينما قامت "فتح" بترشيح أكثر من مرشح علي المقعد نفسه في أغلب الدوائر، مما أدي إلي تفتيت أصوات مؤيدي "فتح"، لصالح مرشحي "حماس" الذين فازوا بسهولة، وحصلوا علي 74 مقعداً.
الدرس الذي نخرج به، هو أن اختيار النظام الانتخابي موضوع مهم؛ فنظام القوائم النسبية يحقق نجاحاً أكبر بكثير فيما يتعلق بإبرازه لمدي اتساع قاعدة الآراء، كما أنه يتلافي تشويه النتائج، وتقديم أغلبيات زائفة. علينا أن نفكر إلي أي حد سيكون القلق، لو حصلت "حماس" علي نسبة تتراوح ما بين 40 45 في المئة من مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني. لو أن ذلك قد حدث لأصبحت "حماس" ملزمة بالتوافق وإجراء التسويات مع المجموعات الأخري لتشكيل الحكومة.
حفظ الاستقرار أولا
ويقفز إلي الذهن سؤال مؤداه: لو كانت مبادرة بوش قد حققت نجاحاً كبيراً في العراق وفلسطين، فهل كان بوسعنا القول حينئذ إن الديمقراطية طريق خطأ يجب التخلي عنه؟ لا أظن ذلك. وإن كنت أعتقد جازماً أن المتعصبين للديمقراطية قد تعجلوا أكثر من اللازم في التقليل من أي شيء يعود إلي الفترة السابقة في الشرق الأوسط، عندما أعطت السياسة الأمريكية أولوية أكبر لحفظ السلام والاستقرار. فعلي الرغم من كل شيء، فإن الرئيس المصري الراحل أنور السادات لم يكن ديمقراطياً، لكنه حقق السلام مع إسرائيل، سلام أثبت علي مر الأيام أنه مكون إيجابي وقابل للاستمرار في المشهد العام للشرق الأوسط. هل كان يمكن لأي رئيس أمريكي تقوية أعداء السادات من "الناصريين" المواليين للسوفييت و"الإخوان المسلمين" في سنوات السبعينيات الحرجة؟ لا أعتقد ذلك. ومن ثم لا زال علينا مواجهة بعض المقايضات الصعبة في المنطقة؛ فبعض الأنظمة التي قصرت في تحقيق الديمقراطية لا تزال دولاً ذات أهمية لتحقيق أهدافنا الأخري في الشرق الأوسط. لذلك من الضروري تجنب السياسات أحادية البعد سواء كان ذلك البعد هو الديمقراطية، أو النفط، أو الاستقرار، أو مناوأة الإرهاب، أم غير ذلك، فالعالم مكان معقد، ونحتاج إلي سياسات معقدة للتعامل معه.
إنني أود أن تمضي السياسة الأمريكية الخاصة بدمقرطة الشرق الأوسط في الاتجاه التالي: يجب أن نقلل من كمية الوعظ، وأن نكون أقل غطرسة في الطريقة التي ندفع بها رسالتنا، وأن نركز اهتمامنا علي حقوق الإنسان، وحكم القانون، وحرية الصحافة، والتبادل التعليمي باعتبارها كلها تمثل دعائم اللبرلة والدمقرطة.
من المتوقع أن تكلفنا حرب العراق ما يزيد بكثير عن تريليون دولار قبل أن تضع أوزارها. لقد كان بإمكاننا بشريحة من هذا المبلغ أن نفعل الأعاجيب في مجال التبادل التعليمي والثقافي، وإزالة الفقر، ومقاومة الأمراض، وتعويض اللاجئين عن منازلهم المفقودة، وكان يمكن للنتائج المترتبة علي كل ذلك أن تكون أكثر استمرارا، وأطول مدي.
يمكنني القول إن الولايات المتحدة يجب أن تشجع براعم الديمقراطية الموجودة بالفعل في الشرق الأوسط. فتركيا علي سبيل المثال تعتبر نموذجا جيدا للدولة التي تمكنت من إنجاز التحول الديمقراطي. يجب علينا أن نشعر بالفخر عندما نقوم بالإشارة إلي نجاحهم، ولكن يجب علينا أيضا أن نقول إن المغرب والجزائر والكويت وقطر ولبنان وفلسطين دول فعلت هي الأخري مؤخراً أشياء تستحق منا الاعتراف. وفي معظم الحالات كانت مبادرات هذه الدول نابعة من الداخل، وهذا النوع من المبادرات هو الذي سيستمر وهو الذي يمكن أن يكون قدوة تحتذي من قبل الآخرين.
يجب ألا ننسي أن الديمقراطية في الشرق الأوسط يمكن أن تزدهر علي أفضل وجه ممكن في الأحوال التي يسود فيها السلام والرفاهية؛ فالصراع العربي الإسرائيلي تواصل وامتد أكثر مما ينبغي. ونحن الآن نعرف بعض الخطوط العريضة بشأن ما نحتاج إلي عمله إذا ما أردنا حل هذا الصراع من خلال التسويات والاتفاقات المتبادلة. ربما يكون الأمر قد تأخر كثيراً، ولكن علينا ألا نيأس ونقوم بجهد بطولي في هذا الشأن.
أما العراق، فإنه إذا ما أراد أن تكون أمامه فرصة للبروز كدولة لائقة في المنطقة، فعليه إقامة علاقة طبيعية مع إيران. وهذا سيتطلب ضمن أشياء أخري تغييراً في المسار الحالي للمواجهة بين الولايات المتحدة وإيران. وعنصر الوقت له أهمية كبري هنا. فإذا ما اعتقدت إيران فعلاً أن الولايات المتحدة مصممة علي الإطاحة بالنظام وهذا ما تبادر إلي ذهني عندما استمعت إلي خطاب "حالة الاتحاد" الأخير- فإن الأمر المرجح، هو أنهم سيمضون قدماً في طريق الخيار النووي وبأقصي سرعة ممكنة، وهو ما يمكن أن تترتب عليه عواقب خطيرة في المنطقة.
ولإقناع إيران بعدم التحول إلي دولة نووية، سنحتاج إلي صفقة تتكون من حزمة من الاتفاقيات. فسنجد أنفسنا مثلاً مضطرين للقبول بشرعية نظام إيران فيما بعد الثورة الإسلامية، علي الرغم من أن ذلك أمر غير مستساغ عند كثير من الأمريكيين. وسنجد أنفسنا بحاجة لإيجاد طريقة للدخول مع إيران وغيرها من دول منطقة الخليج في مباحثات حول أمن المنطقة في المرحلة التي ستلي انسحابنا من العراق. وهذا اليوم آت، ويجب أن نخطط له الآن، لأن بقاءنا في العراق إلي ما لا نهاية لن يحقق السلام والاستقرار.
من سوء الحظ، أن هذه الأجندة البديلة ستتطلب من إدارة بوش الاعتراف بأنها قد ارتكبت أخطاء والاعتراف ليس من الفضائل التي عرفت بها الإدارة. يجب علي هذه الإدارة أن تعيد التزامها مرة ثانية بحل إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة جنبا إلي جنب مع إسرائيل، وأن تقوم علنا بنقض ما يتردد من أنها ستبقي لمدي طويل في قواعد في العراق، ضرورة قيامها في الوقت ذاته بتحديد موعد للخروج وإنهاء وجود القوات المقاتلة في العراق بنهاية 2007 أو شيء من هذا القبيل. وسنحتاج بعد ذلك لفتح قنوات في العراق يفضل أن تكون سرية مع من يشاطروننا قلقنا من الآراء المتطرفة للرئيس الإيراني الحالي.
إن هذه الأجندة صعبة، بل ويمكن القول إنها بالغة الصعوبة. ولكن دون أن نحقق تقدماً بشأن هذه الموضوعات، فإن الهدف الخاص بدمقرطة الشرق الأوسط سيظل يراوح في دائرة الخطابية القائمة علي الخيال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.