في إطار "المنتدي الاجتماعي السياسي" المناهض للعولمة (باماكو 19 23 يناير 2006) توافد الي التظاهرة التي اجتازت شوارع العاصمة آلاف من المناضلين القدامي والمفكرين وأساتذة الجامعات وفاعليات اجتماعية ممثلة بنقابات الفلاحين والعمال للتظاهر ضد العولمة، في نفس الوقت البحث عن عولمة بديلة تكون بديلاً للوجه البشع للعولمة المتوحشة المحمولة علي أكتاف القاذفات العملاقة، أو ما سماها أحد الباحثين في هذا المجال "روح العولمة" التي تحمي مسارها وترعي توجهها. ثمة ملحوظة تطغي علي هذه التظاهرة، وهو طابعها الفرنسي، صحيح أن معظم الوفود جاءت من ميادين بعيدة، من هافانا والبرازيل وفنزويلا وإسبانيا، إلا أن ما يلحظ كما أسلفت هو الطابع الفرنسي الذي يوجه مسارها مبدياً ضرباً من الممانعة ضد الأمركة والعولمة معاً، وذلك انطلاقاً من تعريف توماس فريدمان أن العولمة هي أمريكا كما يري في كتابه "ليكساس وشجرة الزيتون: فهم العولمة" وهذا ما تعبر عنه تلك الممانعة الفرنسية التي يراها توماس فريدمان علي أنها عداء بالسليقة يمارسه الفرنسيون ضد العولمة، ولكن الفرنسيين يردون بالقول إنهم لا يعادون العولمة بالسليقة، بل من خلال نتائجها الكارثية علي صعيد عالمي، والدلالة علي ذلك هو بحثهم عن عولمة بديلة، أضف الي ذلك أن الواقع العالمي المعولم ينذر بالكارثة التي تهدد شعوباً وحضارات إن هي لم تلحق بركب العولمة/ الأمركة. يكتب أنياسو راموانيه رئيس تحرير اللوموند ديبلوماتيك السابق، الصحيفة الفرنسية الأكثر اهتماماً بمصالح المستضعفين في العالم والذي حضر هناك للتظاهر ضد العولمة ما يلي: إن تقديرات الأممالمتحدة تخلص الي أنه لتوفير الحاجيات الأساسية لمواطني المعمورة من غذاء وماء صالح للشرب وتعليم وصحة، يكفي أن يساهم ال225 شخصاً الأكثر ثراء في العالم بنسبة أقل من 4% من أرباحهم التي كدسوها، فضمان حاجيات البشر من الغذاء والماء والصحة لا يكلف سوي 13 ملياراً من الدولارات وهذا يعادل استهلاك الولاياتالمتحدةالأمريكية وأوروبا من العطورات؟ من هنا مصدر البحث عن عولمة بديلة لا تجعل من الكائن البشري أو الطبيعة التي يجري تدميرها بانتظام مجرد بضاعة، وعن جبهة مقاومة للمشروع الامبريالي المعولم، يسميها سمير أمين الذي كان حاضراً هناك ممثلاً لمنتدي العالم الثالث ب"الجبهة المشتركة" التي تساهم بها شعوباً ودولاً من أجل انتزاع حقها من قوي العولمة الأمركة التي تهدد باجتياحها. ما يسميه توماس فريدمان ب "نمر العولمة" حيث تمكنت القبيلة الشقراء الأمريكية وحدها دون غيرها من امتطائه، يسميه المناضلون ضد العولمة الأمركة ب "روح العولمة" ممثلة بالآلة العسكرية الجهنمية التي تحرس العولمة، فلا عولمة بدون قوة عسكرية تفرضها علي العالم، فثمة "قبضة خفية" كما يكتب أحدهم توجه مسار العولمة وتفتح لها كل الأبواب الموصدة لتجعل من الكرة الأرضية مجالاً حيوياً مفتوحاً لحفدة فاوست من الأمريكيين، من هنا مصدر التنديد والمناهضة علي صعيد عالمي ل "عسكرة العالم" وكما عبرت عنه تظاهرة باماكو، فالعسكرة هي روح العولمة، إذ لا يمكن كما يري كثير من الدارسين للعولمة أن تفرض علي صعيد عالمي ما لم تحرسها وتحميها القاذفات العملاقة التي تفتح لها كل الميادين. من هنا مصدر الخطر الذي تمثله هذه العسكرة التي قيل أنها تحرس الرسالة الأمريكية المعولمة والخالدة بآن والتي تمهد بشكل واضح وحقيقي الي عودة الاستعمار. إن عسكرة العالم هي الوجه الحقيقي للعولمة كما يري الكثيرون، وهذه العسكرة هي التي توجه المسيرة العمياء لما سماه توماس فريدمان ب "لقطيع الالكتروني" المؤلف من نوعين من الماشية: القصيرة القرون وتتمثل في شركات المضاربة، والطويلة القرون الممثلة بالشركات المتعددة الجنسية التي تهدد بنطح قارات، وشعوباً بأكملها إن هي لم تمتثل لرغبات القطيع المعولم. العولمة/ الأمركة/ العسكرة ثلاث قوي هي بمثابة ثلاث حقائق لوجه واحد تهدد باجتياح العالم وتخريب الطبيعة وتحويل الانسان الي براءة اختراع علي حد تعبير راموانيه. والسؤال المطروح علي قادة المنتدي الاجتماعي السياسي لمناهضة العولمة سواء في باماكو أو كاراكاس: كيف السبيل الي نقد جذري للظاهرة يضع جانباً حالة التخويف التي تنفذها قوي العولمة والتي تري أن كل نقد للعولمة هو ضرب من العداء للولايات المتحدةالأمريكية أو أن هذا النقد لا يصدر إلا عن عاجزين وموتورين ومعادين للعولمة السليقة كما جاء علي لسان فريدمان، علي أن الأهم هو كيف السبيل الي عولمة بديلة؟ من وجهة نظر البعض من المتفائلين أننا علي أعتاب فجر جديد يبشر بروح جديدة وبمقاومة جديدة من شأنها أن تضع حداً لاستغلال الشعوب وتخريب الطبيعة وهذه أولي بواكير البحث عن عولمة بديلة؟