تعتبر الولاياتالمتحدةالأمريكية نفسها في حرب ليست علي شاكلة أي من الحروب التي خاضتها من قبل. والعدو هنا ليس كوبا فيديل كاسترو ولا فنزويلا هوجو شافيز أو الصين التي تحتل المركز الرابع بين أقوي الدول اقتصادا وإنما هو الإرهاب الدولي، ممثلا في شخص أسامة بن لادن زعيم تنظيم "القاعدة"، الذي ذهب دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي إلي تشبيهه بكل من أدولف هتلر وفلاديمير لينين، خلال حديث له ألقاه في الثاني من شهر فبراير الجاري. وعلي حد قول رامسفيلد، فإن العدو مستتر ومختبئ هذه المرة. ذلك أن الإرهابيين ينشطون ويعملون في عدة دول منتشرة في مختلف أنحاء العالم، كما أن لهم القدرة علي الانتظار الطويل الممتد بين هجمة وأخري من هجماتهم. واستطرد رامسفيلد إلي القول إن الإرهابيين ينوون حكم العالم كله، وإنه لا مناص من اجتثاثهم واستئصال شأفتهم من الكرة الأرضية بأسرها. وفي اليوم التالي لحديث رامسفيلد، أصدرت وزارة الدفاع الأمريكية تقريرها الدوري الذي يصدر كل أربع سنوات، وقد احتوي تحليلا للخطط العسكرية بشأن مواجهة كبري التحديات والمهددات الأمنية، خلال الخمس أو العشر أو حتي العشرين سنة المقبلة. وجاء في ديباجة ذلك التقرير ما يلي: "لقد دشنت الولاياتالأمريكية حربا، سيمتد أمدها فيما يبدو". ومن هنا نستشف مصدر الشعار الذي رفعته إدارة الرئيس بوش: ستكون الحرب الدولية المعلنة علي الإرهاب "حربا طويلة الأمد" ولا نهاية لها، لكونها ربما تمتد لعدة حقب وحقب. وإذا ما عدنا مرة أخري إلي خطاب رامسفيلد آنف الذكر، فقد صرح من جانبه قائلا في هذا المعني "إن السبيل الوحيد لفوز الإرهابيين بهذه الحرب، هو أن تخور عزيمتنا فنرفع رايات الاستسلام، أو أن نعتقد أنها حرب ليست بتلك الأهمية والجدية، أو حين تسود الاضطرابات والخلافات فيما بيننا. وعندها سنكون قد منحنا الإرهابيين وقتا كافيا لإعادة تجميع ورص صفوفهم، واتخاذ قواعد وقلاع منيعة لهم في العراق وغيره لينطلقوا منها. كما حدد رامسفيلد ثلاثة أهداف رئيسية لهذه الحرب الماراثونية الطويلة، تتلخص في الحيلولة دون حصول الإرهابيين علي أسلحة الدمار الشامل أولا، ثم حماية الولاياتالمتحدةالأمريكية من التعرض لأية هجمات كارثية تستخدم فيها الأسلحة النووية أو البيولوجية أو الكيمياوية ثانيا. أما الهدف الثالث، فيتمثل في مساعدة الحلفاء الأمريكيين ودعمهم في حربهم علي الإرهاب. يجدر بالذكر أن هذه الهواجس الأمريكية قد انعكست علي مقترحات الميزانية التي قدمها الكونجرس للبيت الأبيض الأسبوع الماضي. ويشار ضمن ذلك إلي أن ميزانية عام 2007 ستبدأ لأغراض وأهداف محاسبية اعتبارا من الأول من أكتوبر من العام الجاري 2006. ونصت هذه المقترحات علي أن يتجاوز حجم الإنفاق علي الدفاع والأمن القومي مبلغ 500 مليار دولار. ويكاد يصل هذا الرقم إلي ما يعادل نسبة 20 في المائة من إجمالي حجم الإنفاق الفيدرالي لعام 2007، وهو ما يقدر بنحو 2.77 تريليون دولار. وبالمقارنة تخيل أن نصيب وزارة الخارجية الأمريكية من الإنفاق الفيدرالي المذكور هو 14 مليار دولار فحسب، أي ما دون نسبة 1 في المائة منه! ودون شك أن في كل هذا البخل والتقتير في الإنفاق علي وزارة الخارجية، ما يبعث برسالة واضحة عن أولويات الولاياتالمتحدة التي ترجح كفة الحرب علي كفة العمل الدبلوماسي السلمي كما نري. وعليه، فإنه لا سبيل لبقية دول العالم للخلاص من قبضة الاحتلال الأمريكي التي تطوق عنقها. وسواء شاءت هذه الدول أم أبت، فإنها ستجد نفسها حتما في لجة النزاعات والمواجهات المسلحة بقوة الدفع والاستقطاب الأمريكي. وبالاستناد علي البيانات والمعلومات الأكيدة، فإن لأمريكا قواعد عسكرية منتشرة في ما يزيد علي المائة دولة، لابد من استقطابها حتما وبهذا الشكل أو ذاك، إلي ساحة الحرب الماراثونية الممتدة. وفي المنحي ذاته، ما فتئت واشنطن تمارس الضغوط علي حلفائها الأوروبيين، وتحثهم علي زيادة ميزانياتهم الدفاعية، وعلي المساهمة بالمزيد من القوات والجنود في مهمة حلف "الناتو" الحالية في أفغانستان، إضافة إلي حثهم علي الانخراط الكامل في الحرب الدولية المعلنة علي الإرهاب.