يبدو أن أزمة الرسوم الدانماركية المسيئة للرسول، صلي الله عليه وسلم، تتجه إلي ساحات الحوار الهادئ والعاقل بعد أن تصاعدت وتفجرت واتخذت أبعاداً خطيرة تكرس الخصومة والعداء وتزكي الكراهية المتبادلة. ويعبر عن هذا الانفراج النسبي للأزمة تصريح لوزير الخارجية الدانماركي الدكتور بير ستيج موللر قال فيه: "اسمحوا لي أولاً أن أعبر عن قلقي العميق بشأن الأحداث التي عقبت نشر الرسوم في وسائل الاعلام الدانماركية والأوروبية. كما تعلمون فقد قدمت الصحيفة الدانماركية اعتذارها لجميع المسلمين عن الاساءة التي سببتها الرسوم. رحّبنا بهذا الاعتذار. هناك في الدانمارك احترام أصيل للمشاعر الدينية لدي الغير ونعترف بأن الكثير من المسلمين أهينوا إهانة بالغة بسبب هذه الرسوم المثيرة للجدل. الحكومة الدانماركية قلقة جداً بسبب هذه التطورات وخطورتها. نستمع بأتم الدقة إلي الرسائل وردود الأفعال من الخارج. نعترف بأن أصواتا عاقلة عديدة في العالم الاسلامي من ضمنها منظمة المؤتمر الاسلامي تدعو إلي حوار بناء وسلمي ونتفكر بشكل بليغ من شركائنا في الاتحاد الأوروبي في كيفية حل هذه المشاكل الأساسية ومنعها من الظهور مرة أخري. أنه سيكون تعهدا طويل المدي من قبلنا. أثناء الأشهر المقبلة سنقوم بعدة مبادرات تتطلع إلي المستقبل بهدف التشجيع علي حوار يتسم بالاحترام. سنترجم العديد من النصائح الصالحة التي استلمناها من أصدقائنا في العالم الاسلامي من هذه المبادرات سواء كانت قومية أم ثنائية أم متعددة الأطراف.أما للمستقبل القريب فنقوم بإعداد طقم استهلالي من الإجراءات الجديدة. من بينها اولا ستوفر الحكومة الدانماركية دعما ماليا بالغا لمبادرة "تحالف الحضارات" التي أنشأتها الأممالمتحدة. نبحث في هذا الاطار الممتاز ايضا في كيفية دعم مؤتمر لمكافحة التحيز وإساءة الإدراك.ثانيا بدأت الحكومة الدانماركية بتنظيم مهرجان في كوبنهاجن عنوانه "وجوه الإسلام". كذلك ندبّر مهرجانا طموحا للشرق الأوسط والثقافة الاسلامية وتهدف هذه المبادرات إلي زيادة تفاهمنا المتبادل. نحتاج جميعا إلي تعلم المزيد عن بعضنا البعض. ثالثا سندعم مؤتمرا للحوار الديني والثقافي. سيجمع هذا المؤتمر الداعية الاسلامي البارز عمرو خالد وعالمين إسلاميين من العالم الإسلامي وثلاثة خبراء دانماركيين. سيتكون الجمهور من شباب العالم الاسلامي والدانمارك. أصدر عمرو خالد وأربعون عالما عربيا الاسبوع الماضي بيانا عن أهمية الحوار البناء والسلمي. أشارك وأقدّر هذه الرسالة الايجابية وتسرني إمكانية قيام عمرو خالد بهذا الحوار في كوبنهاجن في المستقبل القريب.ومع أننا قد لا نتفق علي بعض الأمور ومن ضمنها أهمية قيم موروثة في المجتمعات الأوروبية فلا شك أن الأمور التي تربطنا يزيد عددها عن عدد الأمور التي تفصلنا. لكنه من الضروري أن نتفكر في ما تعلمناه أثناء الأسابيع والأشهر الماضية. ليلة أمس في التليفزيون الدانماركي وضّحت ناقدة سعودية بارزة في نقدها للرسوم أن إقامتها الأخيرة في كوبنهاجن جعلتها تدرك كيفية اعتبار حرية التعبير مبدأ أساسيا في الدانمارك. وبذات الطريقة أدركنا نحن في الدانمارك وأوروبا بشكل قاطع رقة المشاعر الدينية الجوهرية في العالم الاسلامي. المهم الآن هو بناء الجسور وليس إحراقها. في زمن العولمة نحتاج جميعا إلي بعضنا البعض - ولا بد من التعاون. إن الدانمارك مصممة علي أن تكون في طليعة هذا المسعي. هذه هي تصريحات وزير الخارجية الدانماركي التي نشرنا نص ترجمتها الركيكة كما هو. لكن الملفت للنظر أن هذا الانفراج النسبي للأزمة الذي يشير إليه تصريح وزير الخارجية الدانماركي لا يرضي البعض ولا يعجبه. وعلي سيل المثال فان الشيخ يوسف القرضاوي وهو أحد المراجع الدينية المهمة والمؤثرة أعرب صراحة عن معارضته لمبادرة عمرو خالد وأبدي استغرابه من تمسك الداعية الإسلامي الشاب بها رغم محاولاته إثناءه عنها. وفضيلة الشيخ القرضاوي يعبر بهذا الموقف عن تيار متشدد يريد المضي في طريق تصعيد الأزمة ومواصلة الضغط علي الحكومة الدانماركية من أجل حملها علي تقديم تنازلات أكبر، سواء بالنسبة للاعتذار عن الرسوم الكاريكاتورية التي أشعلت فتيل الأزمة، أو بالنسبة لأوضاع الجالية الاسلامية المقيمة في الدانمارك. وليس القرضاوي والتيار الأصولي الذي يسير معه، هو الجهة الوحيدة التي لم تعجبها مبادرة عمرو خالد، فمن الملفت للنظر أن وزارة الثقافة المصرية شاءت أن تكون ملكية اكثر من الملك، وان تكون أكثر تشدداً من أحد الدعاة الإسلاميين كعمرو خالد الذي يستعد لشد الرحال إلي كوبنهاجن والانخراط في حوار ثقافي مع الدانماركيين بينما قرر مهرجان القاهرة لأفلام الأطفال، استبعاد الأفلام الدانماركية وإعادتها دون عرضها علي الأطفال المصريين. لكن المثير للحيرة أن هذا الموقف الذي اتخذه مهرجان القاهرة لأفلام الأطفال، التابع لوزارة الثقافة، يتناقض مع الموقف الذي اتخذه المركز القومي للفنون التشكيلية، وهو مركز تابع لوزارة الثقافة أيضاً، حيث وافق الفنان أحمد نوار علي استضافة فنانين من الدانمارك في ترينالي القاهرة للجرافيك. فأي الموقفين يعبر عن وزارة الثقافة .. المقاطعة أم المشاركة؟وهل تضع وزارة الثقافة العمامة علي رأسها بينما يلبس عمرو خالد البدلة الأفرنجية! [email protected]