في هذه الكلمات القليلة يمكن تلخيص ما يجري في الولاياتالمتحدةالأمريكية اليوم ذلك أنه بعد خطاب حالة الاتحاد الذي أعلن فيه بوش مباشرة النية الأمريكية لتوجيه العالم أو السيطرة والهيمنة الأمريكية المطلقة علي العالم جاءت الأنباء من "البنتاجون" لتؤكد أن حديث بوش لم يكن مسترسلا بل كان سيرا حثيثا علي درب "وثيقة القرن الأمريكي" التي تأسست أصلا علي ما جاء في دليل السياسة الدفاعية والذي تضمن وجوب التفوق العسكري الأمريكي علي الدول الأوروبية والآسيوية، وحدد أن السبيل إلي ذلك هو منع قيام أي قوة مناهضة للولايات المتحدة ووضع سياسة تتبني حروبا وقائية ضد الدول المشتبه في تطويرها لأسلحة الدمار الشامل وتنبأ الدليل بعالم يصبح فيه التدخل العسكري الأمريكي خارج الولاياتالمتحدة _سمة ثابتة. التساؤل موضوع هذا المقال: هل جاءت الاستراتيجية الأمريكية الأخيرة والتي حملت لفظة _الدفاع_ للذود والدفاع عن الولاياتالمتحدةالأمريكية أم لتكريس اليد الطولي الهجومية الأمريكية بما يشبه إعلان الحرب مباشرة علي أي موقع أو موضع في العالم؟ الملامح الرئيسية للاستراتيجية ربما يصعب اختصار أبعاد هذه الاستراتيجية في سطور قليلة لكن ما يهمنا هنا هو الإشارة إلي رمزية ملامحها. تكشف الوثيقة المعنوية _المراجعة الرباعية للدفاع للعام 2006_ والتي تطلب إعدادها أكثر من سنة، مخططا لزيادة الوحدات الخاصة الأمريكية المكلفة بالتدخل السريع في أي موقع أو موضع في العالم، وتضم _قوات دلتا ورينجرز_ ووحدات القوات البحرية والبرية التابعة لسلاح البحرية الأمريكي. ويري محللون في واشنطن أن القوات الخاصة الأمريكية ستزداد بنسبة 33% تقريبا من 15 إلي 20 كتيبة عاملة وتشكيل 90 وحدة إضافية تنتشر في المناطق المعرضة لنفوذ الإرهاب والتطرف، وفي الوثيقة كذلك دعوة واضحة نحو منهجية الإمبراطورية ذات اليد الطولي التي تطور أسلحة قادرة علي ضرب أهداف في أي مكان في العالم خلال وقت قصير علي كافة الصعد البرية والبحرية والجوية فعلي الأرض هناك تخطيط لإنشاء قدرات هجومية برية قادرة علي الاختراق لنشرها بحلول عام 2018 وفي الجو العمل علي تحديث قاذفات من طراز _بي 1_، _بي 2_، _بي 52_. ويفيد بعض المحللين العسكريين بأن تعبيري _هجوم بعيد المدي_ والقاذفات، كانا مترادفين في السابق لكن في ضوء خطة المواجهة الأربعينية إن جاز إطلاق هذا المسمي عليها، فإن تلك الطائرات يمكن أن تعمل من دون طيار أصلا وتحمل بمزيج من الصواريخ والقاذفات وأشعة الليزر وغيرها من الذخيرة. وفي هذا الإطار أيضا يشير مدير مركز التقويمات الاستراتيجية ل _البنتاجون_ اندرو كريبينفتش إلي أمر غاية في الخطورة وهو أن عام 2037 أي بعد نحو ثلاثين عاما كان الموعد المحدد لنشر القدرة الهجومية الجديدة، أما الرائد بيرناديت دوزير _الناطقة باسم قيادة القتال الجوي التابعة لسلاح الجو الأمريكي، فقد صرحت بالقول: إن القيادة بدأت تحليلا لبدائل المشروع في نوفمبر الماضي_. ولعل هذين التصريحين يستدعيان تساؤلا مهما للغاية وهو ما الذي جري حتي تم تقديم موعد هذه الخطط بصورة أعجل من عاجلة؟ هل الخوف من ضياع فرصة مواتية تتمثل في فعل _زمن الإرهاب_ الذي استعلن مع11/9 كما صورت الإدارة البوشية الحالية الأمر للرأي العام الأمريكي وخشيتها من ألا يتحفها القدر بفرصة مماثلة أو فعل نظير يمكنها من استكمال طموحاتها الاستعمارية شرقا وغربا؟ ربما يكون ذلك صحيحا والي حد بعيد لاسيما في ضوء التصريحات المتوالية التي تطلقها البنتاجون وما يؤكد صدق ما ننحو إليه إشارة وزارة الدفاع الأمريكية إلي ما تصفه بالطبيعة غير الأكيدة للتهديدات في عالم ما بعد هجمات سبتمبر 2001 وتضيف أن كوريا الشمالية تطور أسلحة نووية وكيماوية وبيولوجية وترسل أسلحة إلي دول أخري، مشيرة إلي تطوير إيران أسلحة بعيدة المدي وسعيها إلي إنتاج أسلحة نووية وهذا ما يقودنا إلي جزئية مكملة لخطوط الاستراتيجية، جزئية ملؤها الدمار الشامل الأمريكي الآتي لا ريب. الاستراتيجية واستخدام السلاح النووي ولعل ما يثير الرعب لدي قراءة الوثيقة الجديدة هو الدخول في دائرة استخدام أسلحة الدمار الشامل في حروب أمريكا القادمة، إذ تقول الوثيقة إن _البنتاجون_ ستزيد بشكل كبير الوسائل المتاحة لها لمواجهة انتشار أسلحة الدمار الشامل وان وزارة الدفاع الأمريكية تنوي تخصيص 1.5 مليار دولار علي خمس سنوات، لتمويل برنامج يسمح بتطوير مجموعة من الإجراءات المضادة للتهديدات الناجمة عن الإرهاب البيولوجي وفي وجه الغموض الاستراتيجي في المستقبل ستطور "البنتاجون" مجموعة واسعة من وسائل الرد التقليدية مع الإبقاء علي قوة ردع نووية قوية وفي هذا الإطار قررت "البنتاجون" اللجوء إلي عدد صغير من الصواريخ الباليستية من طراز "ترايدنت" التي تطلق من الغواصات لاستخدامها في إطار رد تقليدي سريع، كما ستشتري مزيدا من الطائرات التي تعمل من دون طيار لمضاعفة إمكاناتها في مجال المراقبة. وجاء في الوثيقة أن وزارة الدفاع ستبدأ بتطوير نوع جديد من الغارات علي المدي الطويل. إن ما أعلنته الوثيقة إنما يستهدي بالعناصر الاستراتيجية الدفاعية لمشروع القرن الأمريكي الجديد ومن بينها علي سبيل المثال لا الحصر: الانتقال إلي التسلح عالي التكنولوجيا لضمان التفوق طويل المدي للقوات الأمريكية التقليدية. حماية الداخل الأمريكي بإعادة ترتيب القوة النووية وباستخدام نظام الدفاع الصاروخي. تطوير جيل جديد من الأسلحة النووية يصمم لتوجيهها إلي المتطلبات العسكرية الجديدة. تطوير الدفاعات الصاروخية ونشرها عالميا للدفاع عن أمريكا وحلفائها ولضمان قواعد آمنة للقوات الأمريكية حول العالم. السيطرة علي الفضاء العالمي متضمنا الفضاء المعلوماتي وفتح الطريق أمام القوات الأمريكية الفضائية. إعادة توجيه القوات الجوية الأمريكية تجاه أن تصبح القوة الضاربة العسكرية الأولي عالميا. نشر القواعد الأمريكية لأبعد من غرب أوروبا نحو شمال شرقي آسيا لضمان وجود عسكري أمريكي دائم في مواجهة صعود الصين إلي مكانة القوة العظمي. وتطبيقا للعناصر السابقة فإن الوثيقة تحذر من تنامي قوة الصين العسكرية التي تسارعت وتيرتها في السنوات العشر الأخيرة، مما يشكل إزعاجا لتايوان الحليف الأمريكي لذا فإن وزارة الدفاع الأمريكية تري أن القوة العسكرية الصينية تشكل اختلالا في التوازن الإقليمي وتشدد علي نهج الولاياتالمتحدة في التفاوض مع الصين لحصر تلك القوة في إطار قدرة دفاعية. وتفيد الوثيقة أيضا بأن الصين ستواصل علي الأرجح الاستثمار بقوة في بناء أسلحة مثل الصواريخ ذاتية الدفع أو صواريخ كروز وأنظمة الدفاع الجوي والغواصات وتري أن سرعة ونطاق القدرة العسكرية الصينية يعرضان الموازين العسكرية الإقليمية بالفعل للخطر ولذلك فإن الولاياتالمتحدة تسعي إلي إثناء الصين وغيرها من الدول عن تطوير قدرات يمكن أن تهدد الاستقرار الإقليمي لكن في حال الصين علي وجه الخصوص فإن المشهد مرشح للمواجهة لاسيما في ضوء تقرير مسبق صادر عن البنتاجون منتصف العام الماضي يحتوي علي رسم بياني تم فيه تحديد دائرة يبلغ نصف قطرها 18 ألف كيلومتر لعملياتها القتالية التي تنفذها قواتها في أوروبا الشرقية وآسيا الوسطي لتمتد بذلك إلي حدود الصين الشمالية والشرقية والغربية وهو ما يعزز القدرة القتالية لهذه القوات ويمكنها من توجيه ضربات في العمق الصيني. والمؤكد أن إدارة بوش التي تتهم من وصفتهم الإرهابيين اليوم بتعكير صفو وسلام العالم قد بلغ سمعها الردود الصينية، التي يمكن أن تقود إلي الحرب النووية الشاملة وهو ما وضح في تصريحات الجنرال الصيني _جو شينج_ من أنه في حال تحريك الأمريكيين صواريخهم وقذائفهم الموجهة وصوبوها نحو أهداف في الأراضي الصينية فإن الصين سترد بالأسلحة النووية. هذه هي الملامح الأولي لإرهاصات ما يمكن أن تقود إليه الاستراتيجية المزعومة والتي نتساءل حولها كيف يمكن وصفها بالدفاعية؟ وبأي كيفية إذن يمكن أن نصف خطط الحروب العالمية ذات الطابع الهجومي الساحق الماحق الذي لا يصد ولا يرد؟