بدأ ميزان القوة العالمي يميل إلي آسيا بقوة في الوقت الحالي. لذلك سوف تهيمن آسيا علي القرن الحادي والعشرين كما هيمنت الولاياتالمتحدة وأوروبا علي العالم خلال فترات أوجهما. هذا ما نقوله نحن جميعا ويشير إليه الجميع تقريبا خلال الندوات الدولية ومؤتمرات القمة وكتابات المراقبين والمعلقين. بزوغ آسيا أصبح موضوع الساعة، حتي وإن كان شيئا محظورا. ويتم تعديل هذا الوصف من وقت لآخر لكي يجعل الهند والصين القوتين العظميين في المستقبل بدلا من القارة الآسيوية برمتها. وهناك الكثير من الأدلة الإحصائية والروائية التي تعزز هذا الزعم. يبدو أن معدلات النمو الكبيرة التي حققتها الصين والهند، وظهور الصين كأكبر مركز صناعي في العالم تؤكد أن التحول التاريخي للقوة والقيادة بدأ يتحقق بالفعل. ولكي تتأكد أن أوروبا والولاياتالمتحدة بدأتا يتركان مكانهما كقوي عظمي لدول الشرق، ينبغي عليك أن تنظر إلي العرض الذي تبلغ قيمته 32 بليون دولار أمريكي الذي تقدمت به شركة لكشمي ميتال الهندية خلال الشهر الماضي لشراء شركة أرسيلور التي تعد أكبر شركة أوروبية لصناعة الصلب. وقد استوقفني الجدل الدائر بين أنصار النزعة الحمائية الأوروبيين الذين أعربوا عن معارضتهم للعرض الذي تقدمت به شركة ميتال، لذلك بدأت أفكر في كتابة هذا المقال لأشرح للقارئ حلقتين من رواية بزوغ آسيا حدثتا في وقت واحد. الحلقة الأولي هي الضعف الاقتصادي المستمر في أوروبا التي تعاني من انحفاض حاد في معدلات المواليد، علاوة علي تشدد وتصلب الأسواق في العديد من دولها الكبيرة فيما تشهد آسيا نموا اقتصاديا كبيرا. أما الحلقة الثانية من القصة فتتعلق بإحلال الشركات الأمريكية الكبيرة في الخارج ومثال ذلك شركة ميتال التي تعتبر أكبر شركة لتصنيع الحديد الصلب علي مستوي العالم أجمع. وبالمثل، هددت شركة بيبسي كولا الوظائف والأصول الأوروبية خلال العام الماضي عندما حاولت شراء مجموعة دانون. (علي الرغم من أن الصفقة لم تتم). وخلال العام الحالي أثارت شركة هندية متعددة الجنسيات نفس المخاوف ووقفت إلي جانب أنصار النزعة الحمائية الذين يطالبون بعد السماح لشركة ميتال بشراء شركة أرسيلور التي تتخذ من لكسمبورج مقرا لها. لذلك هل تسعي الشركة الهندية الجشعة إلي استعراض عضلاتها لكي تتفوق علي الأمريكيين الجشعين أيضا في لعبة القوة؟ يبدو أن الأمور ليست بهذه البساطة. إن شركة ميتال تتخذ من هولندا مقرا لها وتلعب دورا كبيرا في أوروبا التي مازالت تعتبرها سوقا مربحا. تسعي شركة ميتال إلي شراء العديد من الشركات الضعيفة في أوروبا وفي أماكن أخري وتعمل علي تطويرها وتحديثها، ويتم ذلك أحيانا في إطار شراكة مع شركة ثيسنكروب الألمانية. لذلك من المتوقع أن تتجسد النتيجة النهائية لقيام شركة ميتال بشراء أرسيلور في انتشار قوتها في أوروبا وآسيا بدلا من تركزها في أيدي الآسيويين فقط. قد يحدث نفس الشيء في مجال القوة العسكرية في القرن الحادي والعشرين أيضا. فمن الممكن أن تظهر قصة جديدة لبزوغ آسيا علي خلفية الأخبار التي تشير إلي أن الولاياتالمتحدةالأمريكية قد تحث الأعضاء الأوروبيين في حلف شمال الأطلنطي الناتو في مؤتمر قمة ريجا في نوفمبر المقبل علي دعوة أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية لكي يصبحوا "شركاء عالميين" في الحلف. وقد تحصل الهند وبعض الدول الآسيوية الأخري علي هذا الوضع في المستقبل. يمكن للمرء استبعاد رؤية وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد حول "أوروبا القديمة" حيث تسعي الولاياتالمتحدة حاليا إلي استبدال شركائها الأوروبيين الذين يتسمون بالضعف من الناحية السكانية والسياسية بشركاء جدد أكثر قوة من مركز القوة الجديد في العالم. وهذه أشياء رمزية أكثر من كونها أمورا جوهرية. ذلك لأمر واحد وهو أن اليابان القوة الآسيوية التي يتم تجاهلها حاليا سوف تستخدم خبراتها وقدراتها ومواردها لنشر قوتها في المنطقة وللمحافظة علي النفوذ الأمريكي فيها. المنطق وراء ذلك يتمثل في حقيقة أنه ليس من مصلحة اليابان أن تتركز القوة في أيدي جيرانها الإقليميين، سواء تم ذلك بصورة جماعية أو فردية. لعبت اليابان تحت قيادة رئيس وزرائها جونشيرو كويزومي دورا هاما في ممارسة لعبة تحقيق التوازن بين الصين والهند وذلك بإرسال قواتها إلي العراق وأفغانستان وتقديم مبالغ كبيرة لجهود إعادة الإعمار في البلدين وذلك لدعم الأهداف الأمريكية. إن تاريخ طوكيو من التعاون الأمني الوثيق مع واشنطن قد يعني بالنسبة لليابانيين أن القوة الأمريكية فقط هي التي يمكنها تحقيق الاستقرار في منطقتي الشرق الأوسط ووسط آسيا، اللذين يعتبران من أكبر مصدري الطاقة ومستوردي الأمن. وقد توصلت الهند، ثاني أكبر ديمقراطية في آسيا، إلي نفس النتيجة. هذه قصة تنطوي علي حكمتين، أولهما أنه ينبغي علي المرء أن لا يثق في الرموز التي تتناسب مع نظريات استراتيجية شائعة. أما الحكمة الثانية فتتمثل في أن انتقال القوة العظمي قاريا أصبح أمرا مؤكدا الآن شأنه شأن مفهوم نهاية التاريخ المعروف الذي كان سائدا خلال العقد الماضي. لا يوجد خط مستقيم إلي الهيمنة الأحادية القطب الجديدة في العالم حيث يكون تفتت قوة الدولة هو الأ مر الشائع في كافة المناطق. أن هذا الوضع سوف يكون أكثر تعقيدا غدا عما هو عليه اليوم.