تشدد قوات الشرطة وجهات الأمن المكلفة بتطبيق القانون وأجهزة الاستخبارات بصورة أساسية علي المخبرين. وثمة مسألة لا يفهمها كثير من الناس وهي أن ضباط وعملاء الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي. آي. إيه" ليسوا جواسيس، وأن عملهم هو توظيف المخبرين واستقطاب الجواسيس وتحول ما يجمعونه ويحصلون عليه من معلومات إلي المحللين والخبراء. وطبيعي أن تحاول كل دولة تصوير جواسيسها وعملائها كأشخاص نبلاء ذوي خلق رفيع معارضين للاستبداد علي خلاف حقيقتهم كمحترفي ابتزاز ونصب وكمائن للإيقاع بالأبرياء ومصابين بأمراض عصبية وشهوانيين شرهين وانتهازيين. وفي مجال الكشف عن الجرائم المحلية يعمل المخبرون مقابل المال ولو أدي عملهم إلي الإيقاع بشخص بريء. وتقول إدارة الرئيس بوش إنها تدخل علي الاتصالات والمكالمات الهاتفية للإرهابيين وتنتصت عليها، حسنا ولكن كيف يمكن لمسئولي هذه الإدارة أن يعرفوا أن شخصا ما في أوروبا أو الشرق الأوسط هو إرهابي؟ فالإرهابي لا يمشي جهارا في الشارع معلقا علي صدره شارة صغيرة تحمل اسمه وتحدد هويته واسم منظمته، ولا يتصل بالآخرين ليقول: "مرحبا، هنا القاعدة، هل يمكنني خدمتك بإرسال دليل كتالوج صنع القنابل؟". الجواب عن هذا التساؤل هو: بكل بساطة أن أي متحدث أو متصل هو إرهابي أو مشبوه، وإذا كان لدي أي شخص دليل قاطع علي أنه إرهابي حقيقي فمن الطبيعي أن يتم اعتقاله، ويمكنك تكوين فكرة عامة حول مدي الشك في مصداقية وجدية قوائم هؤلاء المشتبه فيهم والذين يتم رصد اتصالاتهم فمن خلال ما تضمه من أسماء لنجوم الموسيقي وأعضاء في مجلس الشيوخ، وأسماء أطفال وأبرياء يستبد بهم الغضب والاهتياج لوجود أسمائهم في تلك القوائم بسبب حماقات أخطاء في الروتين والعمل الوظيفي الحكومي. وبالإضافة إلي ذلك فإن وكالة الأمن القومي ليست لديها طريقة مؤكدة لتمييز أي مشتبه به أو متهم يجري اتصالا هاتفيا إلا بعد انتهاء المكالمة لأنها لا تقوم بتسجيل المكالمات مباشرة من الهواتف ولا تضع أجهزة تسجيل عليها وإنما تقوم بالتقاط المكالمات عبر الأثير ثم تقوم بتمريرها علي أجهزة كمبيوتر خاصة ذات تقنية عالية تقوم بعملية عرض وتمشيط وغربلة لكل مكالمة من خلال كلمات ومفردات محددة، وفي اعتقادي فإن وكالة الأمن القومي تقوم باعتراض المكالمات الخاصة بالأمريكيين من أصول عربية ومسلمين عبر المحيط إلي الدول العربية والإسلامية ويتحدث فيها هؤلاء عن قضايا الشرق الأوسط أو صفقات تجارية واقتصادية. وبكلمات أخري، فإن ما قامت به إدارة بوش كان عملية اقتحام وغزو شامل للخصوصيات الفردية ولم يكن غزواً انتقائيا علي الأقل ذلك ما أظنه. وقال الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان عن اتفاقات الحد من الأسلحة مع الاتحاد السوفيتي السابق: "امنح ثقتك ولكن تحقق وتثبت من صحة الأمور"، والمشكلة هي أنه ليست لدي الأمريكيين وممثليهم في الكونجرس وسيلة للتأكد من أي شيء مادامت الدوائر الأخري عليها، وهذا عمل غير دستوري وغير قانوني يجب وضع حد له علي الفور، ولهذا يجب علينا أن ننتظر قدوم كونجرس جديد يتميز بالحيوية والجرأة لوقف مثل تلك الأعمال. أخشي توسيع صلاحيات الإدارة الأمريكية وسلطاتها بصورة تفوق زيادة خطر الإرهابيين، فهم بعد كل شيء ليسوا أكثر من مجرمين وقد يقتلون ويلقون حتفهم في أي هجوم علينا، وهم بطبيعة الحال مجرد تهديد عابر مؤقت، إن حكومة تستند إلي ذرائع السرية والأمن القومي في تعطيل حكم القانون وانتهاك أحكام الدستور لاشك أنها تهديد دائم لحرية الشعب الأمريكي وخصوصياته وحقوقه الفردية. إن استمرار تنامي وتوسيع سلطات الحكومة بلا رقابة وتدقيق لابد من أنه سيصل إلي يوم يفيق فيه الأمريكيون ليجدوا أنفسهم بلا حرية وبلا أمن.