صار واضحا وبجلاء لا يحتمل اللبس أن الديمقراطية في موطنها الأصلي الولاياتالمتحدة تتعرض للضمور وربما للانقراض. وكان سياسي عربي مخضرم من مصر العربية قد توقع في السبعينيات أن يسقط الاتحاد السوفيتي ويشكل سقوطه الذي سيكون مدوياً كارثة محققة للولايات المتحدة التي ستفقد المنافس والمحفز، الذي يستقطب لها ما تريد من الأنصار بوصفها زعيمة العالم الحر وسيؤدي إلي أن يتحول نظامها الديمقراطي الي ديكتاتورية تشدد معه القبضة علي المواطنين أكثر مما كان النظام السوفيتي يفعله مع مواطنيه، ويبدو أن تنبؤات ذلك السياسي المخضرم قد بدأت تتحقق تدريجياً وبصورة لم تكن متوقعة الحدوث. لذلك فلم يعد بعيداً ذلك اليوم الذي سيفتح فيه الأمريكيون عيونهم فيروا أن بلادهم قد صارت معقلاً من معاقل الديكتاتورية، تحت مبررات تتكاثر كل يوم، بعد أن وضع أساسها الرئيس جورج دبليو بوش، وفي مقدمتها حماية الولاياتالمتحدة من الارهاب، وهو ما سيجعل تلك البلاد العظيمة تسير بخطوات حثيثة نحو الديكتاتورية "الجماعية" مؤقتاً كما هي الحال الآن قبل أن تتحول إلي ديمقراطية فردية خالصة تتوازي في أعمالها وردود أفعالها مع ديكتاتورية النازي الألماني هتلر وما تناسل عنها لاحقاً من ديكتاتوريات مختلفة. الأدلة علي اتجاه الولاياتالمتحدة نحو الديكتاتورية كثيرة، وليس اهمها تثبيت القوانين سيئة السمعة التي فرضها الكونجرس، وأعيد العمل بها في تحد صارخ من البيت الأبيض وإداراته المحافظة بل المتطرفة. ولعل اخطر مظاهر الديكتاتورية والانجراف نحوها عدم ظهور أي ردود أفعال تجاه اعتراف الرئيس بوش بأنه ذهب إلي الحرب في العراق نتيجة معلومات خاطئة ولا أساس لها من الصحة، وأنه لا أسلحة دمار شامل في العراق ولا علاقة لصدام حسين بالقاعدة، إلي آخر المزاعم التي أدت إلي محنة الشعب العراقي وتزايد آلامه، وإلي محنة الشعب الأمريكي الذي يبعث بأبنائه للموت المجاني في مغامرة غير محسوبة، ومن دون مبرر يستحق كل التضحيات فضلاً عن تشويه سمعة الولاياتالمتحدة في العالم وخوف الشعوب من حماقة حاكمها أن يفاجئها بحرب طاحنة نتيجة معلومات خاطئة، وأسوأ ديكتاتور هو ذلك الذي يقود بلاده إلي حرب خاسرة ثم لا يعلن استقالته ولا تستطيع المؤسسات التشريعية في بلاده أن تسارع إلي إقالته وهو أقل اجراء يمكن ان يتم في دولة كانت ديمقراطية، وسبق لها أن عاقبت رؤساء سابقين لم يرتكبوا في حق الولاياتالمتحدة والعالم خمسة في المائة مما ارتكبه هذا الحاكم واعضاء ادارته الذين يهيئون لأخطر ديكتاتورية في القرن الواحد والعشرين. وإذا كان التنصت علي إحدي المؤسسات الأمريكية في السبعينيات قد أدي إلي إقصاء رئيس وإخراجه عنوة من البيت الأبيض فلماذا لا يحدث شيء من ذلك مع رئيس يتنصت علي المواطنين الأمريكيين أفراداً ومؤسسات بالرغم مما يشاع علي السطح من أن التنصت ظل مقصوراً علي المواطنين المسلمين فقط، وهي جريمة مدانة دستورياً في كل الأحوال وتحت كل الظروف. عن الخليج