قبل ان تستقل الطائرة وتأتي الي القاهرة.. قالت وزيرة الخارجية الامريكية الدكتورة كوندوليزا رايس انها اصيبت بخيبة امل من تأجيل الانتخابات المحلية التي كان مقررا اجراؤها في مصر في شهر ابريل المقبل. ثم حاولت تخفيف وقع كلماتها السابقة فأضافت قائلة "يجب أن تستمر مصر في الدفع لتحقيق الديمقراطية، فهي تمتلك شعبا وحضارة عظيمين ويمكنها ان تقود التقدم الديمقراطي في العالم العربي، معربة عن أملها في أن تقوم القاهرة بذلك، مشيرة الي ان هناك اشياء كثيرة حدثت في مصر العام الماضي "فهناك انتخابات رئاسية تعددية وانتخابات برلمانية غيرت الوجه السياسي لمصر". واكدت ان هناك الكثير من التغييرات حدثت في مصر نتيجة للقرار الذي اتخذته الحكومة. وقالت: "ان البرلمان نفسه تغير". لكنها سرعان ما عادت الي لغة الامبراطورية المتغطرسة حيث اردفت قائلة "بقدر توقعاتنا سنستمر في الضغط نحو مزيد من التغيير والاصلاح، هذا ما يجب ان نشير اليه"، وقالت انها ستلتقي عددا من قيادات المجتمع المدني والمعارضة، وانها تتطلع لهذه اللقاءات لمعرفة التصورات حول كيفية التقدم للامام ولم تكتف بذلك بل دخلت في التفاصيل فقالت "آمل في هذا الوقت ان اري خطوات تتخذ علي طريق تكوين احزاب سياسية تكون غير طائفية او متعصبة وتستطيع قطع الطريق نحو النمو السياسي". ورغم انها اعربت عن اعتقادها ان ابرام اتفاقية لاقامة منطقة حرة بين مصر والولاياتالمتحدة ستكون ذات فائدة للمصريين والاصلاح الاقتصادي في مصر، فانها قالت ان هذه المرحلة ليست الوقت المناسب للمضي قدما نحو تفعيل مثل هذه الاتفاقية.. واضافت انه من المهم توفير المناخ المناسب لتوقيعها لانها يجب ان تعرض علي الكونجرس للتصديق عليها. ومع انها لم تقل ما هي عناصر "المناخ المناسب" الذي تقصده فانها اردفت ان هذا "ليس عقابا لمصر"! فاذا لم يكن ذلك عقابا فماذا عساه أن يكون؟! مكافأة! هذا الذي فعلته الدكتورة كوندوليزا رايس هو انها "تضرب وتلاقي" كما يقول المثل الشعبي المصري.. وهو امر ليس بالجديد بل هو الاستنساخ رقم الف لنفس السلوك الامريكي الذي تعودناه من ادارة الرئيس جورج بوش الابن في مثل هذه المناسبات. هذا السلوك باختصار هو ابتزاز الحكومة المصرية ومحاولة الضغط عليها بحجة الدفاع عن الديمقراطية او حقوق الانسان في مصر. وكما علمتنا التجارب السابقة فان المقصود من وراء هذا الابتزاز ليس هو الديمقراطية او حقوق الانسان، وانما المقصود شيء آخر تماما. والدليل علي ان الديمقراطية ليست هي الهدف الحقيقي، هو ان الدكتورة كوندوليزا رايس تعيرنا ب"قلة ديمقراطيتنا" في نفس الوقت يضبط فيه العالم الولاياتالمتحدة متلبسة بارتكاب فظائع وحشية في سجن أبوغريب ومعتقل جوانتانامو تنتمي الي العصور الوسطي ولايقترفها الا برابرة بالمعني الحرفي للكلمة. ثم ان الدكتورة كوندوليزا رايس تقع في تناقض ذاتي حينما تتباكي علي الديمقراطية في مصر في نفس الوقت الذي تدعونا فيه الي "الامتناع عن تمويل السلطة الفلسطينية اذا شكلت حماس الحكومة". ووجه التناقض هنا هو ان "حماس" تم انتخابها بصورة ديمقراطية ولم تحصل علي الاغلبية بانقلاب عسكري، وان الانتخابات التي أوصلتها إلي "السلطة" كانت انتخابات نزيهة بشهادة المراقبين الامريكيين. فكيف تدافع كوندوليزا عن الديمقراطية المصرية في الوقت الذي تحرض فيه علي خنق الديمقراطية الفلسطينية؟! حسنا.. إذا لم تكن الديمقراطية المصرية المفتري عليها هي الهدف.. فماذا عساه أن يكون الهدف الحقيقي؟ الهدف الحقيقي له ثلاثة ابعاد في رأينا: أولا محاولة "اقناع" الحكومة المصرية بالضغط علي حماس كما قالت رايس علي بلابطة. ثانيا: محاولة اشراك مصر في الحملة الامريكية ضد ايران وبرنامجها النووي، واسقاط التحفظ المصري بهذا الصدد، وهو الخاص بعدم استثناء الترسانة النووية الاسرائيلية. ثالثا: محاولة جر مصر - بأي صورة من الصور - إلي الساحة العراقية علي أمل ايجاد مخرج للولايات المتحدة من المستنقع الذي سقطت فيه هناك ولا تعرف كيف تتخلص من أوحاله وفخاخه. هذا هو الهدف الحقيقي، وليس التمسح عن الديمقراطية المصرية سوي سحابة دخان لصرف الانظار، ومحاولة ابتزاز للي الذراع. ومع هذا.. فانه لا يكفي ان نقول للدكتورة كوندوليزا اننا نفهم المرامي الحقيقية لهذا التكتيك. ولا يكفي حتي ان نقول لها - حكومة ومعارضة - اننا نرفض التنطع الامريكي علي شئوننا الداخلية، وان اهل مكة ادري بشعابها. الواجب علينا ايضا ان نقلع عن التلكؤ والتردد امام ملفات الاصلاح، ليس فقط لان هذا التلكؤ يعطي فرصة للدكتورة كوندوليزا وغيرها للتدخل في شئوننا الداخلية لانجاز ما تقاعسنا عن إنجازه، وانما ايضا واساسا لان هذه مصلحة وطنية لم تعد تحتمل التأجيل او التسويف.