بين يدي كتابان أجنبيان كلاهما صادرٌ عام 2005، ينشغل الأول بالمواجهة بين إيرانوالولاياتالمتحدة منذ الثورة الإسلامية، بينما ينشغل الآخر بتطور البرنامج النووي الإيراني. الضعف الرئيسي في الكتابين، اللذين ظهرا أواخر العام الماضي، أنهما يعتمدان علي مصادر استخبارية. فمصادر الأول أوساط مخابراتية غربية، وأميركية علي الخصوص. ومصادر الثاني مخبرون إيرانيون منشقّون قابل المؤلّف بعضهم في فرنسا وبريطانيا، بينما قابل البعضَ الآخرَ في الولاياتالمتحدةالأمريكية. يعتبر كلا المؤلّفين أنَّ التحدي الرئيسي الذي يواجهُ الولاياتالمتحدة في علاقتها مع إيران هو الملفُّ النووي. لكنّ إيلان بيرمان، مؤلّف "صعود طهران" يعتني أيضاً بالساحات الأخري للمواجهة. وهو يري أنّ تلك المواجهة ما بدأت باحتلال السفارة الأمريكية في طهران، بل ببدء عمليات "حزب الله" في لبنان. وقد تمثلت تلك العمليات بالهجوم علي القوات الأمريكية والفرنسية التي كانت تُعسكر في بيروت. كما تمثلّت بخطف أجانب أوروبيين وأميركيين، بينهم وليام باكلي، رئيس محطة الCIA في الشرق الأوسط. ويعتقد المؤلّف أيضاً أنّ الإيرانيين عندما أسَّسوا "حزب الله" ما كانوا يريدون توجيهه ضدّ إسرائيل بشكلٍ رئيسي، بل تخصيصه للمهمات الخارجية التي لا يستطيع الإيرانيون القيام بها بشكلٍ مباشر، ومن ذلك عملية الأرجنتين ضد السفارة الإسرائيلية، وعدة عمليات غامضة في دول القارة الأوروبية، إضافةً لاغتيال المعارضين للنظام الجديد بأوروبا الغربية وأستراليا، وخطف بعض الطائرات. لكنهم في العام 1986 قرروا توجيه النشاط الرئيسي للحزب ضدّ إسرائيل، مع عدم إلغاء أقسامه الدولية، وإنما تحويل الخلايا المنشأة إلي خلايا نائمة، لا تتحرك إلاّ في الظروف الطارئة التي تُهمُّ طهران بشكلٍ خاص. ولا يجدُ بيرمان دليلاً علي التعاوُن بين السوريين والإيرانيين بشأن "حزب الله" قبل العام 1988. إذ في عام 1987 وعلي أثر عودة السوريين إلي بيروت اشتبكوا مع متدربين من الحزب في بيروتالغربية، وقتلوا العشرات منهم. وعلي أي حال، فإنّ بيرمان يعتبرُ أنْ حزب الله في نظر إيران اليوم هو بمثابة "التفاحة الذهبية" المفيدة في عدة أهدافٍ لجهة استغلاله في الصراع مع الولاياتالمتحدة، وفي مساعدة سوريا، وفي مكافحة المصالح الأمريكية الإسرائيلية، وفي تهديد العرب وابتزازهم، باعتبار أنّ إيران الإسلامية أكفأ منهم وأحرص في عمليات "تحرير فلسطين". واعتماداً علي مصادر إسرائيلية يذهب بيرمان إلي أنّ "حزب الله" هو صلة الوصل الأساسية بين إيران من جهة، وتنظيمي "الجهاد الإسلامي" و"حماس" من جهةٍ ثانية. لكنه يعودُ فينقل عن مصادر أميركية أنّ الاستخبارات الإيرانية تتعاملُ مع التنظيمين الفلسطينيين بشكلٍ مباشرٍ وليس من خلال "حزب الله". ويستعرض بيرمان الساحات الأُخري للصراع أو المواجهة بين إيرانوالولاياتالمتحدة السعودية والبحرين في الثمانينيات والتسعينيات، وأفغانستان وآسيا الوسطي في التسعينيات علي الخصوص، وصولاً إلي العراق بعد احتلاله من جانب الولاياتالمتحدة ربيع عام 2003. ولا ينكرُ مؤلّف "الصعود الطهراني" أو"صعود طهران" وجودَ مصالح واهتمامات مشتركة أحياناً ومنذ الثمانينيات. ففي أواسط الثمانينيات كما هو معروف، ساعدت الاستخبارات الأمريكيةإيران في الحصول علي أسلحةٍ إسرائيلية كما أنَّ إيران أعانت مباشرةً أو بشكلٍ غير مباشر الولاياتالمتحدة في احتلال أفغانستان أواخر العام 2001، وفي احتلال العراق في ربيع العام 2003. وهنا يختلف مؤلّف "الصعود" مع تيمرمان مؤلّف الكتاب الثاني: "العدّ التنازُلي باتجاه الأزمة". ففي حين يعتبر بيرمان "شهور اللقاء" خدمةً للمصالح الإيرانية، يري تيمرمان أنّ الطرفين استفادا، وإن تكن الولاياتالمتحدة حتي الآن هي الأكثر إفادة! لكنْ كيف تكون أمريكا هي الأكثر إفادة إذا كانت إيران قد تخلصتْ في حالتي العراق وأفغانستان من نظامي حكمٍ معاديين لها، وهي توشكُ الآن أن تسيطر علي المناطق الشيعية في العراق، كما سيطرت علي المناطق الشيعية في أفغانستان؟! يعود المؤلّفان إلي التلاقي علي أهمية ما حققتهُ إيران في المجال النووي. تيمرمان يقول إنّ إيران ورثت بدايات برنامج نووي سري من أيام الشاه، والذي كان يعملُ منفرداً مع مساعدةٍ فرنسيةٍ ضئيلة وربما إسرائيلية. بيد أنّ التطور الأهمَّ في نظر تيمرمان جاء من تعاوُن الاستخبارات الإيرانية عبر وسطاء مع الباكستاني عبد القديرخان، الذي سُمّي "أبو القنبلة الإسلامية". ويتابع تيمرمان قائلاً إنّ اهتمام إيران بالملفّ النووي يعود لاقتناعها باستمرار البرنامج النووي العراقي، رغم الضربة الإسرائيلية لمفاعل تموز عام 1981. في حين يري بيرمان أنّ عين إيران كانت علي إسرائيل وباكستان والهند، وبخاصةٍ بعد الضربة التي نزلت بصدّام حسين عام 1991. 1992 فقد أوصلت إليها استخباراتُها معلوماتٍ مفادها أنّ الأمريكيين لن يعتقوا صدَّاماً من اهتمامهم حتي ينهوهُ تماماً، من أجل الأكراد، ومن أجل إسرائيل. وما قصّرتْ إيران في مساعيها للحصول علي معلومات وتقنيات من روسيا في سنوات ضعفها وتخبطها مطالع التسعينيات، ومن بعض الشركات الألمانية، ومن كوريا الشمالية. لكنّ الذي أثار اهتمامها في كوريا الشمالية أكثر من الخبرة النووية هو الصواريخ التي أفادت من شراء كمياتٍ منها في تطوير صناعتها الصاروخية الخاصة. يتركز كتاب تيمرمان علي البرنامج النووي الإيراني وتطوراته منذ الثمانينيات. لكنه يزين كتابه بفصلٍ أول حول علاقة أسامة بن لادن و"القاعدة" بإيران. فهناك روايةٌ تقول إنّ تلك العلاقة بدأت في عام 1999. وهناك روايةٌ أُخري تزعمُ أنّ العلاقة بدأت بزيارةٍ للظواهري أوائل عام 2001، تلتها زيارةٌ لسعد ابن أُسامة بن لادن بعد ذلك بثلاثة أشهُر. ويظهر في المفاوضات المزعومة كلٌّ من الظواهري وسيف العدل ومحمد عاطف، يتحدثون إلي كبار القادة الإيرانيين مثل خامنئي ورفسنجاني وفلاحيان وعلي أكبر نوري! أما عماد مغنية، اللبناني الأصل فهو منظّم المخابئ السرية وجلسات التفاوُض، وكلُّها تدورُ حول التعاون في مواجهة الولاياتالمتحدة. فقد ذهب رجالات ابن لادن إلي إيران ليخبروا محدثيهم هناك أنهم يحضّرون لعملٍ كبيرٍ ضد الولاياتالمتحدة، وأنهم يريدون منهم مساعداتٍ لوجستية، وتسهيل المرور والسفر إلي أوروبا. وهكذا فالذي اتهمته الولاياتالمتحدة بالتعاوُن مع القاعدة هو صدام حسين، والذي يتعامل مع "القاعدة" فعلاً هو إيران، بحسب المصدرين الأمريكيين. وحول ما يجري الآن، يري بيرمان أنّ المواجهة العسكرية محفوفةٌ بمخاطر كثيرة بالنسبة للطرفين. ولذلك يقترح علي الولاياتالمتحدة التعاوُن الوثيق مع أوروبا وروسيا لتأخير البرنامج النووي، وفي الوقت نفسِه العمل علي دمقرطة النظام الإيراني. بينما يري تيمرمان أنه لا حلَّ إلاّ بضربة عسكرية إذا جري التأكد من إمكان إصابة المفاعلات، وتعطيل البرنامج. ثم يتابع أنّ ذلك غير كاف، فإيران موجودةٌ في أفغانستان والعراق وسوريا ولبنان. والضربة العسكرية للنووي لن تُسقط النظام، ولذا فهو يستطيع الردَّ والإضرار بالمصالح الأمريكية في المنطقة. وتملك إيران عدة أنظمة صواريخ تستطيع استخدامها ضد إسرائيل كما فعل صدام حسين لكنْ بكفاءةٍ أكبر كما أنها تملك إثارة "حزب الله" والتنظيمات الفلسطينية لمقاتلة إسرائيل. ولذلك فعلي الأرجح بحسب المؤلّفين ستحاول الدول الكبري استيعاب إيران وليس مواجهتها عسكرياً: فالنظام قوي وموارده البترولية مهمةٌ للغرب، ولذلك فسواء اتجه الأمريكيون للمواجهة أو للاستيعاب ينبغي أن يبقي واضحاً أنّ قدرات إيران علي الصمود تبقي قويةً وإن لم تكن كافيةً لحسم الصراع لصالحها.