لا يمكن للمراقب أن يتجاهل سير العمليات الانتخابية في العراق، وخاصة الانتخابات التشريعية الأخيرة وما ستفضي إليه من قيام سلطة حكومية شرعية. وإذا كان الرئيس الأميركي جورج بوش قد اعتبر الانتخابات العراقية بمثابة انتصار لسياسته في إطار استعادة شعبيته المتراجعة داخل الولاياتالمتحدة، فإن هذه المسألة لا تقلل من أهمية الانتخابات، ولا يجب أن تصد العراقيين عن بناء الدولة والعمل علي إجلاء الاحتلال في أسرع وقت. ما هي أهمية الانتخابات التشريعية التي حصلت؟ وما هي المخاطر التي قد يواجهها العراقيون وسبل مواجهتها؟ أخذ العراقيون يعتادون الانتخابات العامة بعد طول غياب. قد يقال ان العملية الانتخابية جرت في عهد الرئيس السابق صدام حسين، وكانت نتيجتها معروفة سلفاً حيث قاربت نسبة 99.99 في المئة من مجموع المقترعين (كذا)، بيد أن العملية التي صارت تتكرر اليوم حملت في طياتها موالاة ومعارضة. كتل متنافسة وعلي برامج مختلفة. لقد توارت الأحادية علي رغم التشويه الذي ألحقه الاحتلال الأميركي بالعراق دولة وشعباً. الي ذلك، ثمة تزايد في نسبة المشاركين في الانتخابات، فمن 61 في المئة في الاستفتاء علي الدستور خلال أكتوبر الماضي، الي أكثر من سبعين في المئة شاركوا في الانتخابات التشريعية الأخيرة والتي حملت مجموعة كتل متنافسة. وبعدما امتنع عدد كبير من الناخبين السنّة عن المشاركة في الانتخابات التشريعية للمرحلة الانتقالية في بداية العام 2005، شارك بعضهم في الاستفتاء الشعبي علي الدستور، ثم زادت نسبة مشاركتهم في الانتخابات التشريعية الأخيرة. بتعبير آخر، ينخرط العراقيون تدريجاً في العملية الانتخابية التي هي أهم آلية في آليات الديموقراطية. هذا علي رغم العامل الطائفي الذي برز تحت وطأة الاحتلال، وتحرّك الجماعات التكفيرية الارهابية التي عاثت فساداً في غير بلد من بلدان العالم الاسلامي. وبقدر ما يحزم العراقيون أمرهم لإجلاء الاحتلال بقدر ما تتعمق هذه التجربة بعيداً من التهديد بالحرب الأهلية، وبالفيدرالية الطائفية بين سنّة وشيعة وأكراد. الانتخابات التشريعية الأخيرة ستفضي الي قيام حكومة شرعية علي قاعدة الانتخاب، الذي بُني علي أساس الدستور المستفتي عليه. وبصرف النظر عن الانتقادات الموجهة لسير العملية الانتخابية، وقد تسترت أحياناً بالطائفية، فإن المشاركة السياسية تتسع. هذا علي رغم ضرورة التمييز بين العملية الانتخابية بحد ذاتها وبين جوهر الديموقراطية المتمثل بثقافة التعدد السياسي، وقبول المعارضة، والتداول السلمي للسلطة بعيداً من التهديد بالحروب الأهلية والداخلية أوالتهديد بالعودة الي قانون الطوارئ بحجة مواجهة الخطر الداهم الذي يحيط بالبلاد! إن مجمل هذه الاعتبارات لا تسقط من الحساب السياسي مخاطر بلقنة العراق إذا ما طال أمد الاحتلال. وإذا ما هبط العراقيون الي ما دون الوطنية بحثاً عن أحقاد دفينة، ولّده النظام السابق القائم علي الاستبداد المطلق تحت لافتة العروبة، فإن البلقنة تصير أمراً واقعاً علي رغم التحديات التي ستجرّها علي دول الجوار الاقليمي كافة. أي أن هذه الدول إذا ما تمكنت من مساعدة العراق علي النهوض، وبناء الدولة، فإنها تكون قد أمنت مستقبلها الجيوسياسي بعيداً من مخاطر التقسيم العرقي والقومي والطائفي. وحدها المواطنة قادرة علي مغالبة الانقسامات داخل العراق وغيره من الدول العربية، والدول النامية بصورة عامة. والمواطنة إطار ملائم لسير العملية الديموقراطية من خلال الانتخابات، ومن خلال قيام مجتمع مدني متفاعل دون أن يصل مرحلة الانقسام أوالتفتيت. هل ستفضي الانتخابات التشريعية هذه المرة الي قيام دولة جديدة في العراق؟