بنية المجتمع العراقي وما تتسم به من تنوع طائفي وفسيفساء عرقية أثرت سابقا وستؤثر بالتأكيد علي مستقبل العراق موحدا كان أم منقسما علي نفسه نتيجة كسر قفل الدكتاتورية والنقاش يدور اليوم في ظل هذه المتغيرات السياسية هل ينجح العراق في الحفاظ علي وحدته أرضا وشعبا في ظل هذه الأعاصير التي تواجهه محليا وخارجيا أم سيكون لفسيفساء العرقية والمذهبية أثر فعال في تقسيم العراق والخوض في مستنقع الفوضي الشاملة. الطائفية في العراق ليست وليدة اليوم أو السنوات الثلاث الأخيرة بل هي نشأت مع نشوء الدولة العراقية الحديثة عام 1921 بعد الخروج من براثن الدولة العثمانية والدخول في دهاليز الاستعمار البريطاني وتتجلي خطورة الطائفية منذ ذلك الوقت في خطاب الملك فيصل الأول الشهير في عام 1933 الذي بين فيه صعوبة حكم العراق من خلال طوائف وقوميات وأعراق متنوعة صعبة المراس فلم يخف مخاوفه من هذا التنوع ووضع استراتيجية للحكم بقيت نهجا لعقود طويلة من بعده ملكية كانت أم جمهورية حتي سقوط النظام البعثي عام 2003. وبدأت الطائفية منذ ذلك الوقت تبدو ككائن صغير ينمو يوما بعد آخر وساعد علي ذلك قانون الجنسية العراقية الذي كان يحوي فقرتين الأولي تثبت عراقية الفرد وهذا شيء لا خلاف عليه ولكن المشكلة في الفقرة الثانية التي كانت تشير إلي تبعية الفرد مما جعل العراقيين في الدولة الحديثة يعتمدون علي تبعيتهم بالعثمانية أو الفارسية وهذه الطريقة كانت إحصاء وأول شرارة تقدح في إشاعة الطائفية في العراق . فقد استغلها الحكام في النظام الجمهوري منذ عام 1963 والي عام 1997 لتنظيم عمليات منظمة واسعة لإسقاط الجنسية العراقية من أصحاب التبعية الإيرانية وترحيلهم خارج الحدود ومصادرة ممتلكاتهم وتصاعدت تلك العمليات إلي اعلي مستوياتها في منتصف سبعينات القرن الماضي حيث تم ترحيل أكثر من 70 اف مواطن عراقي بعد سحب الجنسية منهم وحسب إحصائيات الأممالمتحدة وهذه الحملات أدت في النهاية إلي هشاشة الوطنية العراقية. ومما زاد الطين بله انتهاج حزب البعث في مدة حكمه القومية بمعناها المشوه فكان التمييز بين العراقيين يكون علي مبدأ كردي عراقي أو عربي عراقي أو تركماني عراقي الخ.. وهذا يعني تجسيدا للقومية علي حساب الوطنية هذه الممارسات أكدت فشل الأنظمة السابقة في تكوين الهوية الوطنية بعيدا عن القومية والطائفية والعرقية. واستبشرنا خيرا بعد سقوط نظام صدام علي أن يبني العراق وفق مبدأ المواطنة بأسلوب جديد يتعامل مع العراقيين سواسية بدون الإشارة إلي القومية أو الطائفية وتحقق ذلك في مواد الدستور الدائم ولكن الواقع التطبيقي اظهر عكس ذلك فظهرت الطائفية والمحاصصة منذ أول تشكيل سياسي يقود البلاد بعد سقوط النظام فتجربة مجلس الحكم وهيكلية تكوينه كانت الرحلة الأولي في سفر الطائفية تبعها بعد ذلك تشكيل الحكومة المؤقتة والانتقالية علي نفس الطراز. وكان يحدونا الأمل في أن وجود دستور دائم وانتخابات برلمانية شاملة تنبثق عنها حكومة شرعية جاءت عن طريق صناديق الاقتراع ستكون الحل الأمثل للخلاص من متاهات الطائفية والمحاصصة وأيضا تعززالامل في هذا بعد مشاركة الأحزاب السنية ولكن بعد إظهار النتائج بدأت الشكوك والأقاويل تصدر من هذا الحزب او ذاك للتأثير علي نجاح هذا الحلم وبدأت ترفع من أطروحاتها الطائفية ومطاليبها لعرقلة إنجاح العملية السياسية وفق الاستحقاقات الديمقراطية والوطنية. فمن مصلحة من العجز في تشكيل حكومة؟ ومن يتحمل مسئولية الفراغ والأزمة الدستورية في حالة عدم توافق الاطراف في تشكيل الحكومة؟ وهذا للأسف يعزز الانطباع السائد لدي معظم الدول العربية والإقليمية وبعض الأحزاب التي تقول بان الكتل السياسية الحالية عاجزة عن وضع صيغة وأسلوب واقعي لتشكيل الحكومة والسؤال المحير الذي يطرح نفسه دائما هو لماذا استطاعت هذه الكتل السياسية توحيد جهودها متجاوزة الطائفية والعرقية في مجابهة و محاربة النظام السابق حتي تم إسقاطه لماذا انشقت صفوفها وأصبحت غير قادرة علي التوحد بعد زواله؟ يعني هذا أن المكونات السياسية تتوحد عند مواجهة خطر كبير مثل نظام صدام وتستند علي قاعدة المواطنة وتبتعد عن المطالب الفئوية الضيقة المشكلة ألان التي تواجه العراق هي بنفس حجم المشكلة السابقة ألا تستدعي هذه التهديدات وهذه المخاطر التوحد من جديد والعمل كفريق واحد لإنقاذ العراق وتقليص الفجوات بين المكونات السياسية وإبداء مرونة من كل الأطراف من اجل العراق. التحديات الحالية كبيرة وعلي النخب السياسية ان تضيق ساحة الخلافات وان توسع من روابط التقارب بالحوارات المثمرة وان عجزت عن الوصول الي حل واقعي عليها أن تلجا إلي الأسلوب العالمي في مواجهة مثل هكذا تحديات مفروضة الا وهي الرجوع الي الدستور الذي يحدد بشكل واضح ودقيق حقوق وواجبات الكيانات السياسية والمواطنين عموما، بما في ذلك ما يتعلق بالمشاركة السياسية، والقانون ينظم المبادئ العامة التي يحددها الدستور في هذا المجال. وهذا الإطار القانوني الدستوري يكون نتاجا للتطور السياسي الذي يتجسد من خلاله او يترتب عليه إقرار مبدأ المواطنة وتحديد سبل المشاركة السياسية والتي عبرت عنه بشكل صريح كثير من مواد هذا الدستور. وقد يكون الإطار الدستوري أو القانوني لا يكفي للدلالة علي حقيقة العلاقة بين المواطنة والمشاركة وهناك من يعتقد بوجود مساحة شاسعة بين نصوص الدستور والواقع السياسي كل هذا يمكن أن يكون واقعاً والواقع يبين نحن في محنة حقيقية وعلي الكتل السياسية أن تتجاوز هذه المحنة وتتعجل في حلها وتعلن عن تشكيل حكومة تؤيدها كل الأطراف عندها نقول ان هذه الكتل قادرة علي ملء الفراغ السياسي الذي حرمها منه النظام السابق، فلا توجد ألان ضغوطات أو تحديدات أو قمع لأي كيان سياسي فلماذا يسعي البعض إلي خلق العراقيل ويقف حائلا أمام نجاح المشروع السياسي.